"معادلات الردع ونكهة النصر".. عن صنعاء وغزة نتحدث!
السياسية || صادق سريع*
في عالم الحروب، ليس هناك مصطلح بديل للنصر أو للهزيمة، لذا تحاول "إسرائيل" -بدعم غربي مفتوح- تحقيق أدنى انتصار ميداني، غير الذي يردده ساستها في الخطابات، وتكشف عنه أرقام حصيلة الهزيمة في جبهات القتال أمام رجال المقاومة الفلسطينية في معركة غزة.
تشير نتائج قراءة الحرب على الأرض إلى هزيمة جيش "إسرائيل"، ذلك الجيش الذي قيل إنه حذف مصطلح "الهزيمة" من قاموسه العسكري، واستبدلها بجملة "الجيش الذي لا يقهر"، لكن على الرغم من ضخامة أسطورته، وإمكاناته، وعدده وعدته وعتاده، وتقنياته، واستخباراته المتطورة، وحظوظه بالدعم السياسي والعسكري والعملياتي من أنظمة الغرب وجيوشها، لم يحقق هدفا واحدا من أهداف الحرب: تدمير حركات المقاومة، واستعادة 139 أسيرا صهيونيا من قبضة حماس، وأخواتها.
- الانتكاسة الكبرى
تعد عملية "طوفان الأقصى" المباغتة، يوم 7 أكتوبر 2023، التي يصفها خبراء عسكريون وأحرار في العالم بـ"الفريدة من نوعها وبداية نهاية الكيان المؤقت ونكسة كبرى للصهيونية" وليس فقط لـ"إسرائيل"، حيث كان هجوم السبت بمثابة القوة الذي حطم بوابات الكيان الفولاذية، وأفقد ساسة وجنرالات يافا (تل أبيب) الوعي والثقة في النفس، وفضح أكذوبة أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" في عملية عسكرية واحدة فقط.- صناع الأنظمة
وعلى الرغم من بذل "إسرائيل" جهودا كبيرة طيلة عقود في مهمة إعادة تصنيع أنظمة المنطقة وفقا لتفصول مصالحها، لكن تلك المحاولات لم تسقط اسم فلسطين، ولم تمحِ قضيتها من ذاكرة الأمة، وما مواقف الأنظمة العربية من حرب غزة إلا نتاج عمليات الأدلجة للحُكام الموسومين بعلامة الجودة الصهيونية، وهكذا تتم عمليات صناعة القادة وفق ماركة "صُنع في "إسرائيل" بنجاح.فيا عزيزي المواطن العربي: لا تستغرب من غياب المواقف العروبية، فلم يسبق لأغلب القادة أن سجلوا موقفاً واحدا دعما لقضايا الأمة ولو سهوا، لا بالمكشوف، ولا من وراء حجاب، ليغالطوا به التاريخ يوما ما، [ولا يظلم ربك أحد].
- فلسطين ما بعد الطوفان
وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى تاريخ فلسطين عقب نكسة 1948، كانت اسما بلا جسم وقولا بلا فعل، فهي عبارة عن مبنى مستأجر كُتب بجدرانه "السلطة الفلسطينية"، يقبع داخله رئيس مستأجر، يصدر الأوامر، وحوله حاشية مأجورة، وآلاف من رجال الحراسة في أراض صغيرة كمنحة من "إسرائيل"، اُجتزت من ضواحي مدينتي القدس وجنين، وفق اتفاق "الأرض مقابل السلام"، بهدف استكمال عملية "محو اسم فلسطين من ذاكرة الأجيال وخارطة الكوكب الأزرق".واليوم بعد عملية الطوفان، كم هناك فلسطين؟.. اليمن فلسطين، لبنان فلسطين، سوريا فلسطين، العراق فلسطين، إيران فلسطين، جنوب أفريقيا فلسطين، فلسطين بكل أحرار العرب والعالم..
فيالها من عملية عجيبة أهداها القدر، وكأن غزة أصبحت بوصلة وقبلة الأحرار والأعداء، التي تدار منها وعليها غرف العمليات الحربية، فمن يصدق أن ذلك القطاع الصغير يهز كيانات العالم.. فلله درك يا غزة.
وكأن تلك العملية الكونية (طوفان الأقصى)، التي جاءت بفعل تحالف الأرض والسياسة "الجيوبوليتيك"، أُعطت التاريخ ضوءاً أخضر أن يغيّر مساره من داخل أنفاق غزة، مبشراً بولادة عالم جديد رغم أنف المستمرين الجدد، بفاتورة ثمنها 34 ألف شهيد، و77 ألف جريح، وآلاف المفقودين بفعل آله الحرب الصهيونية.
- صنعاء تحل العقدة
إنَّ قرار صنعاء دخول الحرب لنصرة غزة ضد الكيان المحتل وحلفائه مثّل ضربة كبرى وحلا لعقدة أسطورة "إسرائيل"، واستباحة لحرمتها المرسومة بذهن العقل العربي، في أن أي عربي يفكر بشن حرب على "إسرائيل" فكأن تلك الأفكار من وساوس الشيطان يجب التعوذ منها.من حسن الحظ أن هبت رياح التغيير على اليمن، حرَّكت شرارات رجالاتها الثائرة، وأهدتها قيادة حكيمة ذات حس ثوري وثقافة قرآنية وروح جهادية، ونظرة ثاقبة للمستقبل، وها هي اليمن تصنع معادلات المنطقة بقوة توازن ردعها العسكري، بل وتفرضها على الطريقة ووفق الأصول اليمنية، وما كان انتصار صنعاء على أخبث حلف عدواني، شن حرب 9 سنوات، إلا تأكيد انتصار المعادلة الأولى.
- اليمن وقوة الردع
تلتها معادلة أضخم، وقاعدة اشتباك أقوى، فرضتها صنعاء بقوه السلاح، معلنة توجيه عمليات هجومية بالصواريخ والطيران المسيّر للأراضي المحتلة، عطلت أهم موانئ العدو: ميناء أم الرشراش (إيلات)، ثم قرار الحظر البحري على سفن "إسرائيل" وأمريكا وبريطانيا والسفن المتوجهة إلى الكيان اللقيط عبر مياه البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب والمحيط الهندي، وهكذا حللت اليمن ما كان محرما على العرب حين ضربت "إسرائيل". ليس ذلك فقط، بل مرّغت أنوف دول "أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيطاليا والدنمارك وهولندا والبحرين..." في معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدس" في البحر الأحمر، وفعلتها اليمن، فلله درك يا يمن.وما تزال صنعاء تؤكد استمرار المعادلة الندية "معركة البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي" مستمرة حتى وقف العدوان، ورفع الحصار على غزة.
[إن ينصركم الله فلا غالب لكم] صدق الله العظيم..
* المقال يعبِّر عن وجهة نظر الكاتب