عماد الحطبة*

نقلت صحيفة الديلي ميل خبراً يفيد بأن الرئيس الأميركي جو بايدن ثار غاضباً على مساعديه بعد إعلامه بأن نسبة تأييده في الشارع الأميركي انخفضت إلى 37.5% من الناخبين بسبب سياسة إدارته بشأن العدوان الصهيوني على غزّة.

اعتدنا خلال متابعتنا نتائج استطلاعات الرأي في انتخابات العالم الغربي انقلاب النتائج وتحقيق "مفاجآت" تظهر فوز المرشحين المتوقعين. وتعدّ لعبة المفاجآت إحدى وسائل ترويج الديمقراطية الليبرالية، لكن ماذا لو تخيلنا شكل العالم في يوم خسارة بايدن!

يستيقظ العالم صباح يوم 6 تشرين الثاني 2024 على نبأ مغادرة الرئيس جو بايدن البيت الأبيض بعد خسارته الانتخابات أمام المرشح الأكثر يمينية دونالد ترامب. تبدأ التحليلات التي تحاول دراسة ملامح المرحلة التالية. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، سوف يتركز البحث على سياسة الرئيس ترامب الخارجية، وخصوصاً أنه تمكن من استعداء معظم حلفاء الولايات المتحدة خلال رئاسته الأولى.

لن تحتل سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط مكاناً متقدماً في التحليلات الأميركية، في محاولة لتجاوز حقيقة مفادها أن قضية تحرر وطني تدور في العالم الثالث استطاعت التأثير في نتائج انتخابات الرئاسة في دولة تقود العالم سياسياً واقتصادياً وحضارياً.

تحت الإعلام، سوف تنشغل الدوائر السياسية والاقتصادية في تحليل أثر النتائج في الدور الأميركي في العالم. سيكون على هذه الدوائر الإجابة عن أسئلة من قبيل: هل يكون هذا التطور دافعاً لحركات التحرر الوطني في العالم لزيادة نشاطاتها في مواجهة الهيمنة الأميركية؟ وما وسائل منع ذلك؟ كيف ستتعامل الإدارة الجديدة مع "إسرائيل"؟ وهل يمكن أن تؤثر نتائج الانتخابات في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟

في أوروبا، سيكون الرعب سيد الأحكام في الدوائر السياسية، فعلى الرغم من أن الانتخابات حدثت في الولايات المتحدة، فإن من المعروف عن الجمهور الأميركي تقلب مزاجه الانتخابي، وأن قضاياه المحلية تحتل أولوية أساسية في توجيه خياراته الانتخابية. أما الجمهور الأوروبي، فهو أكثر ثباتاً على مواقفه، وهو ما أظهره رد فعل الشارع الأوروبي على المجازر الصهيونية في فلسطين.

يضاف إلى ما سبق ارتفاع نسبة العرب والمسلمين في الهيئات الناخبة، وهم في العادة الأقل مشاركة في العملية الانتخابية، لكن فوز السياسي البريطاني جورج غالاوي بمقعد في مجلس العموم البريطاني من خلال برنامج داعم لغزّة يدق ناقوس الخطر لدى جميع السياسيين في الدول الأوروبية حول السياسات والخيارات التي يجب اتباعها لضمان عدم الانجرار إلى مصير جو بايدن.

في بلادنا، سيكون الرعب أكبر، فهذه الأنظمة التي أعادت بناء خطابها السياسي والاقتصادي على منطق انعزالي يصور الفعل المقاوم على أنه شر مستطير، صدمت أولاً برد فعل الشارع العربي المؤيد للمقاومة، رغم عدم تعبير هذا الشارع عن نفسه بالطريقة المناسبة نتيجة حملات القمع والتشكيك الممنهج الذي تشنه الكثير من المواقع الإعلامية الرسمية والخاصة.

هذا الرعب عبّر عن نفسه في الأردن باللجوء إلى تعديل قانون الانتخاب المقر قبل أقل من عام، بهدف منع الحركة الإسلامية من الاستحواذ على عدد كبير من مقاعد المجلس. أما في مصر، فالحملة التي تشنها حفنة من الإعلاميين المأجورين، والتي تستهدف يومياً المقاومة وخياراتها، هي السلوكيات نفسها التي نتابعها لدى بعض التيارات السياسية والشخصيات الروحية في لبنان والسعودية والإمارات.

كل هذا يحدث قبل أن تنسب هزيمة بايدن في الانتخابات إلى الفعل المقاوم في غزّة، وعلينا أن نتخيل رد فعل هؤلاء بعد الهزيمة.

يبقى محور المقاومة الذي يدرك طبيعة الصراع، فهو ليس صراعاً مع إدارة بعينها، ولكن مع نهج استعماري يبحث دائماً عن طريقة لتحويل الأزمة إلى فرصة تساعده على ترسيخ هيمنته على العالم بتغيير شكلي في سياساته، تماماً كما تغير الأفعى جلدها كل موسم.

سيحتفي الكثير من المحللين السياسيين المؤيدين للمقاومة بهزيمة بايدن، ويعتبرونه إنجازاً غير مسبوق، وهم على حق، لكن علينا ألا نركن إلى نشوة الانتصار، فالعدو يمتلك أوراقاً كثيرة، على رأسها الرئيس القادم دونالد ترامب. تحت غبار التخويف من يمينية ترامب وجنونه السياسي، قد يجد العدو منفذاً لفرض المزيد من الهيمنة على المنطقة، كفرض التطبيع على بعض الدول، مثل العربية السعودية، ووضع المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على محور المقاومة، وبشكل خاص إيران.

الحل الأسلم للجميع هو ألا يخسر بايدن. لذلك، يجب ألا نستغرب العمل الحثيث على جميع الجبهات، بما فيها جبهة التزوير، للحفاظ على بايدن داخل البيت الأبيض.

سيتلقى بايدن الكثير من الهدايا السياسية من حلفائه في العالم والمنطقة، لعل أولها الرصيف الإماراتي – الأميركي قبالة شواطئ غزة، وسوف تزداد الضغوط على حكومة نتنياهو للوصول إلى هدنة إنسانية في وقت قريب يسمح للماكينة الانتخابية الديمقراطية بتجييره لمصلحة حملتها الانتخابية، كما حدث في امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض الفيتو بحق قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزّة.

"إسرائيل" هي الجهة الوحيدة التي لا تشعر بالقلق، فالسياسة الأميركية تجاهها ثابتة لا تتغير. وبمجرد رحيل نتنياهو، وهو ما سيحدث عاجلاً أم آجلاً، سوف تتمكن الآلة الإعلامية والسياسية من استعادة موقع الكيان داخل البنية السياسية الاستعمارية.

الخطر الحقيقي بالنسبة إلى "إسرائيل" يأتي من المقاومة التي يمكن أن تبدد بإنجازاتها على الأرض طمأنينتها.

سيكون العالم بعد خسارة بايدن مكاناً أفضل، ولو قليلاً، ويمكن أن تجير حركات التحرر الوطني والمقاومة هذه الهزيمة لمصلحتها، لكنها تحتاج إلى دعم من شعوبها ومن قواها السياسية الحيّة. كل هتاف في الشارع يصنع الفرق، وكل قرش من التبرعات يصنع الفرق، وكل يد ترتد عن منتج مقاطَع تصنع الفرق. دعونا نصنع الفرق.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب