أحمد الدرزي*

يقترب سريعاً يوم القدس العالمي لهذا العام بشكل مختلف عن كل الأعوام السابقة، فقد سبقته بستة أشهر عملية طوفان الأقصى التي تجاوزت كل الخطوط الحمر التي وضعها الكيان الصهيوني لنفسه، فقام في إثرها بأطول حرب يخوضها منذ أن تم "الاعتراف به"، والأمر الثاني هو ما وصل إليه الكيان بعد حرب الإبادة المستمرة بقيامه بتجاوز الخطوط الحمر للحرب بعد قيامه بتفجير القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال قادة قوة القدس لحرس الثورة المضطلعين بإدارة المواجهة مع الكيان، ما يجعل إحياء هذا اليوم في هذا العام ضمن مسؤوليات جديدة وتحديات أكبر ليأخذ معنى أوسع مما انطلق منه.

انطلق يوم القدس منذ لحظة التأسيس عام 1979 ليرسم مساراً مختلفاً مما يتم العمل عليه منذ استدارة الرئيس المصري أنور السادات بتقويضه الأمن القومي لمصر وإفقادها دورها الإقليمي الأهم في مستقبل الصراع على منطقة غرب آسيا وتحديد خرائطها الجيوسياسية في عالم متغير المسارات.

وقد جاء كتعبير عن انتقال هذا الدور إلى إيران بعدما أنجزت ثورتها لتكون بديلاً من دور مصر في زمن الضياع العربي ووقوف سوريا وحيدة أمام اجتياح صهيوني بعنوان الواقعية السياسية.

وقد يكون مشهد المواجهة الكبيرة والمستمرة بين قوى المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا مع الكيان أوضح تعبير عن رمزية ثمار هذا اليوم، وهو ذو نكهة خاصة في هذا العام بعد 45 عاماً من انطلاقه، فقد استطاعت هذه القوى التي استندت إلى إيران كقاعدة ارتكاز أساسية من تحقيق إنجازات تراكمت عاماً بعد عام إلى أن وصلت إلى القفزة الكبرى بعد عملية "طوفان الأقصى". وقد استطاعت أن تخوض مواجهة ذات طابع وجودي مع النظام الغربي المتمثل بالولايات المتحدة والكيان، الذي يخوض بدوره من خلال الإبادة حرباً وجودية دفاعاً عن بقائه في سدة العالم.

إحدى أهم الثمار لهذا اليوم أن قوى المقاومة المتنوعة المشارب استطاعت أن تخرجه من حصار السرديات الطائفية التي عملت على إسقاط مشروع رمزية هذا اليوم، وخصوصاً بعد التجاوب الشعبي الكبير الذي استطاعت في إثره أن تعبر عن بوصلة الصراع الحقيقية في تونس والمغرب والأردن، مستثمرةً هامش الحركة المتاح للتعبير عن إيمانها بجوهر الصراع الذي يمكن أن يختزل في البحث عن الاستقلال الاستراتيجي للدول والخروج على نظام الهيمنة العالمي.

وعلى الرغم من عدم خروج الناس في بقية الدول العربية لتأكيدها بوصلتها الحقيقية، فإن ذلك لا يعبر عن حقيقة توجهاتها في ظل ضيق الهامش المتاح للحركة وغياب القوى السياسية والاجتماعية القادرة على تأطير الناس وقيادتهم لها كي تعبر عن مكنون قناعته.

يأتي هذا اليوم لهذا العام متجاوزاً كل ما تراكم خلال العقود الأربعة الماضية، فهناك تحديات جديدة ظهرت أمام قوى محور المقاومة، بعدما استطاعت عملية "طوفان الأقصى" بتداعياتها وبعد حرب الإبادة الإسرائيلية من زلزلة الضمير العالمي، وكشفت عن حجم الزيف والخداع للنظام الغربي بشكل عام، فكان أن وُلد وعي جديد استطاع أن يوقظ ضمير الأجيال الشابة في كل أنحاء الأرض، واستطاع أن يدفع بهم إلى تحدي سرديات النظام العالمي وسياساته، وأسس لأرضية إنسانية عامة متجاوزة للدافع الديني في مقاومتها السلمية، ما يجعل يوم القدس العالمي لهذا العام ضمن إطار جديد من إمكانية الفعالية والتوسع ليشمل شرائح واسعة ومتنوعة ممن يؤمنون بضرورة تغيير بنية النظام العالمي وتقويضه من الداخل.

بهذا المنحى، يمكن لقوى المقاومة، بتركيزها على مواجهته في أضعف نقاطه التي تُعتبر بمنزلة "وتر أخيل" مقتله الذي يتمثل بهذا الكيان، وهذا ما تدركه قوى الهيمنة التي نزلت بكامل قوتها للدفاع عنه وإنقاذه مما حاق به، وهي تستطيع لأول مرة أن تحقق أول خطوة من مسار عالمية اليوم، بعد انتشار ظاهرة الوعي الإنساني بأهمية القدس كنقطة عالية الدلالة والرمزية على طبيعة الصراع الإنساني بين من يشيطنون العالم ومن يؤمنون بضرورة إخراج البشرية من إطار الشيطنة إلى إطار التكامل الإنساني، إن كان على المستوى الفردي أم على المستوى الجماعي كشعوب وجماعات ودول، وهذا بدوره يلقي أعباء جديدة على قوى المقاومة بأن تستطيع التغلب على نفسها وخوض تحدي غمار العالمية، لتقطف ثمار عملها السبَّاق لبقية القوى التي بدأت تلحق بها وتصبح عالمية الدور.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب