السياسية:
عمر معربوني*

 

على مدى 35 يوماً تستمر المعركة البرية المتمثلة بالتوغل الإسرائيلي داخل قطاع غزة ولم يستطع جيش الاحتلال تحقيق إنجاز ولو تكتيكياً يمكن أن يقدمه للعالم ولداخل الكيان ليتمكن من خلاله تخفيف زخم الهجوم الذي يكلّفه كل يوم خسائر كبيرة في الجوانب العسكرية والاقتصادية والنفسية.

1ــ تكتيكياً:

فرضت المقاومة على جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ انتهاء الهدنة التخطيط والعمل يوماً بيوم وفق خطط تتغير حسب نتائج الميدان، ما يعني أن قتال المقاومة هو الذي بات يحدد مناورات جيش الكيان النارية والهجومية وليس خططه، وهذا إن دل على شيء فإنه دليل على الضعف الكبير في المعطيات الاستخبارية الميدانية لدى العدو ويدل أيضاً أن العدو يقاتل تكتيكياً وتعبوياً (بالحد الأدنى) وليس استراتيجيا.

باتت المقاومة تتمتع بميزة الاستشراف حيث تسبق مناوراتها مناورات جيش الاحتلال ولا تسمح له باستدراجها وكشف هياكلها المقاومة.

فعلى مدى يام الأيام الخمسة الماضية، قاتل جيش الكيان في عدد من المحاور الحساسة في الجبهة الجنوبية قتال تعرض واختبار وكشف لاستعدادات المقاومة، إلا أن المقاومة لم تستدرج إلى حيث يريدها العدو ولم تتأثر بإغرائه وكانت تتحرك وفق مفهومها ومعرفتها بالميدان وخطوط القتال الأساسي والثانوي فيه ما سمح لها بالاقتصاد بقوتها إلى حد بعيد وعدم المغامرة بكشف استعداداتها.

حال الميدان هو الذي يراكم الإنجاز وتحديداً الإنجاز الاستراتيجي وهو ما يستدعي منا توصيفاً دقيقاً يمكن ترتيبه على الشكل التالي:

2ـــ استراتيجياً:

إنها الطوفان الذي جرف كل ما سبق من معادلات أنها تطور وتحوُّل نقل معادلات الصراع وليس سينقل من معادلات الردع إلى إرهاصات معادلات النصر، وعليه فإن أي مقاربة يجب أن تحصل مما يلي الطوفان وليس ما سبق.

هذه العملية ثبّتت أن هذا الكيان اللقيط هو عصابة وليس دولة بين مزدوجين، فكل ما يفعله وفعله هذا الكيان في غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية هي أفعال عصابة لا أفعال دولة.

هذه العملية حقّقت انهداماً كبيراً في إحدى دعامتي الكيان وهي الجيش الذي اعتبره بن غوريون انه هو نفسه المجتمع الذي وصفه بمجتمع المحاربين.

العملية منذ ساعاتها الأولى جعلت الدعامة الثانية (أميركا وكل منظومة الغرب الجماعي) تهرول بتسارع وبحشد غير مسبوق للأساطيل لنجدة المساطيل وحمايتهم من السقوط.

عملية طوفان الأقصى إضافة إلى ما سبقها من جولات قتال في فلسطين ولبنان إضافة كبيرة على طريق انكسار هذا الكيان ، فالكيان قاب قوسين من الزوال بوعد إلهي لا ريب فيه وبمؤشرات وعوامل استراتيجية تصدق وعد الله.

هما عاملان أساسيان ومؤشران واضحان وضوح الشمس يشكلان أسس المرحلة الحالية والآتي من الأيام.

ــ أولا: فقد الكيان لوظيفته التي أنشئ لأجلها وهو الأمر الذي بات واضحاً لا لبس فيه، بعد العام 2000 ومنذ خروج الجيش الإسرائيلي مهزوماً من لبنان لم يربح الكيان أي معركة وتراجع إلى الداخل لتتحول مهمته من ردع المحيط إلى الدفاع عن جبهته الداخلية.

ـــ ثانياً: الهجرة العكسية المتسارعة إلى خارج فلسطين

وبسبب تحول الكيان إلى جغرافيا محاصرة بالنار من الاتجاهات كلها تنامت الهجرة المعاكسة التي كانت بدايتها بعد مواجهة تموز 2006 وأنا هنا أسميها بمواجهة تموز وليس عدواناً تموز لأننا حينها لم نكن نتلقى الضربات دون أن نستطيع ردها رغم أن الرد كان نسبياً لا متماثلاً ولكنه أتى بمردود إيجابي كبير جعل من مجتمع المقاومة كتلة أكثر تماسكاً وأكثر ثقة بقيادة المقاومة وقدراتها مقابل هزيمة محققة وفشل ذريع لقيادة الكيان الصهيوني.

استناداً إلى مركز الإحصاء الإسرائيلي هاجر منذ العام 2007 حتى نهاية العام 2019 مليون ومائة ألف صهيوني لشعورهم بأن أرض الميعاد وأرض السلام والرفاهية والأمان باتت من الماضي.

على مدى 23 سنة منذ خروج جيش الاحتلال من لبنان، تراكم المقاومات قوتها وتضيف كل يوم إلى تجاربها. والأهم هو تحوُّل الكيان إلى جغرافيا محاصرة بحزام من النار من كل الاتجاهات وهو ما سيُسقط أصل الفكرة التي قام عليها وهي الهجرة إلى فلسطين. فالأرض “الموعودة” لم تعد بنظر الكثيرين من المستوطنين أرض الميعاد ولا أرض السلام ولا أرض الرفاهية، فلماذا يستمرون بالعيش فيها؟

بالتأكيد أن ما يحصل هذه الأيام هو معركة ما قبل زوال الكيان، علمًا أن ساعة المواجهة الشاملة لم تدقّ بعد، وإن تعجّل الصهاينة في حصولها فلكل حادث حديث.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة نقلت حرفيا من المصدر