السياسية: تقرير// مرزاح العسل *


في أول هجوم إيراني مباشر على كيان العدو الصهيوني بعنوان عملية "الوعد الصادق".. أطلق الحرس الثوري الإيراني، الأحد، أكثر من 300 طائرة مُسيرة وصاروخ باتجاه الكيان الغاصب، بعد حوالي أسبوعين من قصفه للقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق وأسفر عن سقوط عدد من الشهداء.


وبعيداً عن حجم الأضرار التي ألحقها هذا الهجوم بالعديد من المواقع والقواعد الصهيونية، وبغض النظر عن مدى تأثيره على القدرات العسكرية لـ"جيش" العدو الصهيوني، فإن اتخاذ قرار بهذا الحجم من قِبل القيادة الإيرانية يعُتبر تطوّراً مهماً وحاسماً لناحية تحديد شكل المواجهة المقبلة بين إيران والعدو الصهيوني.

وتزامناً مع الهجوم العسكري الإيراني، شنّت القوات المتخصصة في مجال الهجمات السيبرانية هجوماً واسع النطاق أخرج بعض الإدارات والمؤسسات الصهيونية عن العمل.. وقد اعترفت وسائل إعلام العدو الصهيوني بأن هذه الهجمات السيبرانية حيّدت بعض أنظمة الدفاع الجوي بشكل مباشر، وساهمت كذلك بقطع الكهرباء والإنترنت عن مناطق واسعة من الكيان المحتل.

أما من ناحية الهجوم المُركّب جغرافياً، فقد قام محور المقاومة بشنّ هجمات كبيرة من جنوب سوريا وجنوب لبنان واليمن والعراق، وذلك في محاكاة للمعركة النهائية مع الكيان الصهيوني حيث جرى تفعيل مفهوم وحدة الساحات بشكل عملي.

وجاءت عملية "الوعد الصادق" الإيرانية استكمالاً لعملية "طوفان الأقصى" التاريخية والتي يجب استثمار إيجابياتها لصالح وقف حرب "الإبادة الجماعية" الصهيونية على غزة المحاصرة، وتحرير القدس والأقصى وسائر المقدّسات في الأراضي الفلسطينية.

وأثبتت هذه العملية أن الجمهورية الإسلامية نجحت، رغم ما تعرّضت له من حصار وحروب وفتن على مدى 45 عاماً، في بناء ترسانة عسكرية مهمة ومتطورة يدرك أعداء إيران قدرتها على الرد في كل مواجهة مرتقبة معهم.

كما ثبت الرد الإيراني معادلة جديدة في الصراع بين الجمهورية الإسلامية وكيان العدو الصهيوني تقوم على أن الرد على أي اعتداء صهيوني عليها سيأتي من داخلها وليس عبر حلفائها في محور المقاوم، وأيضاً كان له دور ملحوظ في رفع معنويات الجماهير العربية والإسلامية، ولا سيّما في فلسطين، وخصوصاً في قطاع غزة التي كان أهلها يواجهون سردية تسعى للإيحاء لهم بأنهم يقاتلون وحدهم.

وأعطى الرد الإيراني أيضاً نموذجاً يُحتذي به في الواقع الرسمي العربي والإسلامي؛ بإمكانية المواجهة العسكرية لهذا الكيان الهش والمؤقت، وإمكانية الانتصار عليه لو تضافرت القوى وتكاملت الجهود وتوحّدت الكلمة والموقف وتحررت الإرادة من الإملاءات الأمريكية والأطلسية، وكشفت ردود الفعل الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، عمق العلاقة بين الغرب الأطلسي والكيان الصهيوني والذي يتجه لعقد تحالف دولي لحماية الكيان، كما كان عبر تحالفات سابقة ضد العراق وسوريا وليبيا واليمن.

وبالتزامن مع بدء العملية الإيرانية أوقفت عدة دول في المنطقة حركة الملاحة الجوية، منها العراق وسوريا ولبنان والأردن، وأعلن العدو الصهيوني أن عدد المسيرات تجاوز 200 مسيرة، وكان من نتائجها إصابة مطار عسكري صهيوني وفق ما اعترف به الناطق باسم جيش العدو الصهيوني دانيال هاغاري، إضافة إلى أضرار مادية طفيفة في قاعدة للجيش الصهيوني، وإصابة فتاة بجروح طفيفة جراء الهجوم.

وزعم ناطق جيش العدو الصهيوني اعتراض 99 في المائة من القذائف والمسيرات والصواريخ التي أطلقت باتجاهها، في حين أعلنت إيران أن نصف صواريخها أصابت أهدافاً صهيونية.

الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي"، اعتبر أن التنسيق بين الميدان والدبلوماسية والدقة الفائقة جداً في مجال التنفيذ، من البوادر التي تبعث على الفخر والاعتزاز لعملية "الوعد الصادق" النوعية والقاصمة التي نفذتها القوات المسلحة الايرانية رداً على اعتداءات العدو الصهيوني.

وقال السيد "رئيسي"، الأحد: "إن الجمهورية الاسلامية، بلغت بفضل الدماء الطاهرة لشهدائنا وتضحيات قواتنا المسلحة والتوجيهات الحكيمة لقائد الثورة الاسلامية، بلغت اليوم قمم الاقتدار والشموخ، وبهذا الإجراء المشرف إذ نفذت وعدها في معاقبة العدو المعتدي، أدخلت البهجة والاستقرار في القلوب الحزينة لشعوب العالم والأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني المظلوم، بسب جرائم الكيان الصهيوني الغاصب."

وحذر الرئيس الإيراني، من محاولات العدو بعد هذا الفشل الذريع واليأس الذي أصابه من جراء العملية النوعية للقوات المسلحة الإيرانية، تعمده في استهداف أمن الشعب الايراني والمساس بالوضع الاقتصادي وتعقيد الظروف المعيشية للمواطنين.

بدوره.. أكد قائد هيئة الأركان الإيرانية العميد محمد باقري أن عملية "الوعد الصادق" التي نفذها الحرس الثوري ضد أهداف صهيونية، باستخدام مئات الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، نُفذت بنجاح وحققت أهدافها بالكامل".

وأوضح أن الرد الإيراني استثنى المفاصل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لأن طهران لا ترغب بإشعال فتيل الحرب، التي قد تطال نيرانها العالم بأسره إذا لم تجُبر عليها.

تصريحات باقري عززها القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي، والذي تحدث عن أضرار جسيمة تعرضت لها قاعدة جوية صهيونية ساهمت بالهجوم على القنصلية الإيرانية، وفند الرواية الصهيونية التي تحدثت عن فشل العملية العسكرية، بتأكيده أن إسقاط المسيرة الإيرانية إنما جاء ضمن خطط إيرانية مدروسة، بهدف تعطيل خطوط الدفاع المتعددة ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة التي يمتلكها الكيان الصهيوني.

وأعلن اللواء سلامي عن معادلة جديدة في الصراع الإيراني الصهيوني، فبعد اليوم، بحسب القائد العسكري الإيراني الكبير، سوف ترد إيران انطلاقا من أراضيها على أي استهداف لأرضها أو مواطنيها أو مصالحها في أي نقطة من العالم.. مؤكدا انتهاء الرد الإيراني الأولي، ما لم ترتكب "إسرائيل" أي حماقة جديدة، على حد وصفه.

ويرى مراقبون أن الخطوة الإيرانية باستهداف عمق الكيان الصهيوني بصواريخ ومسيّرات مُقبلة من قلب الأراضي الإيرانية، في إطار ردّها على جريمة استهداف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، واستشهاد سبعة من قادة الحرس الثوري الإيراني، بأنها شبيهة تماماً بتلك التي حدثت بعد اغتيال الطائرات الأمريكية للفريق قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قبل أربعة أعوام ونصف العام تقريباً قرب مطار بغداد الدولي، والتي اعتبرت في حينه تجاوزاً لكل الخطوط الحمر المعهودة، وكسراً لكثير من قواعد الاشتباك بين الجانبين الأمريكي والإيراني.

وينبغي الإشارة هنا إلى أن قاعدة "نفاطيم" الصهيونية التي تم استهدافها والتي تُسمّى أيضاً بقاعدة القوات الجوية 28، تعتبر من أهم القواعد الجوية في كيان العدو الصهيوني، وهي تُصنّف بأنها مطار عسكري صهيوني ودولي أيضاً، إذ تقع القاعدة في مدينة بئر السبع المحتلة، وفيها أسراب من طائرات "أف 35"، وتبعد عن قطاع غزة ما يقارب 70 كلم.

ويُشار إلى أنه منذ أكثر من ستة أشهر على الحرب الصهيونية المستمرة على غزة كانت ليلة الأحد، ليلة هادئة على الشعب الفلسطيني في غزة حيث شعر الغزاويون بالطمأنينة والعنفوان، لأن العملية الإيرانية أعادت للمقهورين من الشعوب العربية والإسلامية روح المقاومة واقتراب النصر الكبير على كيان العدو الصهيوني.

الجدير ذكره أن عملية "الوعد الصادق" تأخذ أهميتها كونها العملية العسكرية الأولى واسعة النطاق التي تحدث في أعقاب حرب أكتوبر في 1973، حيث قرّرت إيران خلال هذه العملية تأديب كلّ من العدو الصهيوني وأمريكا عبر قطع مسافة أكثر من 1500 كيلومتر بين إيران والأراضي المحتلة، فالهجوم الإيراني جعل قطعان المستوطنين والجنود الصهاينة في الكيان الغاصب يعيشون بعضاً مما عاشه الشعب الغزاوي الأعزل على مدار أكثر من ستة أشهر من القتل والتدمير.
سبأ