السياسية:

لا شك في أنَّ اغتيال الاحتلال الصهيوني الشخصية الثانية في حركة حماس، الشيخ صالح العاروري، في ضاحية بيروت الجنوبية، وإضافة إلى أنه اعتداء إرهابي، هو محطة مفصلية في مسار الحرب الدائرة منذ 3 أشهر في غزة وفلسطين والمنطقة عموماً، قد تنقل هذه الحرب إلى مستوى جديد ليس من السهل استشراف وتحديد ماهيته بدقة.

العاروري شخصية ليست عادية بالنسبة إلى حماس وبالنسبة إلى محور المقاومة، فهو قيادي بارز له دور عسكري كبير، وخصوصاً في الضفة الغربية التي يرأس جهاز الحركة فيها، وتتهمه “إسرائيل” بالعمل على تشكيل المقاومة بين أبنائها وتحريكها في وجه قوات الاحتلال الصهيوني. وقد خطَّطت “إسرائيل” لاغتياله، وصرحت قياداتها بذلك، كما حرضت وسائل إعلامها على الإقدام على الأمر، برغم تداعياتها التي رأوا أنها قد تصل إلى حد إشعال حرب واسعة.

أدى العاروري طوال سنوات وجوده في بيروت دوراً كبيراً في التشبيك بين حركة حماس والمقاومة في غزة ومحور المقاومة، وهو المعروف بتواضعه وشخصيته الوحدوية الجامعة، إلى درجة أن الإعلام الصهيوني يصفه بأنه “مهندس وحدة الساحات”.

نتنياهو وقرار اغتيال العاروري
لكن أن يأتي رئيس حكومة الاحتلال ليقرر استهداف العاروري بعد ما يقارب 3 أشهر على بدء ملحمة “طوفان الأقصى”، فلذلك دلالات عديدة تتجاوز الدور المهم الذي أُنيط بالرجل خلال السنوات الماضية.

نتنياهو الغارق في وحل غزة، والذي لم يتمكن حتى اليوم من تحقيق أيٍ من أهدافه التي أعلنها بداية العدوان وكررها مراراً، والذي يفقد يومياً ضباطه وجنوده تحت ضربات المقاومين، تلقى صفعة جديدة قبل يومين بعد قرار المحكمة العليا الصهيونية إلغاء قانون “حجة المعقولية”، الذي كان يأمل فيه الحصانة من تدخل المحكمة العليا في قرارات حكومته ومحاسبتها له، وخصوصاً في قضايا الفساد التي يتهمه “القضاء” الصهيوني بالتورط فيها.

هذه الصفعة ستجعله أكثر تمسكاً بحكومته الحالية التي ستحميه من أي مساءلة قضائية عن فساده السابق، ومن تبعات أي تحقيق في الفشل في إثر هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، ولن يتحقق له ذلك إلا بإطالة أمد الحرب في غزة، وربما توسيعها أكثر.

متغير آخر برز على الساحة في الآونة الأخيرة، وهو الموقف الأميركي من استمرار الحرب من دون خطة واضحة لما بعدها، وبكلفة بشرية عالية أصبحت تحرج ساكن البيت الأبيض أكثر فأكثر، وتهدد حظوظه الانتخابية في انتخابات هذا العام.

هذا المتغير تَمظهر في الأسبوعين الفائتين بقوة، بعد الحديث عن خلافات بين إدارة بايدن ونتنياهو، وما حكي عن رفض البنتاغون طلبات صهيونية بتزويد جيش الاحتلال بمروحيات أباتشي لدعم عدوانه على غزة، وآخرها الأخبار التي وردت قبل أيام من عملية الاغتيال، والتي أشارت بقوة إلى قرار الولايات المتحدة سحب حاملة طائراتها “يو إس إس جيرالد فورد” من مياه المتوسط، وهي التي أرسلتها بعد أيام من اشتعال الوضع في غزة، ودلالات هذه الخطوة التي رأى فيها الكثيرون، ومنهم المحللون الصهاينة ، انسحاباً أميركياً من المأزق الصهيوني، وضغطاً أميركياً متزايداً على نتنياهو ليسمع النصائح الأميركية ويمضي بإيقاف الحرب أو تخفيف وتيرتها والدخول بمفاوضات من أجل استعادة الصهاينة لدى حماس.

قد يرى البعض أن إقدام نتنياهو على اغتيال العاروري هدفه في المقام الأول إعادة الحياة إلى احتمالات توسع الحرب، وتسخين المواجهة أكثر مع حزب الله وإيران، التي تلقت في الأسبوع الفائت أيضاً ضربة صهيونية باغتيال الشهيد رضي موسوي، مسؤول حرس الثورة الإيراني في سوريا، والذي كان مسؤول الدعم في الحرس لمحور المقاومة، وليس في سوريا فحسب.

توسّع الحرب في جنوب لبنان وامتدادها إلى ساحات أخرى ستكون بنزلة الضغط على إدارة بايدن من أجل أن تعيد دعمها السابق لـ”إسرائيل” إلى ما كان عليه إبان بداية العدوان على غزة، وتعيد حاملة الطائرات، وتدخل في الحرب بشكل مباشر إلى جانب “إسرائيل”.

ولا شك في أن صوراً كتلك التي حصل عليها نتنياهو في بداية العدوان أثناء زيارة بايدن للأراضي المحتلة ووزير خارجيته وقادة عدة دول غربية هي صور ترضي غروره وتعيد له بعضاً من التأييد الذي فقده بعد تواتر النكسات والإخفاقات في غزة، إذ باتت وسائل الإعلام الصهيونية تتحدث عن تراجع شعبيته في الأوساط الصهيونية بشكل حاد، وباتت غالبية الشارع الإسرائيلي تعتقد أن بيني غانتس هو “أفضل خيار” لقيادة الحكومة.

هنا، يجب ألا نغفل أن نتنياهو يحتاج إلى “صورة نصر” بحث عنها كثيراً في غزة، ولم يتمكن من الظفر بها، لا باغتيال أحد قادة المقاومة البارزين في القطاع، ولا بإعادة المخطوفين، ولا بانكسار قوة القسام؛ هذه الصورة التي ربما تؤمّن له إمكانية النزول عن الشجرة، ومبرراً أمام الداخل صهيوني من أجل العودة إلى المفاوضات وتقديم تنازلات من أجل إعادة الأسرى.

هل يرد حزب الله على اغتيال العاروري؟
من البديهي أن يكون السؤال الذي يشغل الرأي العام منذ لحظة الإعلان عن الاستهداف، وحتى قبل أن نعرف من هو المستهدف: “هل يردّ حزب الله؟”، ولكن هذا السؤال بقدر ما هو إشكالي ومعقد للبعض، فإن معرفة طريقة عمل الحزب وتخطيطه تجعل الإجابة عنه بالإيجاب أمراً بديهياً.

لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة فعلية هو: كيف سيكون هذا الرد؟ ومتى؟

لا شك في أن الاعتبارات التي تجعل من رد حزب الله صيرورة حتمية كثيرة، على رأسها أن عملية الاغتيال تمت في قلب بيئته، واستهدفت أكثر المقربين إليه في حماس، وصلة الوصل مع قياداتها العسكريين والسياسيين، وخصوصاً أن الحزب، وعلى لسان أمينه العام، حذر “إسرائيل” سابقاً من القيام باستهداف أي شخصية فلسطينية أو غيرها على الأراضي اللبنانية، لأن ذلك سيعدّ اعتداءً على الحزب. أيضاً، من الدلائل على أن رد الحزب قادم هو ما نقله الإعلام الصهيوني عن استنفار على الجبهة الشمالية واستعداد غير عادي ترقباً لرد من الحزب على عملية الاغتيال.

أما كيف سيكون شكل الرد وطبيعته، فهذا محكوم باعتبار قراءة قيادة الحزب لأهداف نتنياهو من وراء العملية، وعدم تركه يفوز بأي ورقة أو الوصول إلى أي هدف من أهدافه، فإذا كان الاحتلال قد اغتال العاروري لتوسيع الحرب من أجل استدعاء التدخل الأميركي مجدداً، فأول شرط من شروط الرد هو أن يكون مدروساً ولا يجعل الأمور تتدهور نحو توسع الحرب، وثانيها أن يستفيد قدر المستطاع من حالة التوتر لدى الصهيوني وترقبه رد الحزب، وثالثها أن يكون الرد قوياً وغير متوقع، والشرط الأخير يفرض أن يكون الرد استراتيجياً وغير آني، وبالطبع فإنه يحتاج إلى وقت لتوفر شروطه ونضوج أدواته.

وهنا، لا يمكن أن ننفي فرضية الرد الواسع السريع من الحزب على العملية، وخصوصاً إذا استشعرت قيادة الحزب برودة أميركية في الوقوف إلى جانب نتنياهو، ولكنه يبقى خياراً باحتمالية أقل.

ربما تتضح معالم الرد وطبيعته بعد كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء اليوم الأربعاء، المخصصة أصلاً لذكرى استشهاد القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، والذي ربما يختار أن يؤكد حتمية الرد ويترك الباب مفتوحاً على شكله وطبيعته وتوقيته أو يزيد في جراح نتنياهو ويفتح عليه أبواب جهنم.
* المصدر: موقع الميادين
* المادة نقلت حرفيا من المصدر