نتنياهو… هل ينجو مرة أخرى أم يغرقه الطوفان؟
بثينة عليق*
انطلاقاً من أفكار أحد أشهر العلماء السياسيين في النصف الثاني من القرن العشرين كينيث والتز، فإن تحليل سلوك الدول وفهمها يتطلب فهم أفعال القادة والسياسيين وسلوكهم؛ فمن خلال تبوؤ المناصب العامة وامتلاك النفوذ والصلاحيات التشريعية أو التنفيذية واتخاذ القرار يؤثرون في سلوك الدول وتحديد مستويات علاقاتها الخارجية واتجاهاتها وطبيعتها. لذلك، إن فهم نتنياهو يعتبر مسألة ضرورية لفهم مسارات الأمور واتجاهاتها بعد نحو 5 أشهر على طوفان الأقصى.
الرجل الذي مثّل منذ ولوجه الحياة السياسية الإسرائيلية انعكاساً لأقصى جناح يميني صهيوني متطرف في تاريخ الكيان ترأس حكومات تتوفر فيها كل المواصفات التي تجعلها عنصرية، إن لم نقل إرهابية، ولم يتوانَ عن التعبير عن أفكاره وآرائه تجاه العرب والفلسطينيين بوقاحة سافرة.
وقد ترجم أقواله إلى سياسات عدائية ضد الفلسطينيين، وشن الحروب المتتالية على غزة، ورفض قيام دولة فلسطينية، ورفع وتيرة تهويد القدس، وطرد المقدسيين، وهدد بعمل عسكري ضد إيران، ولم يوارب في خلافاته مع أكثر من رئيس أمريكي، وذهب إلى حد التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مستغلاً نفوذه القوي داخل أروقة المنظمات اليهودية في واشنطن وداخل الكونغرس.
كل هذا المزيج من الكلام والأفعال بات يعرف بعقيدة نتنياهو التي ترجمها نتنياهو إلى سلوك سياسي من أبرز معالمه التالي:
يعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي أن “أوسلو” تشكل خطراً استراتيجياً ينبغي تجنبه. لذلك، لجأ إلى محاولة دائمة لـ”شراء” الوقت من الفلسطينيين والأمريكيين والعالم، لتكريس واقع يلحق الضرر بإمكان التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، بحيث يغطي الانتشار الاستيطاني جميع المناطق المحتلة.
بالنسبة إليه، فإن المفاوضات هي عبارة عن تبادل الآراء والجدل الذي لا ينتهي، لكنها جيدة لخفض التوتر الداخلي والخارجي. يرى أنطوان شلحت في كتاب له بعنوان: “بنيامين نتنياهو: عقيدة اللاحل” أن نتنياهو حوّل العملية التفاوضية من أداة للتوصل إلى تسوية سياسية إلى وسيلة ناجعة في يديه لتكريس الوضع القائم، وإلى “مجرد غطاء على أفعال أقل ما يقال إنها تناقض السلام نفسه على نحو جليّ ومفضوح للغاية”.
يرفض نتنياهو الدولة الفلسطينية. وقد لجأ، بحسب الباحث مهند مصطفى في كتابه “بنيامين نتنياهو: إعادة إنتاج المشروع الصهيوني ضمن منظومة صراع الحضارات”، إلى إضافة مطلب جديد من الفلسطينيين في كل مرحلة أو شدد على مطالب معينة؛ ففي دورة حكومته الأولى (1996 -1999)، عدَّ الضمانات الأمنية ومكافحة “الإرهاب” الشرطين الأساسيين لأي تسوية. وفي دورة حكومته الثانية (2009 -2013)، طرح مطلب الاعتراف بـ”دولة يهودية” شرطاً أساسياً لحل الدولتين.
في أحيان، يركز على “وقف التحريض” أو يطرح معترضاً موضوع دعم السلطة الوطنية الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى. وطوراً يتذرع بالمصالحة الجارية بين “فتح” و”حماس” للانسحاب من المفاوضات. هذه وغيرها مبررات لعدم المضي في تسوية أو حل مع الفلسطينيين.
أما المرة الوحيدة التي أعلن فيها قبوله إقامة دولة فلسطينية مع تحفظات، فكانت خلال ولايته الثانية في خطاب شهير له أمام جامعة بار إيلان في 14 حزيران 2009. تذهب التحليلات الإسرائيلية إلى أن نتنياهو أراد من ذلك “تقديم دفعة على حساب عملية عسكرية أمريكية في المستقبل ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكنه عندما أدرك أن أوباما لن يتحرك عسكرياً ضد إيران ردّ عليه بالتخلي عن حلّ الدولتين وتدمير أساس المفاوضات مع الفلسطينيين”.
يعتبر نتنياهو أن السلام مع الدول العربية البعيدة، والتي لا توجد مشكلات جغرافية معها، هو الأهم. فكرة نتنياهو هذه عبر عنها بقوله: “إذا كان كثيرون يرون منذ فترة طويلة أن “السلام” مع الفلسطينيين قد يساهم في دفع المصالحة الأوسع نطاقاً بين إسرائيل والعالم العربي، فإن الأمر يسير حالياً في الاتجاه المعاكس، إذ إن المصالحة مع العالم العربي قد تساهم في دفع “السلام الإسرائيلي الفلسطيني”.
ويقتضي تحقيق هذا السلام التطلّع، ليس إلى القدس ورام الله فحسب، بل أيضاً إلى القاهرة وعمّان وأبو ظبي والرياض وعواصم أخرى.
ويكرّر نتنياهو هذه القناعة في سياق خطاب “بار إيلان 2” الذي ألقاه بعد مرور أكثر من نصف عام على ولاية حكومته الثالثة قائلاً: “البقرة المقدسة” التي كانت تعتبر أن جوهر الصراع في الشرق الأوسط يعود إلى القضية الفلسطينية، أصبحت من ضحايا الثورات العربية الحالية.
وفي مناسبة أخرى، وجّه دعوة إلى الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، إلى أن تشارك “”إسرائيل” في “وعي الخطر العالمي للتشدد الإسلامي” و”الأهمية القصوى في إزالة قدرات إيران على إنتاج السلاح النووي” و”الدور الحيوي للدول العربية الكبرى على صعيد دفع السلام مع الفلسطينيين”، معتبراً أن هناك دولًا سنّية قيادية في العالم العربي تغيّر موقفها التقليدي القائم على معاداة “إسرائيل”، وأن التحديات المشتركة تتمثل في إيران النووية، وأن المطلوب الاستفادة من هذه المصالح المشتركة لإقامة شراكة مثمرة من أجل بناء شرق أوسط أكثر استقراراً وأمناً وازدهاراً.
4- يصر نتنياهو على الربط بين السلام والأمن. لذلك، يشترط على الفلسطينيين ترتيبات أمنية بعيدة المدى، في مقدمتها بسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن.
ومع أن هذه الترتيبات، كما يوضح شلحت، “ليست جديدة، فإن الجديد أنها تطرح اليوم كمطلب مركزي استطاع نتنياهو تحويله إلى عقبة، مع أن عديداً من رجالات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية سبق أن أكّدوا عدم وجود حاجة جوهرية إلى منطقة غور الأردن، وأنه يمكن حماية “إسرائيل من دون هذا الشريط”، ما يدفع إلى الاستنتاج بأن حرص نتنياهو على جعل “السلام” مستنداً إلى الأمن هو رغبته الحقيقية في تقويض حل الدولتين من الناحية العملية الواقعية.
وقد ذهب المحللون إلى الحسم بأن نتنياهو لن يُقَدِم على التوقيع على وثيقة تفرض الانسحاب إلى حدود عام 1967 وإخلاء مئات المستوطنات، إنما هدفه هو البقاء في الأراضي المحتلة منذ 1967 إلى الأبد.
هذه الأفكار رافقت نتنياهو في مختلف مراحل حكمه، وألهمت سلوكه السياسي الذي تضمن مسعى لإعادة تركيب البنية السياسية والإعلامية والقانونية بما يخدم مشروعه الأيديولوجي اليميني المتشدّد.
هذا المشروع كان من العوامل التي ساعدته في تجاوز الكثير من الصعاب، وفي المضي قدماً في مواجهة اتهامات بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال مع حملات إعلامية موجهة ضده ينشط فيها مسؤولون أمنيون وعسكريون ودبلوماسيون وصحافيون، إلا أن المرحلة الحالية تحمل الكثير من التحديات؛ فبعدما اعتقد نتنياهو أن معظم دول العالم تستطيع التعايش مع مسألة فلسطينية معلّقة، وأن النزاعات الإقليمية ستحوّل الانتباه عن المسألة الفلسطينية، أعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام والصدارة، فهل ينجو نتنياهو مرة أخرى أو يغرقه الطوفان إلى الأبد؟
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب