السياسية:

لطالما تبنّت المقاومة الفلسطينية خطةً لتحرير الأسرى الفلسطينيين وبالأخص النساء والأطفال والمرضى منهم، ولكن بعد تنصّل الاحتلال من كل الاتفاقيات السابقة فيما يتعلق بقضية الأسرى، تبيّن أن الاحتلال لا يفهم غير لغة القوة. فالسياسات الصهيونية وضعت المقاومة الفلسطينية أمام سؤال مهم وهو كيف يمكن تحرير جميع الأسرى؟ وإجابته كانت واضحة، هي كسر استراتيجية السجون الصهيونية بقوّة السلاح، ولأن هدف المقاومة هو تبييض السجون كان يتوجب عليها شنّ عملية موجعة بحجم طوفان الأقصى تكسر فيها السياسات السابقة، وتفرض معادلاتها الجديدة.

الاستراتيجية الصهيونية في الأًسر

تُعد سياسة الاعتقال أو الأسر واحدة من السياسات القمعية التي استخدمها الاحتلال الصهيوني بضراوة لإخضاع الشعب الفلسطيني ودفعه إلى التراجع أمام آلة البطش التي يستخدمها، وذلك يعود إلى أن الاحتلال يرى كل أسير فلسطيني خطراً على أمن “إسرائيل”. وتهدف هذه السياسة إلى إذلال السجناء وذويهم ودفعهم إلى التفكير ملياً قبل اللجوء إلى العمل المقاوم ضد الاحتلال، ومن ثم تحطيم معنويات الشعب بأكمله. يضاف إلى ذلك أن الاحتلال وجد في سياسة الأسر فرصة لإسقاط العديد من الشبان في وحل العمالة واستخدامهم ضد شعبهم وقواه المقاومة. ويصّعد الكيان من حملة الاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس الشرقية، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر. فمنذ ذلك اليوم، اعتقلت “إسرائيل” 4 آلاف و655 فلسطينيًا.

وبالنسبة للهدف من هذه الاعتقالات فهي ضرب النخبة الفلسطينية الذين لهم تأثير في المجتمع وتحويلهم للاعتقال الإداري؛ لأنها غير قادرة على توجيه تهمة لهم. ويقول الأسير السابق وليد الهودلي أن الاعتقال الإداري هو “غول “إسرائيل” لتخويف الفلسطينيين ودفعهم إلى الانتحار غير الجسدي بالابتعاد عن الدور المنوط بالفلسطيني الاجتماعي والثقافي.. تدفعهم إلى ينهوا دورهم وينتحرون اجتماعيا”.

قضية الأسرى في الوجدان الفلسطينيين

قضية الأسرى في الوعي الجمعي الفلسطيني، ليسوا مجرد أبناء الوطن المغيبين، بفعل السجن، بل هم أبطال ناضلوا وضحوا، فأفنوا شبابهم خلف قضبان السجون، من أجل فلسطين ومقدساتها، وهم أيقونات الحرية، الذين ينتظر شعبهم عودتهم. وحتى تتحقق هذه العودة، يرى الشعب الفلسطيني أن من حقه المطالبة، لهؤلاء الأبناء، بالمعاملة الكريمة التي يستحقها مناضلو الحرية وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية.

تعتبر قضية الأسرى جزءاً أساسياً من نضال الفلسطينيين، وأحد أرسخ دعائم مقومات القضية الفلسطينية، وتحتل مكانة عميقة ومتقدمة في وجدان الشعب الفلسطيني، لما تمثله من قيمة معنوية ونضالية وسياسية لدى كل الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم. إذ أن كافة فئات وشرائح الشعب الفلسطيني عانوا من مرارة الاعتقال والأسر، فمنهم من اعتقل شخصياً ومنهم من عاش تلك المرارة في غيره من أفراد أسرته أو أقربائه وجيرانه وأصدقائه. ومنذ فجر السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تغيّرت حياة الأسرى والأسيرات الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ليسيطر عليها مشهدان:

الأول مشهد الأمل؛ على افتراض بينيّ منهم أن أبواب الحرية باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن هناك صفقة تبادل تلوح في الأفق السياسي القريب، ستبيض السجون بنتيجتها.

أمّا المشهد الثاني، فهو الألم؛ ذلك بأن آلة القمع الصهيونية فعّلت إجراءاتها العنيفة للانتقام من الأسرى كافة. فبعد إعلان الحكومة الإسرائيلية حالة الحرب وفقاً لقانون أنظمة الطوارئ البريطاني لسنة 1945، انتقل التحكم بالسجون من سلطة إدارة مصلحة السجون إلى سلطة جيش الاحتلال مباشرة. وما بين الأمل والألم، يعيش أهالي هؤلاء الأسرى والأسيرات في قهر دائم ومستمر.

أصبح مصير الأسرى والأسيرات بذلك مرتبط مباشرة بأي تطور تشهده هذه الحرب، ومع ارتفاع تحركات المقاومة الميدانية في الحرب، يشتدّ التعذيب الممنهج للأسرى في سجون الاحتلال، إذ تمثل قضية الأسرى ورقة ضغط وابتزاز في يد السلطات الصهيونية تجاه المقاومة الفلسطينية، إلا أن الأسرى رفضوا أن يتحولوا إلى عنصر ضغط على المقاومة للتراجع أو التنازل في ميدان الحرب.
وبحسب المصادر الفلسطينية، فإن الرسائل التي وصلت من بعض المحامين الذين تمكنوا من زيارة بعض الأسرى تفيد بأن الأسرى اليوم لديهم معنويات لا أحد يمكن أن يصفها، فالعامل النفسي لدى الأسير بعد عملية طوفان الأقصى وشعوره بأن الصبر والحكمة بمواجهة الإجراءات القمعية كإنسان فلسطيني يعكسان صورة الثائر والفدائي الفلسطيني.

* المصدر: موقع الخنادق
* المادة نقلت حرفيا من المصدر