السياسية: بقلم // محمد الغفاري*

زلزال دموي ضج العالم منه وأرواح أزهقت في غزة ،أنزعج لأجلها سكان الأرض، لكن للأسف هناك بشر يمارسون حياتهم كأنهم خارج الكوكب الأرضي، وبالمعنى الصحيح لا يمتلكون ذرة من الإنسانية.

فمنذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، لم يحرك فيهم وازعهم الديني وضمائرهم الإنسانية حتى الواجب الأخلاقي أسقط منهم ، فهم صامتون أشبه بالحجارة، بل أشد قسوة، وأعتقد أن تشبيههم بالحجر ظلم للأخيرة.

على الرغم من حرب الإبادة الجماعية وشلالات الدماء الذي تسال يوميا في غزة، إلا أن تلك المأساة الإنسانية لم تحرك ساكناً داخلهم ، بل يتجاهلون ما يحدث طيلة ما يقارب ستة أشهر، على الرغم من ارتفاع عدد الموت متجاوزا 23 و553 شهيد ، و74 و980 جريح .

وهنا يبرز سؤال : فهل هذا الصمت يكسره الدعاء في ليالي رمضان المبارك أم أن فريضة "التطبيع" أقرب إلى التقوى والمخافة من السجان استبدلت بالخوف من المنان جل ثنائه!؟


كلما تلاشت المبادئ الإنسانية تتلاشى في المقابل مبادئ الدين، وكلما أزداد الخوف من المخلوق تلاشى شعور خوف المخلوق من الخالق والعكس صحيح،
فهناك من يخاف المخلوق عن الخالق فيكسوه الذل والعار والخزي.

هنا العرب للأسف تمكّن الخوف بداخلهم من أمريكا و "إسرائيل"، ما جعل الفلسطينيين الضحية ولقمة سهلة للصهاينة، بل أن العرب جعل من القضية الفلسطينية قربانا قدموه للصهيونية العالمية من أجل الحفاظ على المناصب والمصالح وكراسي السلطة.

على الرغم من معرفتهم أن هذا الأمان المزعوم مجرد ستار هش، من السهل تلاشيه في أي وقت وتحت أي مبرر ، فهل من الواجب الديني في هذه الليالي الرمضانية العظيمة وكثرة الدعاء فيها ، أن يذكر أمام الحرم المكي أهل غزة، أم أن فريضة "التطبيع" طغت على فريضة الجهاد في بلاد الحرمين!؟

لا نعلم كيف سيقرأ سورة التوبة والأنفال والأحزاب ومحمد..!!
ولا نعلم كيف سيقرأ قوله تعالى: "قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ" (سورة التوبة آية:١٤).

وبماذا سيجيب الله عندما يقرأ قوله تعالى: "أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".

وكيف سيرتل قوله تعالى : "انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [التوبة:41].

بل ما الشعور الذي سيتملكه من موقعه في الحرم المكي عندما يقرأ قوله تعالى: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " سورة التوبة.

وهل سيسلك في حياته منعطف آخر عندما يقرأ قوله تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ" [سورة البقرة:120].

ما هو الشيء الذي يجعل أمام الحرم المكي يمر مرور الكرام من آيات الله التي فيها ذُكر للجهاد والتي تحظ معانيها على الجهاد ضد أعداء الإسلام والمسلمون - اليهود والنصارى - وعلى رأسهم الصهيونية العالمية ، هل من أجل إرضاء أنظمة السلطات ، أو لإرضاء زعماء الصهيو - أمريكية، حتى لو تباد الشعوب؟

فما سيكون شعوره عندما يقرأ قوله تعالى "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" الزخرف 67.

ما موقفه عندما يقرأ قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ"

فهل سيقوم من منبر ه بدور النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أجل استنهاض الأمة لنصرة غزة وتحرير فلسطين، أم سيتخاذل كما هو على موقفهم من الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة أمام مرأى ومسمع سكان الأرض، في ظل صمت عربي - إسلامي، مخزي وتاركين أبناء غزة يواجهون مصيرهم لوحدهم أمام وحشية الآلة العسكرية الصهيونية، وحسبنا الله ونعم الوكيل..


* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب