أنصار الله تفرض معادلتها وتضع كيان الاحتلال وداعميه في معضلة معقدة
استطاعت حركة ” أنصار الله” اليمنية الهيمنة على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وفرض معادلات جديدة في المنطقة خارج قواعد الاشتباك المعهودة، وذلك من خلال العمليات التي قام بها الجيش اليمني من صنعاء والاستيلاء على السفن التابعة للكيان الصهيوني أو المتعاملة معه، والتحكم في مضيق باب المندب الاستراتيجي، الأمر الذي كبد كيان الاحتلال الصهيوني خسائر اقتصادية فادحة وجعلها عاجزة عن المواجهة وحطم جميع التصريحات المتغطرسة لقادة الكيان.
وفي هذا السياق شكلت سيطرة أنصار الله على سفن الكيان الصهيوني في البحر الأحمر دعماً قويا لأشقائهم في فلسطين في معركتهم، الأمر الذي مثل عامل ضغط قوي على أمريكا وأربكها في المقام الأول ومن بعدها كيان الاحتلال الإسرائيلي من أجل وقف عدوانه الهمجي على الشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها تجاه قطاع غزة.
عجز عن المواجهة
فيما تعهدت جماعة أنصار الله، باستهداف كل سفينة شحن متجهة لكيان الاحتلال الصهيوني بغض النظر عن جنسيتها والجهة التي تديرها، تضامنا مع غزة وحتى يتم إدخال الغذاء والدواء للقطاع. كشف مُحلِّل الشؤون الأمنيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، يوسي ميلمان النقاب عن أنّ مجلس الأمن القوميّ الصهيوني وكابينيت الحرب أجروا سلسلة جلساتٍ لدراسة تهديدات (أنصار الله)، لفحص كيفية وآلية الردّ الصهيوني ، ولكنّ المصادر أقرّت للصحيفة العبريّة أكّدت أنّ “إسرائيل” لا يُمكنها فعل أيّ شيءٍ في هذا الصدد، وأنّ الحلّ الوحيد هو دوليّ.
وحسب الصحيفة “رغم التهديد والوعيد الصهيوني فإن خبراء يرون أن خيارات “إسرائيل” في التعامل مع اليمن بشكل مباشر معدومة، وهي سوف تعتمد على خيارات الولايات المتحدة ودول غربية بشكل كامل، تماما كما تعتمد على منظومات الدفاع الأمريكية المنتشرة سواء في البحر أو في الدول العربية لاعتراض الصواريخ والمسيرات اليمنية المتجهة إلى إيلات جنوب فلسطين المحتلة”.
وصرّح المسؤول في الهيئة الإعلامية لجماعة “أنصار الله” اليمنية، نصر الدين عامر، بأن “العمليات العسكرية البحرية التي ستقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن تريد أن تورطهم معها في البحر الأحمر أو البحر العربي، ليست بجديدة، إذ تقوم واشنطن منذ فترة طويلة بعمليات مشابهة ولن تؤثر على العمليات النضالية التي تنفذها الجماعة ضد كيان الاحتلال الصهيوني .
وأكد عامر أن “القوات الأمريكية لا تحقق أي إنجاز في المنطقة، فكل ما تقوم به هو اعتراض بعض الصواريخ والمسيّرات، إلا أن “أنصار الله” نجحت في منع جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من العبور”.
ارتفاع أسعار البضائع المستوردة
يؤدّي الحصار البحري المفروض على كيان الاحتلال الصهيوني بالبحر الأحمر، نتيجة تهديد حركة أنصار الله اليمنية، إلى أضرار جسيمة بالاقتصاد الصهيوني ، وفي هذا السياق حذر كبير الاقتصاديين، في شركة الاستشارات “BDO” ، حن هرتسوغ من عواقب التصعيد في البحر الأحمر في حديث مع صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية، موضحًا: “أولًا، يتعلق الأمر بارتفاع أسعار النقل البحري إلى “إسرائيل” نتيجة جعل مسار السفر طويلًا حوالي 30 يومًا للسفن لتصل إلى “إسرائيل” من الشرق، بمسار طويل يلف أفريقيا، بدل المرور عبر مضيق باب المندب وقناة السويس”.
وأضاف: “ثانيًا، خطوط الشحن ستقرّر التخلّي تمامًا عن العبور عبر الموانئ الصهيونية ، ما سيؤدي إلى الإضرار بمواعيد التسليم وتوافر المنتج وزيادة الأسعار بسبب النقص في سلسلة التوريد، حيث تجري معظم حركة السفن في العالم بواسطة السفن التي تبحر في خطوط منتظمة وتزور عددًا كبيرًا من الموانئ طوال الطريق، ومن المحتمل أنّه بسبب المخاطر العالية، ستفضل بعض الشركات التخلّي عن المحطة في الموانئ الصهيونية “.
وأكّد أن: “مدلول ذلك هو أن البضائع المتجهة إلى “إسرائيل” من الشرق يجب أن تُرسل إلى ميناء بديل في أوروبا، ومن هناك يجري تحميلها على سفينة أصغر ستأخذها إلى “إسرائيل”، وبعبارة أخرى، نحن نتحدّث عن تكلفة التحميل المزدوج وتمديد وقت الوصول وتكلفته”.
ولفت إلى أنّ: “الأثر الثالث هو الأضرار التي لحقت بالواردات إلى ميناء إيلات، إلى حد إغلاقه”، مضيفًا: “ميناء إيلات يخضع في الواقع لحصار بحري، ما قد يمنع السفن من الوصول إليه”، وتابع: “على الرغم من أنّ إجمالي حركة المرور في ميناء إيلات صغير نسبيًا، إلا أنها مهمة للغاية بالنسبة إلى استيراد المركبات وتصدير البوتاس من البحر الميت، حيث نحو 50% من واردات السيارات إلى “إسرائيل” تجري عبر ميناء إيلات”.
فيما يقدر هرتسوغ أنه: “سيكون هناك حصار بحري على الواردات إلى “إسرائيل” بحجم 80 مليار شيكل سنويًا، وخطر الإغلاق الكامل لميناء إيلات، هذا بالإضافة إلى الإضرار بالصادرات الصهيونية إلى أسواق الشرق، بمبلغ يقارب 15 مليار شيكل سنويًا”.
في السياق عينه، واعتمادًا على مصادر سياسيّةٍ وأمنيّةٍ وُصِفَت بأنّها رفيعة المستوى في تل أبيب، أشارت صحيفة (إسرائيل هيوم) العبريّة إلى أنّ إعلان عدة شركات ملاحية تعليق أنشطتها، في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس، سيؤدي إلى تأخير كبير في الشحنات، وتاليًا سترتفع الأسعار، وذلك بعد الهجمات التي شنتها القوات المسلحة اليمنية على السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” أو المتوجهة إلى الموانئ الصهيونية .
وفي نهاية المطاف إن ارتفاع الأسعار الحالي في النقل البحري سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة بنسبة لا تقل عن 3.5 بالمئة، حيث يتعلق الأمر بمجموعة واسعة من المنتجات التي جُلبت إلى دولة الاحتلال عبر الطريق البحري من الشرق، بدءًا من المنتجات الغذائية وحتى الملابس والإلكترونيات وغيرها، ومن المتوقع أن تكون الزيادة في أسعار السيارات أكثر حدّةً بشكلٍ ملحوظٍ.
فيما توجّه نائب رئيس مكتب التجارة في تل أبيب أمير شاني إلى إدارة الضرائب بطلب عدم إدراج التكاليف الإضافية الناتجة عن تمديد رحلة السفن في قائمة البضائع للأغراض الجمركية، وإلّا فإنّ أسعار المنتجات المستوردة التي تخضع للضريبة سوف تكون أعلى من ذلك.
ونتيجة هذه التغييرات، فإنّ التأثير الكبير للاستيراد عن طريق البحر سيتجلى، بشكلٍ رئيسيٍّ، في عيد الفصح لدى اليهود عندما تعكس أسعار المنتجات المستوردة من الشرق ارتفاعًا متوسطًا بنحو 5 بالمئة، وذلك نتيجة لارتفاع تكلفة مكوّن النقل، ويؤثر هذا بشكلٍ أساسيٍّ على المنتجات البيضاء الكبيرة وأيضًا على الشركات الكبيرة.
هجمات مرغت أنوف قادة الاحتلال
أكّد كيان الاحتلال رسميًا عجزه ووهنه في مُواجهة جماعة (أنصار الله) في اليمن، ورأى مُحلِّل الشؤون الأمنيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، يوسي ميلمان، أنّ استفزازات جماعة (أنصار الله) في اليمن، والتي تتصاعد يومًا بعد يومٍ في البحر الأحمر، تؤكِّد بصورةٍ أكبر من الحرب ضدّ غزّة وحزب الله، مدى تعلّق دولة الاحتلال الصهيوني بالولايات المُتحدّة الأمريكيّة، مُشدّدًا على أنّ هذا الاتكال الصهيوني على واشنطن بات مطلقًا.
وتابع قائلاً: إنّ تصريحات الغطرسة والاستكبار التي صدرت على المُستوييْن الأمنيّ والسياسيّ في الكيان، هي تصريحات لا تستند إلى الواقع على الأرض، مُشيرًا إلى أنّ سلاح البحريّة الصهيوني ، وما يملك من سفنٍ حربيّةٍ وغواصّاتٍ، لا يستطيع التعامل مع تهديدات جماعة أنصار الله، وأنّه في المحصلة العامّة سيكون ردّه ضئيلاً للغاية.
تغيير في توازن القوى
الموقع الجغرافي الخاص لليمن، وامتلاك المقاومة الشعبية اليمنية أسلحة استراتيجية وصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة، والقدرات العملياتية لأنصار الله، فضلاً عن التحكم بممرات بحرية مهمة، وخاصة باب المندب، تلعب دوراً فعالاً في “خلق التوازن” لمصلحة فلسطين في معركة طوفان الأقصى وتثبت أن زمن الاستفراد بفلسطين ولى، وأن العدو الصهيوني ومن خلفه أمريكا يجب أن يعلما ذلك.
في ظلّ تصاعد العنف الصهيوني في غزة، تعهّد أنصار الله في اليمن بمواصلة استهداف الأراضي والسفن الصهيونية حتى يتوقّف العدوان على غزة، وعلى الرغم من ذلك، لم تردّ قوات الاحتلال الصهيوني بعد، واعتمدت على أنظمة الدفاع وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليس إلّا وهذه إشارة واضحة لتغيير في توازنات القوى حيث تحول كيان الاحتلال ليكون في موقع الشكوى.
ومع تزايد الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة، تنخرط أنصار الله في عملية توازن يمكن أن تغيّر مسار الحرب، ومع ذلك، يبدو اليمن في وضع مثالي – سياسياً وجغرافياً على حدّ سواء – لاستهداف كيان الاحتلال دون إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب على غزة أو تصعيدها، ما يمكّن أنصار الله من إعادة تنشيط الدعم الشعبي بين قاعدتهم من دون مواجهة كبيرة.
ختام القول
في ظل صمت مطبق من العالم ومدعي الإنسانية وحقوق الإنسان عمّا يعيشه أهالي غزة من إبادة جماعية وتهجير، كان لأنصار الله في اليمن كلمتهم وأثبتوا للعالم أن ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية من اعتراض لسفن كيان الاحتلال الصهيوني والسفن المتجهة إلى فلسطين المحتلة هو واجب إنساني وأخلاقي يهدف إلى فك الحصار الخانق المفروض على غزة، في حين يعتبر فك الحصار عن غزة هو الدور الذي كان ينبغي أن تقوم به الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان.
* المصدر: الوقت التحليلي
* المادة نقلت حرفيا من المصدر