السياسية || محمد محسن الجوهري*


حتى نجيب على هذا التساؤل علينا أولاً أن نستوعب الحجم الفعلي لكل منهما قبل الضربة الإيرانية الأخيرة، والتي أعادت طهران للواجهة بقوة، ومنحتها هيبة سياسية قد تجعل منها مركزاً يوجه سياسات البلاد الإسلامية كافة، على الأقل لعقدين من اليوم.

السعودية بدورها عبارة عن مركز مالي كبير جداً، بسبب ثرواتها الطبيعية الضخمة، إلا أنها رغم ذلك لا تزال حبيسة الهيمنة الغربية، ومن الصعب والنادر أن نجد موقفاً للرياض لا يتواءم مع الخطوط العريضة التي يرسمها البيت الأبيض.

وتبقى زيارة دونالد ترامب للسعودية منتصف العام ٢٠١٧، الدليل الأهم على خنوع حكام المملكة لنزوات الغرب، بعد أن فرضت تلك الزيارة إتاوات هائلة على الرياض تصل إلى قرابة التريليون دولار.

ومع ذلك الخضوع تريد السعودية أن تبدو في الواجهة لاعباً إقليمياً مناهضاً لإيران، ومحرضاً عليها في كافة المحافل السياسية، بذرائع تختلف من حين لآخر، أبرزها الخلاف الشيعي - السني الذي تغذيه لزعزعة استقرار المنطقة.

ولو أن السعودية مستقلة الرأي، لكان الأجدر بها أن تسحب النفوذ الإيراني في المنطقة بالطريقة نفسها التي حققت بها إيران ذلك النفوذ، عبر دعم القضايا المركزية للأمة وفي مقدمتها فلسطين، وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.

وتشير مراكز دراسات غربية إلى أن المملكة أنفقت على نشر المد الوهابي منذ فبراير ١٩٧٩م، وحتى نهاية القرن العشرين، أضعاف ما أنفقه السوفيت على نشر الشيوعية خلال ثمانين سنة.

وكل ذلك فقط للالتفاف على مكانة إيران السياسية التي حظيت بها بعد انتصار الثورة الإسلامية، وتحرّك قادتها الجدد إلى نصرة القضية الفلسطينية، وإعادتها إلى الواجهة من جديد، بعد خفوت بعض صداها عقب التطبيع العلني بين مصر و"إسرائيل".

ورغم حجم الإنفاق السعودي - الذي كان كافياً لتحرير فلسطين- إلا أن إيران لا تزال قائمة، وتدعم مقاومة الشعب الفلسطيني في السر والعلن، وكان الأحرى بالرياض أن تنافس طهران في مواطن قوتها، بدلاً من تشويه الدور الإيراني وشيطنته لصالح الكيان الصهيوني.

ويكفي إيران اليوم أنها استعادت كامل هيبتها في المنطقة بعد ضربتها لـ"إسرائيل"، وكأنها لا تزال في الأيام الأولى لثورتها الاسلامية عام ١٩٧٩، أي أن مشروع الالتفاف السعودي قد باء بالفشل رغم ما أنفقته من تريليونات في سبيل ذلك.

والسعودية اليوم أمام خيارين، إما أن تبدأ من جديد، وتنفق ثروات هائلة أخرى لشيطنة إيران، أو أن تنكمش سياسياً على محيطها الجغرافي وحسب.

أما مقارعة إيران فهو أمر يفوق في مجمله طاقة آل سعود، سيِّما وهم ينغمسون اليوم في موجة من الانفتاح والشهوات، ربما لا مثيل لها في التاريخ، إلا ما كان من قوم لوط في غابر الأزمان.

وبذلك الانحدار الأخلاقي للسعودية تبرز إيران للواجهة مجدداً، وقد اكتسبت شعبية كبرى في العالم العربي، بسبب مناصرتها لحركات المقاومة والجهاد الفلسطينية، ونديتها السياسية للمشروع الغربي المعادي للعرب والمسلمين.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب