السياسية:

إيهاب شوقي*


لا شك أن العدو الإسرائيلي عالق في مأزق يتمثل في تآكل بوجه حركات المقاومة، وأن الرد الإيراني الأخير من داخل الأراضي الإيرانية بمعزل عن الجدال حول حجم خسائره، شكل سابقة تاريخية فتحت الباب لمعادلات استراتيجية جديدة يصعب معها استمرار الأوضاع السابقة، وأنهى عصرًا من الجرأة الصهيونية على البلطجة دون عقاب علني ورادع، وأن تصريحات قادة الكيان بضرورة الرد على إيران تثبت زيف ادعاءات بفشل الهجوم الإيراني، وتؤكد أنه كان ردًا موجعًا في رسائله وتدشينه لمعادلات جديدة، وهو الهدف الرئيسي من الهجوم الإيراني والذي لو كان يهدف لخسائر كبرى من نوع آخر لكان استخدم شكلًا آخر، ولكنه كان يهدف لإيصال رسائل بعينها، وقد وصلت هذه الرسائل.

وبخصوص خيارات معسكر العدوان، فيمكن قراءتها عبر توزيع الأدوار بين أمريكا والكيان:

أولًا: أمريكا

ليس أمام أمريكا إلا خيار وحيد، وهو عدم التصعيد مع إيران وعدم مشاركة الكيان في أي عدوان حتّى لا تتعرض قواتها لاستهداف شامل، لأن أمريكا تعلم جدية إيران ومصداقية تحذيراتها، ناهيك عن أن إيران أثبتت ذلك عمليًّا لأمريكا بقصفها لقاعدة عين الأسد والتي شكلت وقتها أيضًا سابقة تاريخية، وتكتفي أمريكا بتجديد التزامها بأمن الكيان ومحاولة الدفاع عنه واستمرار جهودها المضنية في حصار إيران.


ولعل الخبير الأمريكي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دانييل بايمان لخص الخيار الأمريكي بالقول "يتمثل أحد الأدوار المهمّة التي تلعبها الولايات المتحدة في طمأنة "إسرائيل"، والتوضيح لدول مثل إيران بأن الولايات المتحدة ستظل منخرطة في المنطقة وستقف إلى جانب حلفائها. ويعتمد الردع الإسرائيلي جزئيًا على قدراتها الخاصة، ولكن وجود الولايات المتحدة في صفها يجعل دولًا مثل إيران أكثر حذرًا، كما أن الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة وحلفاؤها ضدّ الهجمات الإيرانية يبعث برسالة مفادها أن "إسرائيل" ليست وحدها في مواجهة العدوان".

ثانيا: العدوّ الإسرائيلي

من واقع تصريحات مسؤولين في الكيان، ومن واقع التقديرات الدولية، لخّص مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي سيناريوهات الردود المحتملة، وهنا يمكن استعراضها وبيان مواطن الخلل:


حصر دانييل بايمان الردود الصهيونية المتوقعة في أربعة ردود محتملة، وقال إن لكل منها حدود ومساوئ:

1 - "ابتلاع الرد الإيراني، وألا تفعل "إسرائيل" شيئًا وتخفف من تصعيد الوضع، وعدم القيام بأي تحرك من شأنه أن يريح أجواء الدولية والولايات المتحدة، التي تخشى نشوب حرب إقليمية، ويجعل القادة الإسرائيليين يبدون وكأنهم "رجال دولة" في وقت ظهروا أنهم دعاة حرب متوحشون. ومع ذلك، فإن عدم القيام بأي شيء قد يترك الجمهور الإسرائيلي غير راضٍ. وسوف يشعر الإسرائيليون ذوو العقلية الأمنية بالقلق من أن إيران سوف تكتسب المزيد من الجرأة إذا لم تدفع ثمن هذا الهجوم الضخم، وأن الأعداء الآخرين قد يتشجعون أيضًا".

2 - "شن هجوم مفتوح على إيران نفسها. ويمكن لـ "إسرائيل" أن تنفذ صواريخ أو غارات جوية على منشآت عسكرية إيرانية مثل القواعد الجوية أو مواقع إطلاق الصواريخ. وهذا قد يؤدي إلى تقليص قدرة إيران إلى حد ما، ولكن الأهم من ذلك أنه سيكون بمثابة رسالة إلى طهران بأنها ستعاني إذا هاجمت "إسرائيل"، وليس مجرد إحراج نفسها بعملية فاشلة، ومكمن خطر مثل هذا الهجوم هو أن إيران سوف تقوم بالتصعيد، وأنها ستفعل ذلك في جميع أنحاء المنطقة".


ووفقا لبايمان فإنه "ورغم أن حزب الله و"إسرائيل" يتبادلان الضربات كلّ يوم، إلا أن كلًا منهما تجنب الدخول في حرب شاملة. حيث تمتلك الجماعة ترسانة صاروخية ضخمة يمكنها أن تطغى على الدفاعات الجوية الإسرائيلية. وإن إحدى علامات ضبط النفس في الهجوم الإيراني الأصلي على "إسرائيل" هو أنه لم يشمل حزب الله".


3 - "الهجوم السري على إيران دون إعلان، وهو رد أقل خطورة، وعلى الرغم من أنه أيضًا أقل إرضاء للجمهور الإسرائيلي. على سبيل المثال، تخريب المنشآت العسكرية الإيرانية أو الهجوم السيبراني، وهو ما يبعث برسالة إلى طهران، وإن كانت أقل دراماتيكية من توجيه ضربة عسكرية مفتوحة. وهذا أقل خطورة من حيث التصعيد، لأن إيران لا تحتاج بالضرورة إلى الرد علنًا لحفظ ماء الوجه".


4 - "مواصلة العمليات، ربما بوتيرة أكثر عدوانية، ضدّ شخصيات عسكرية واستخباراتية إيرانية خارج إيران. كان الهجوم على القنصلية الإيرانية في سورية هو السبب المباشر للجولة الأخيرة من القتال، لذا فإن احتمال التصعيد لهذا الخيار مرتفع بشكل واضح. ومع ذلك، فإنه سيرسل أيضًا رسالة إلى طهران مفادها أن محاولة إيران لترهيب "إسرائيل" قد باءت بالفشل، ويطمئن الشعب الإسرائيلي إلى أن الحكومة تواصل استهداف أولئك الذين يستهدفون "إسرائيل"" حسب تعبيره.

وهنا لابد من توضيح الحسابات الأمريكية والصهيونية الفاشلة، فالعدوّ لا يعلم أن إيران تتعمد أن يكون ردها ايرانيًا خالصًا ومعادلتها مستقلة عن معادلات جبهات المحور وان وحدة الساحات المقاومة تقوم على هذه الاستقلالية، وهو سر قوتها ومرونتها.

والأمر الآخر، هو خطورة قراءة الكيان للرد الإيراني وتفاصيله والاعتماد على مظلة الدفاع الإقليمي الجوي والاستخباراتي التي شكلتها أميركا باعتبارها حماية للكيان من رد إيراني أكثر عنفًا، لأن إيران بالفعل تمتلك من الجرأة والشجاعة ومن الإمكانيات التقنية والصاروخية والأسلحة ما يمكّنها من تجاوز هذه الدفاعات والوصول للعمق الصهيوني وأن الرد الإيراني كان ردًا أوليًا تعمدت إيران أن يكون محدودًا لتثبيت الردع، ولكن هناك أسلحة وطرق أخرى لايلام العدوّ والوصول معه لنهاية شوط التصعيد.

ولا شك أن استئناف العدوّ للقتل الوحشي بغزّة بعد انتهاء الرد الإيراني هو أكبر فشل صهيو أميركي في القراءة، لأنه يتصور أن إيران ومحور المقاومة كله سيكتفون بتثبيت معادلاتهم وترك غزّة فريسة للعدوان وترك مقاومتها منفردة، وهو عدم استيعاب لوحدة الساحات وما تقوم به، وعدم استيعاب لأن المحور اتّخذ قرارًا استراتيجيًا بانتصار غزّة وبقاء مقاومتها وأن المعادلة الرئيسية هي معادلة عامة وشاملة وليست معادلات جزئية لكل جبهة لحفظ ماء الوجه، وإنما استراتيجية نصر شاملة ومدروسة.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر