السياسية || محمد محسن الجوهري*


من الصعب فصل ما يحدث في العالم عما يحدث في قطاع غزة، حتى من قبل طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، إلا أن الرؤية اليوم اتضحت للجميع أكثر من ذي قبل.

وكانت غزة دائما حاضرة في سياسات أردوغان منذ وصوله للسلطة لأول مرة، قبل عشرين عام تقريباً، واستطاع بخطاباته الرنانة أن يجذب أصوات الملايين من المتدينين الأتراك، كما أكسبته شعبية كبيرة بين شعوب العالم الإسلامي والعربي.

إلا أن دعمه لغزة ظل حبيساً لتلك الخطابات، ولم يرقَ ليبلغ المواقف العملية التي انتظرناها طويلاً منه، حتى جاءت أحداث غزة الأخيرة، وفضحت تواطؤه مع الكيان الصهيوني، ومشاركته له بالسلاح والمواد الغذائية، فكانت القاصمة له في الانتخابات الأخيرة، ليفسح بذلك الطريق لحزب الشعب الجمهوري، بقيادة أكرم إمام أوغلو، ليتربع على عرش المشهد التركي للسنوات القادمة.

وحزب الشعب الجمهوري معروف بتأييده المطلق للسياسات الأمريكية، وبالتالي فإن المرجو من تركيا قد تلاشى بالفعل، وبالتالي ترجع إلى فخ القومية الذي عانى منه الأتراك لأكثر من ثمانين سنة، وتسبب بعزلتها عن محيطها الإسلامي.

واللوم هنا على أردوغان في حال تراجعت مكانة تركيا الإقليمية، فقد استغل القضايا المركزية للأمة، وفي مقدمتها، فلسطين، لصالحه السياسي، وفرط في غزة وشعبها وهم في أصعب مأساة إنسانية على الإطلاق.

وكان لأردوغان أن يفعل الكثير، كأن يقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، وأن يدعم غزة بالمال والسلاح، كما فعل مع المسلحين في سورية، إلا أنه انحاز للكيان الصهيوني أملاً في الحفاظ على مكانته وموقعه، فلم يسلموا له.

وهكذا ينتهي الحال بكل من يراهن على الصهاينة ويخذل الشعب الفلسطيني، وكان لأردوغان أن يعتبر بالعملاء العرب، من أمثال السادات ومبارك، وكيف تخلى عنهم الغرب والصهاينة رغم ما قدموه من تنازلات على حساب دينهم وشعوبهم.

ولا قيمة بعد اليوم لأي مواقف تصدر من أردوغان وحزبه، مهما كانت في ظاهرها قوية، لأنه قد خسر السلطة على الشعب التركي، وسيبدأ دوره بالتلاشي والغياب التدريجي عن المشهد السياسي في تركيا.

أما عن العملاء العرب، فلن يسقطوا بطريقة أردوغان الديمقراطية، فهم لم يصلوا للحكم عبر الشعب بل بقوة السلاح، وهي الطريقة نفسها التي سيسقطون بها، والبداية من الأردن، حيث يتعرض أحد أبرز العملاء الصهاينة لهزة سياسية قد تفقده أركان سلطته، والسبب أيضاً غزة.

ويُدرك العدو الإسرائيلي مدى أهمية النظام السياسي في الأردن بالنسبة لأمن الكيان، ومظاهرات اليوم في شوارع عمَّان وسائر المدن، من شأنها أن تطيح بملك البندورة، ومن ثَمَّ تحرير فلسطين.

والوضع أكثر سوداوية بالنسبة لبقية العملاء، فليل غزة المظلم سيستحيل ربيعاً أحمرَ على كل المتخاذلين، ولا أمل لهم في السلطة مستقبلاً بعد اليوم، لأن شرعية ملكهم تبدأ بمبايعة شعوبهم، والشعوب بدورها لا تبايع من باع إخوانهم في غزة والضفة الغربية، والقادم مثقلٌ بالمفاجآت.

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع