من “انتفاضة الحجارة” الأولى الى “طوفان الأقصى”: الروح هي التي تقاتل
السياسية:
“السلاح بيد من لا يريد استعماله ثقلُ حديد ليس إلا، بينما “الحديدة” بيد من يريد أن يستعملها هي سلاح قاطع”. هذه المقولة يُردّدها خبراء عسكريون للدلالة على أنّ الروح التي تقاتل، هي التي تجعل للسلاح المستخدم وقعًا ومفعولًا. تلك المقولة تنطبق على الشعب الفلسطيني ومقاومته؛ فعلى مدى عقود مضت، طبّق هذا الشعب مقولة “الحاجة أمّ الاختراع”.
صنع من الضعف قوّة، فتحوّل الحجر بيد الشيخ والفتى الى سلاح يُقاتل به عدوّ الله “إسرائيل”. في فلسطين، كل الأحياء مقاومة من بحرها الى نهرها. في قاموس الفلسطينيين، لا شيء مستحيلًا. ابتكر هذا الشعب وسائل للمقاومة، فكان الحجر سلاحه، وكان الطعن سلاحه أيضًا، تمامًا كما كان الدهس وسيلة لقتل غزاة الأرض.
وقد صنعت المعادلة الثنائية في فلسطين “شعب ومقاومة” فعلها الكبير طيلة سنوات المواجهة مع العدو الصهيوني . بموجبها، تجسّد الفعل المقاوم على مستويين، شعبي وعسكري، لتتّحد القدرات الفردية والجماعية وتنعكس تطورًا في العمل الفلسطيني المقاوم. تطوُّر تصاعدت معه المهارات القتالية ليحسب العدو لها ألف حساب. وفي أجواء الذكرى الـ36 لانطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الأول 1987 من جباليا بقطاع غزة، يتحدّث الباحث في الشؤون الفلسطينية صقر أبو فخر لموقع “العهد” الإخباري، فيشير الى أنّه وبعد مرور كل هذه السنوات على انتفاضة الحجارة الأولى في فلسطين، تطوّرت أساليب العمل المقاوم، وانتقل النضال الفلسطيني المسلّح من حال الى حال، فتطور كثيرًا بين مرحلة وأخرى، وكلنا نعلم كيف بدأ الكفاح المسلّح عام 1965 على يد حركة “فتح” حيث كان عبارة عن دوريات تنصب كمينًا، تشتبك مع الصهاينة وتنسحب على قاعدة “اضرب واهرب”.
بعدها، انتقل العمل المقاوم الى مرحلة المواجهات، يقول أبو فخر، حيث يتسلّل مقاومون وتحدث عمليات مواجهة مع الصهاينة، وحتى عمليات استعادة أراضٍ فلسطينية، كما جرى في مستوطنتي “كريات شمونة”، و”معالوت”. ويُذكّر أبو فخر بعملية “نهاريا” التي قادها الشهيد سمير القنطار للتمكن من إطلاق سراح أسرى. وبحسب أبو فخر، تطوّر العمل المقاوم الى عمليات جوية وبحرية، وفي هذا السياق، يستعيد عملية الشهيد خالد الحلبي الذي هبط بطائرة “شراعية” في قلب معسكر “إسرائيلي”، كما يُذكّر بالعملية البحرية التي شاركت فيها الشهيدة دلال المغربي.
يُشدّد الكاتب الفلسطيني على أنّ العمل العسكري كان يتطوّر تاريخيًا بحسب الخبرات، وهذا الأمر بدا جليًا بعد الخروج الفلسطيني من لبنان عام 1982، حيث بدأ التركيز على الداخل الفلسطيني بعدما باتت الحدود مقفلة تقريبًا. في هذا الوقت، لم يكن الداخل ساكنًا ـــ يقول أبو صقر ــ حيث كانت هناك انتفاضات جماهيرية باستمرار، لكن بعد هذا التاريخ (1982) وبالتحديد إبان استشهاد الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) جرى التركيز على إعادة بناء الخلايا والمؤسسات الشعبية وهذا ما أدى بالفعل الى الانتفاضة الأولى، والتي لم تكن مسلّحة، بل تمثلت بانتفاضة الحجارة، وكان لها صدى كبير على المستوى العالمي. في هذه الانتفاضة بيّن الشعب كيف يمكن مواجهة الاحتلال دون سلاح، فقط بضعة حجارة. وآنذاك دخلت كلمة “الانتفاضة” في القاموس العالمي.
وفق أبو صخر، أدّت الانتفاضة الأولى دورها الكبير في إعادة الشعب الفلسطيني الى الخريطة السياسية، وكانت نقطة تحول في القضية الفلسطيينة. كما رسّخت تحولًا كبيرًا في الثقافة الفلسطينية أولًا، ثقافة الانتفاضة، وبيّنت للجميع أن الشعب باستطاعته أن يُقاوم حتى ولو لم يمتلك شيئًا. كما أعادت هذه الانتفاضة القضية الفلسطينية الى المسار السياسي أقله في المنطقة العربية.
يتوسّع أبو صقر أكثر في الحديث عن انتفاضة الحجارة الأولى فيصفها بالانتفاضة التأسيسية في العمل السياسي الفلسطيني. أعطت هذه الانتفاضة الأمل للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال بأنّه مهما تكن الظروف والتحولات قادرون على صنع السياسة في مواجهة الاحتلال الصهيوني . بعد الانتفاضة الأولى بسنوات طوال، أتت الانتفاضة الثانية مع بداية القرن الواحد والعشرين، أي بعد عام 2000. وفق أبو صقر، انتفاضة الأقصى لم تكن مقتصرة على الحجارة والمواجهة المباشرة بل انتفاضة عسكرية أيضًا، من عمليات استشهادية كبرى ومواجهات يومية حتى بالسلاح.
هذه الانتفاضة ــ وفق قناعات أبو صقر ــ نقلت النظام الفلسطيني من حال الى حال. استعاد معها المناضلون فكرة المقاومة بالسلاح وليس الحجارة فقط. استمرت هذه الانتفاضة وكانت كأي انتفاضة تتوهّج وتخفت أحيانًا، وقد شكّل اغتيال ياسر عرفات ــ وفق أبو صقر ــ ذروة الصراع حيث أتى وضع سياسي جديد، ونقلت انتفاضة الأقصى النضال الفلسطيني الى مستويات أعلى لتُستعاد فكرة الكفاح المسلح، وتستمر هذه الانتفاضة 10 سنوات من عام 2004 الى 2014.
ثمّة انتفاضات كبرى حدثت في 2009-2008 حيث تعرض قطاع غزة لعدوان كبير، وأيضًا تكرّر الأمر في عام 2014، وهكذا تكرّرت الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة وتصاعدت بوجهها المقاومة، وكانت هناك مواجهات يومية في القدس، طرد السكان من حي سلوان، العدوان على الأقصى، المواجهة في القرى ضد المستوطنين الذين كانوا يعتدون يوميًا على الفلسطينيين، وغير ذلك الكثير، وقد كان الفلسطينيون، ومن دون تخطيط، يواجهون الاحتلال عبر النمط الجماهيري، والنمط العسكري الذي تركّز في غزة بالدرجة الأولى.
في هذه الأثناء، يؤكّد أبو صقر أنّ الشعب الفلسطيني اكتسب خبرات واسعة لها طابع فردي كالدهس والطعن بالسلاح الأبيض والناري، واستخدام المسدسات، ورمي العبوات، واقتحام موقع أو حاجز صهيوني وإطلاق النار عليه.
باختصار ــ يقول أبو فخر ــ استعمل الشعب الفلسطيني كل ما يستطيع من أشكال المواجهة لمقاومة الاحتلال. أما العدوان الحالي على غزة فهو استمرار وإن بشكل أعنف بكثير من الاعتداءات والحروب السابقة. كل تلك التجارب كانت فيها المقاومة جزءًا من الشعب ولم تكتف بالوقوف عند الأسلحة العادية بل تطورت قدراتها التدريبية وتمكنت من صناعة السلاح.
وقد أثبت الهجوم الأخير وعملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الفائت بقيادة حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية قمة التخطيط والسرية والإبداع، وشكّل نقلة نوعية كبيرة جدًا بقدرات المقاومة الفلسطينية خلال الصراع الممتد على مدى عقود من الزمن حيث كان لكل مرحلة شكل جديد من أشكال المواجهة، يختم أبو صقر.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة نقلت حرفيا من المصدر