“يوبيل فضي” بنكهة الموت في غزة
السياسية || صادق سريع:
ليست ذكرى احتفال قومي باليوبيل الفضي بمناسبة مرور 25 عاما على تحقيق الوحدة العربية، ولا بذكرى انتصار العرب على “إسرائيل”، وتحرير المسجد الأقصى من دنس الاحتلال -كما تظنون- بل هي رقم فاتورة الموت لـ25 ألف شهيد ثلثهم من الأطفال، بينما لا تزال آلة القتل الصهيونية مستمرة بوتيرة عالية في حصد أرواح أبرياء غزة.
لم تتوقف تلك الآلة الوحشية عند الرقم الفضي، بل تعدت حصيلة الجرحى رقم ذكرى اليوبيل الماسي بأكثر من 61 ألف مصاب، و7 آلاف مفقود، و337 شهيدا من الطواقم الطبية، و45 شهيدا من رجال الدفاع المدني، و117 صحفيا، و148 موظفا أمميا في ألفي مجزرة، ونزوح قهري لمليوني شخص.
لم تكتفِ آله القتل الصهيونية عند هذا الحد من الجرائم الدموية على الإنسان، بل ألحقت دمارا هائلا على الأرض بأكثر من 50 بالمائة في البنى التحتية الخاصة والخدمية بأحدث الأسلحة المحرَّمة دوليا، وأرقاما خيالية بضربات الصواريخ والقنابل التي تجاوز وزنها 100 ألف طن، خلفت دمارا لا يتخيَّله عقل بشري في قطاع غزة، مستهدفة 134 مقراً حكومياً، و390 جامعة، و400 مسجد، و3 كنائس، و360 ألف وحدة سكنية، وخروج 30 مستشفى عن الخدمة، و53 مركزا صحيا، و150 مؤسسة طبية، وقصفت أيضا 121 سيارة إسعاف، و200 موقع أثري، ناهيك عن حرمان 625 ألف طالب من الدراسة، مُنذ بداية العام الدراسي.
في حساب جنرالات “إسرائيل” يعتبر ارتفاع أرقام الفاتورة الدموية انتصارا ميدانيا، في المقابل لا شىء تم تحقيقه من جملة الأهداف، التي أعلنوها عقب عملية “طوفان الأقصى”، التي قصمت ظهر كيانهم.
في القاموس العسكري، “إسرائيل” على الرغم من وحشية حملتها العسكرية البرية والقصف الجوي -بإسناد ودعم أمريكي وغربي، مباشر غير محدود، على قطاع غزة- لم ولن تتمكن من تحقيق أهدافها الحربية التي أهمها: تدمير حركة حماس عسكرياً وسياسياً، واستعادة 132 أسيرا من الذين لا يزالون في قبضة المقاومة الفلسطينية، وهنا يجب التذكير بصفقة تبادل الأسرى، التي تمت: 121 أسيرا صهيونيا مقابل تحرير 240 أسيرا فلسطينيا، ضمن اتفاق الهدنة الإنسانية في نوفمبر 2023.
السؤال الأبرز هنا يكمن في سبب إصرار اللقيطة المسماة “إسرائيل” على انتهاج عمليات القتل الممنهج، وحرب الإبادة البشرية في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة؟
من وجهة نظرها، تعتقد “إسرائيل” أنه لن يحل الأمن والأمان ما دام هناك شعب يتنفس في غزة، يقف خلف مقاومته، لذا تتعمد -عن سبق وإصرار- معاقبة الشعب الفلسطيني الأعزل، ومحاولة الإجهاز على حركة حماس، وجناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام)، وبقية حركات المقاومة، أبرزها حركة الجهاد الأسلامي، التي تمثل “سرايا القدس” جناحها العسكري، حيث تعتبر “إسرائيل” القضاء عليهما الغاية المنشودة من الحرب.
في منظور الساسة والعسكر، فإن إفراط جنرالات “إسرائيل” في حرب الإبادة الجماعية لإجبار شعب غزة على الهجرة، تحت ما تسمى عملية “التهجير القسري”، التي تسعى “إسرائيل” لتحقيقها عبر قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، وإرهاب من تبقى على قيد الحياة، ومن ثم التفكير في الهجرة من القطاع إلى صحراء سيناء المصرية، حسب الخطة الصهيونية المعدة مسبقاً.
من تلك الأرقام الدموية الضخمة، تحاول “إسرائيل” تحقيق انتصار وهمي على الميدان؛ كرسالة تود إرسالها للرأي العام العربي والعالمي والصهيوني بشكل خاص، مفادها: نحن ننتقم لقتلى يوم “سبعة عشرة” المشؤوم، كمحاولة لتهدئة غضب الشارع المستعر، والمستمر يومياً بتظاهرات كبيرة في مدن الكيان تطالب حكومة نتن ياهو بوقف الحرب الدموية، وإعادة الأسرى من غزة.
هناك قول مأثور مفاده أن “أي خطة لا تصمد بعد الالتحام بالعدو”، لكن يبدو أن “إسرائيل” تجاهلت تلك المقولة البشرية، فمُنيت بهزيمة منكرة، وتكبَّدت خسائر لم تتوقعها في حرب غزة، أجبرتها على مراجعة خططها وأهدافها العسكرية من حين لآخر بشكل يظهر حالة التخبط والارتباك، التي يعيشها ساستها وجنرالاتها المصدومون بفعل عملية “طوفان الأقصى”، وقوة المقاومة الفلسطينية، التي لقَّنتهم دورسا في الأخلاق والخبرة العسكرية.
وبعد 105 أيام من العدوان الوحشي بحق الأبرياء في غزة، ليس هناك مؤشر لإيقاف دوامة القتل والدمار، في ظل صمت عربي وعالمي مخزي، وكأن الكرة الأرضية خالية من البشر، وليس هناك أكثر 200 دولة في هذا العالم غير دول اليمن وفلسطين المحتلة والكيان المحتل (إسرائيل)، وثلة دول فاقدة الإنسانية تقدم لها الدعم غير المشروط؛ مثل أمريكا ودول الاستعمار القديم في الغرب.