كواليس مشروع الميناء الأمريكي في قطاع غزة.. مؤشرات على مؤامرة كبيرة
السياسية:
بعد محاولتها تشكيل حكومة تكنوقراط وتقديم مساعدات جوية ضئيلة لسكان غزة، رسمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه المرة خطةً جديدةً للفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، الجمعة الماضي: إن الولايات المتحدة تستعد لإنشاء ميناء مؤقت لإرسال مساعدات بحرية بحراً إلى قطاع غزة، لتمكين سفن الشحن الكبيرة من الرسو هناك وتفريغ بضائعها على قوارب أصغر، لنقل المساعدات إلى جسر بحري مؤقت يصل إلى ساحل غزة، ووفقاً لرايدر، يستغرق البناء حوالي 60 يوماً.
وأوضح المتحدث باسم البنتاغون أن العملية واسعة النطاق للولايات المتحدة تتطلب وجود جنود وبحارة، مضيفًا: إن “المهمة المذكورة تتطلب مشاركة نحو 1000 جندي، وأكد أنه ولو للحظة واحدة لن تطأ قدم جندي واحد شاطئ غزة، ولو لتأمين الرصيف، وسيتم تنفيذ العملية في عرض البحر، وزعم رايدر أنه بمجرد تشغيل الميناء المؤقت، فمن المتوقع أن “يسهل التوصيل اليومي لحوالي مليوني وجبة لشعب غزة”.
في حرب غزة الأخيرة بين حماس والکيان الصهيوني، قامت الولايات المتحدة، التي تلطخت يدها بدماء الفلسطينيين، ببيع شرفها وكرامتها في مزاد علني من خلال دعم الاحتلال الإسرائيلي، والآن من أجل تلميع وجهها الدامي، تقوم بلفتة إنسانية وتصر على ضرورة مساعدة أهل غزة، وهي القضية التي دفعت المقاومة الفلسطينية وحتى المراقبين الدوليين إلى الحديث عن إمكانية متابعة خطة من وراء الكواليس تحت ستار إنشاء ميناء لأغراض إنسانية.
قبرص تمدّ ميناء غزة بالإمدادات
لم يحدد المسؤولون الأمريكيون كيفية عمل الميناء في غياب الأفراد العسكريين الأمريكيين في غزة، لكنهم أشاروا ضمنًا إلى أن الشركاء والحلفاء سيشاركون في المشروع، بالإضافة إلى الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة.
وأشار رايدر إلى أن واشنطن تجري محادثات مع حلفائها لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الخطة، وقال هذا المتحدث إنه لم يتم تحديد تقديرات للتكاليف، وكشف عن أن الولايات المتحدة تتفاوض أيضًا مع المنظمات غير الحكومية وجماعات الإغاثة والأمم المتحدة، لشراء المساعدات وتسليمها، وقال بايدن إن “إسرائيل” ستتولى مسؤولية تأمين الميناء المؤقت.
وأعلن الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، الجمعة الماضي، أن الممر البحري القبرصي يهدف إلى تسريع إيصال المساعدات إلى قطاع غزة، وتخفيف الضغط على الطرق البرية.
وأضاف إن هدف بلاده هو تحقيق الاستقرار في الممر البحري، وتقديم مساهمة كبيرة في تخفيف معاناة المدنيين في غزة، ويتزامن ذلك مع زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لقبرص، لبحث البنية التحتية اللازمة لإطلاق ممر إنساني إلى غزة.
وبالنظر إلى أنه تم اختيار قبرص لإرسال مساعدات بحرية، يبدو أن الاستعدادات لهذه الخطة قد نوقشت من قبل، من الولايات المتحدة وحلفائها، والآن أتاحت لهم الحرب في غزة الفرصة لتنفيذ خططهم الشريرة.
وتجدر الإشارة إلى أن قبرص تتمتع بعلاقات ودية مع الکيان الصهيوني، وقد طوروا في السنوات الأخيرة علاقاتهم في مجال الأمن والاقتصاد والطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وبناءً على الاجتماعات التي عقدت في شهر يونيو الماضي بين ممثلي قبرص وتل أبيب؛ من المفترض أن يتم نقل الغاز الصهيوني إلى قبرص وتحويله إلى غاز مسال في هذا البلد، وتصديره إلى دول أوروبية أخرى، ويأتي هذا القرار للحكومة القبرصية بعد إجراء الانتخابات التركية، فيما قال مسؤولون في أنقرة العام الماضي إن تصدير الغاز الصهيوني إلى أوروبا، لا يمكن تحقيقه إلا عبر تركيا.
وكتب موقع الجزائر تايمز عن تفاصيل هذه الخطة: “التكلفة الأولية لهذا الرصيف تقدر بـ 35 مليون دولار ستدفعها الولايات المتحدة، كما أن عمق السفن في الرصيف لن يقل عن 17 متراً لاستيعاب كل سفن الإغاثة، وتبلغ مساحة هذا الميناء 6 كيلومترات مربعة، لأنها تضم مستشفيات عائمة تعالج نحو 2.3 مليون مدني في غزة، بالإضافة إلى ذلك، توجد ملاجئ عائمة على السفن بجوار المستشفيات”.
على الرغم من العمل الإنساني الذي تقوم به الولايات المتحدة، إلا أن هذه الخطة لم تلق استحساناً من العالم، حيث أدان “مايكل فخري”، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، هذا القرار الأمريكي ووصفه بأنه عمل “خبيث”، لأنه، على حد قوله، أرسلت واشنطن الذخائر للكيان الصهيوني، كما قدمت له الدعم المالي في حرب غزة.
وحسب وكالة أنباء الأناضول، فإن المهم هو أنه ليس كل السفن التي ترسل مساعدات إنسانية تتجه مباشرةً إلى الميناء الأمريكي في غزة، بل إلى ميناء أشدود ليتم تفتيشها وفحصها، ومن ثم إرسالها تحت السيطرة الصهيونية ، ولذلك، لن يدخل هذا الميناء إلا البضائع التي يراها الصهاينة مناسبةً.
مؤامرة لتهجير الفلسطينيين
وفقاً لتجربة العقود القليلة الماضية، من الواضح تماماً أن الولايات المتحدة لا تهتم بالفلسطينيين، ووراء هذا الإجراء تكمن مخططات عبرية – غربية شريرة.
تحاول الولايات المتحدة والكيان الصهيوني استغلال الوضع الكارثي في غزة، وتنفيذ خطة إعادة توطين الفلسطينيين المطروحة على الطاولة خلال الأشهر الماضية.
وقال هشام خريسط، الخبير الأردني في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، لصحيفة الجزائر تايمز، إن “المرفأ العائم على ساحل غزة يبدو بمثابة مساعدة، لكن جوهره هو الهجرة الطوعية إلى أوروبا”.
وحسب موقع عربي 21، قال الكاتب السياسي محمد المختار الشنقيطي حول هذا الإجراء: إن “إنشاء الولايات المتحدة للميناء ليس لنقل المساعدات، بل لنقل سكان غزة إلى قبرص، وتشتيتهم حول العالم، وتسليم ملكية غزة وحقول الغاز فيها إلى “إسرائيل”.
كما حذّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من التحرك الأمريكي، لإنشاء ميناء بحري مؤقت على ساحل غزة لنقل المساعدات إلى غزة، وأكدت أن هذا الإجراء مشبوه ويتجاوز هدف تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، ويفتح المجال أمام تنفيذ أهداف شريرة أخرى مثل خطة التهجير تحت ذريعة الإنسانية وعناوين مختلفة.
من خلال بناء الميناء، يسعى رجال الدولة في واشنطن إلى إزالة غزة بشكل دائم من خريطة فلسطين وضمها إلى الأراضي المحتلة، والمنطقة الوحيدة المتبقية للفلسطينيين ستكون الضفة الغربية، التي أصبح مستقبلها غامضاً بالنسبة للفلسطينيين، مع تطوير حكومة نتنياهو للمستوطنات.
ورغم أن حكومة نتنياهو لم تعلن موافقتها على الخطة الأمريكية، إلا أن بعض الخبراء يعتقدون أن تل أبيب ستوافق أخيراً على هذه الخطة، من أجل احتلال غزة وتدمير كل البنية التحتية والأنفاق التابعة لحماس.
إن إنشاء هذا الميناء سيعني سيطرة الکيان الصهيوني على كل موانئ غزة، وإنهاء أي سيادة فلسطينية على هذه المنطقة، وقد أثارت هذه القضية غضب القادة الفلسطينيين.
حيث أعلنت وزارة خارجية السلطة الفلسطينية في بيان حول ذلك: أن “تركيز إسرائيل على منح الإذن للخطوط البحرية ومنع مرور المساعدات البرية عبر المعابر، يهدف إلى تنفيذ خطة حكومة الاحتلال لاستمرار الاحتلال، وفصل الضفة الغربية وقطاع غزة عن بعضهما البعض، وكذلك تهجير الشعب الفلسطيني”.
تعتزم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بهذا المشروع إغلاق معبر رفح، الذي كان المعبر الوحيد للمساعدات لأهل غزة، إلى الأبد، والقضاء علی دور ونفوذ مصر في التطورات في فلسطين، تماماً كما حاولوا في السابق استبدال معبر “كرم أبو سالم” برفح، والسيطرة الكاملة على سكان غزة وفصائل المقاومة بمفردهم.
من ناحية أخرى، تريد أمريكا بناء هذا الميناء خلال الشهرين المقبلين، بينما حسب تقرير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، أصبح سكان غزة على حافة المجاعة بسبب الحرب والقيود التي يفرضها المحتلون، نتيجة النقص الحاد في الغذاء والماء والدواء وإمدادات الوقود، وحتى الآن توفي 23 شخصاً بسبب سوء التغذية.
وفي هذا الوضع البائس، إذا بدأ الهجوم البري على رفح، فإن وضع الفلسطينيين سيكون أسوأ بكثير من ذي قبل، وقد لا تتاح للكثيرين منهم فرصة الذهاب إلى الميناء أمريكي الصنع.
الهروب من وطأة الضغوط العالمية
تنوي واشنطن بهذه الخطة أن تظهر للمجتمع الدولي أنها داعمة للشعب الفلسطيني، وأنها عازمة على الدفاع عن حقوقه من خلال حل الدولتين الذي ظلت تتحدث عنه هذه الأيام، وذلك من أجل الخروج من وطأة الضغوط العالمية.
ولكن في الحرب الأخيرة في غزة، أظهرت أمريكا أنها تقف إلى جانب الکيان الصهيوني، في تنفيذ السياسة القذرة المتمثلة في تجويع الفلسطينيين.
ويصف الأمريكيون بناء هذا الميناء بأنه دفاع عن حقوق الإنسان وإنقاذ حياة الفلسطينيين، لكن تجربة الـ 75 عاماً الماضية، وخاصةً الحرب الأخيرة في غزة، أظهرت أن مسؤولي البيت الأبيض لا يهتمون بحقوق الفلسطينيين المداسة، ويسعون فقط إلى ضمان أمن المستوطنين.
وفي الأيام الماضية، أسقطت طائرات شحن أمريكية كميةً بسيطةً من المواد الغذائية من سماء غزة على سكان القطاع المحاصر، ولم يخل هذا العمل الإنساني ظاهرياً من وقوع خسائر بشرية، إذ استشهد يوم الخميس الماضي 5 فلسطينيين بسبب عدم فتح مظلات المساعدات الجوية.
إذا كانت إدارة بايدن تتطلع حقًا إلى دعم شعب غزة، فيجب عليها الضغط على حكومة نتنياهو المتطرفة لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، ولكن يبدو أن هذه الخلافات الشکلية، تهدف إلى خداع الرأي العام العالمي.
ويرى الشنقيطي أنه لو أرادت أمريكا مساعدة غزة، لكان كافياً أن تأمر الحكومة المصرية بإرسال المساعدات المتعفنة في شاحنات رفح إلى غزة، بدلاً من بناء ميناء.
إن جدية أمريكا في دعم شعب غزة سوف تصدَّق عندما تتوقف هذه الدولة عن إرسال الأسلحة إلى الکيان الصهيوني، وتوقف المساعدات المالية لهذا الکيان، بينما كانت واشنطن الداعم الأكبر للصهاينة في الأشهر الخمسة الماضية، وأرسلت آلاف الأطنان من الأسلحة ومليارات الدولارات إلى حليفتها، وهي شريكة الاحتلال في جرائمه.
من جهة أخرى، لا يوجد في الخطة الأمريكية الجديدة أي ذكر لكيفية إدارة هذا الميناء، حيث يحاصر الکيان الصهيوني قطاع غزة منذ عام 2007 براً وجواً وبحراً، ولا يُعرف ما هو مصير الميناء الجديد، وإذا استمر الحصار فإن سكان غزة سيستمرون في العيش في ظل أسوأ الظروف.
لقد تأكد الآن للجميع أن المذنب الرئيسي في جريمة الإبادة الجماعية في غزة هو الولايات المتحدة، التي من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) على قرارات مجلس الأمن ومواجهة فصائل المقاومة في البحر الأحمر، تشعل نار الحرب في المنطقة.
ويحاول بايدن، الذي وصلت شعبيته بين الأمريكيين إلى أدنى مستوياتها بسبب دعمه الواسع للکيان الصهيوني، جذب انتباه الجالية المسلمة والسود في هذا البلد إلى الديمقراطيين من خلال بناء ميناء غزة، لعله يتمكن من شغل مقعد الرئاسة للمرة الثانية في انتخابات نوفمبر.
لقد عُهد بأمن هذا الميناء وإدارته إلى أيدي الصهاينة، الذين قتلوا مئات الآلاف من الفلسطينيين، وشردوا ملايين آخرين خلال العقود السبعة الماضية.
ويعتبر المتطرفون الصهاينة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية أعداءً لهم، ويجب عليهم مغادرة الأرض اليهودية الموعودة في أسرع وقت ممكن، ولذلك، إذا تواجد الجنود الصهاينة في ميناء غزة، فستستمر الجرائم والإبادة الجماعية.
* المصدر: موقع الوقت التحليلي
* المادة نقلت حرفيا من المصدر