الإمارات و”إسرائيل”.. ليس مجرد تطبيع أو خيانة
السياسية:
إيهاب شوقي*
لا شك في أن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزراء حكومة المتطرفين والمجرمين، وبالأحرى “حكومة المجانين” كما أطلق عليها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، هم أصدق تعبير عن الوجه الحقيقي للصهيونية. والمفارقة هي أنهم رغم جنونهم، إلا أنهم أكثر العقلاء في القراءة الاستراتيجية لمستقبل الكيان المؤقت، لأنهم أدركوا أن لا مستقبل للكيان في وجود مقاومة تتنامى حوله وتحيط به وتلتف حثيثًا حول رقبته، وبالتالي تساوت خيارات هدم المعبد مع خيار الصمت الذي يقود إلى خلخلته ووقوعه فوق رؤوسهم مع الوقت.
ومن المعروف علميًا أن بيت العنكبوت مشكّل من خيوط صلبة، ورغم أنها أقوى أنواع الخيوط بما يفوق خيوط الصلب قوة، إلا أن بيت العنكبوت في غاية الهشاشة وهو ما يستخدمه الباحثون في الإعجاز العلمي في القرآن كدلالة على الإعجاز الإلهي.
وبالتالي فإن هذه العصابة الصهيونية الإجرامية مع هذا الإدراك بالزوال الحتمي وبأن القوة المفرطة الغاشمة لا تتناقض مع كون الكيان هشًّا كبيت العنكبوت تسابق الزمن وبالأحرى تصارعه في معركة صفرية، إما للسيطرة التامة أو الزوال التام باعتبار الوضع الراهن مستحيلًا وأن وقوع البلاء خير من انتظاره.
على الجانب الآخر وعلى ساحل الخليج، هناك دولة تخشى ذات المصير الصهيوني، وهي الإمارات، والتي شُكِّلَت كاتحاد للمشيخات بدافع الخوف من الانقضاض على كل مشيخة، ورهنت وجود اتحادها بالولاء للقوة العظمى، وشكلت دستورًا توافقيًا يحاول خلق هوية تجمع الفرقاء والقبائل المختلفة، وبقي الخوف هو العامل الأكبر في اتحادها.
الإمارات المتصالحة هذه كانت أوّل منطقة عربية تفرض بريطانيا سلطتها عليها عام 1820م، وآخر منطقة تتركها عام 1971م.
الإمارات هي مجموعة من إمارات الساحل المتصالح تاريخيًا أو “ساحل القرصان”، وفقًا للتعريف الاستعماري والذي تحول فيما بعد لاسم الساحل المهادن، وفي عام 1892م، دخلت الحكومة البريطانية في اتفاقيات مع شيوخ الساحل المتصالح، ألزمتهم بعدم الدخول في اتفاقيات أو إجراء اتصالات مع أية قوة أو دولة أخرى عدا الحكومة البريطانية.
ومقابل ذلك تعهّد البريطانيون بتحمّل مسؤولية الدفاع عن الإمارات من أيّ عدوان خارجي. وشكلت تلك الاتفاقيات إضافة للاتفاقيات الموقعة حجر الزاوية للسيادة البريطانية في الخليج التي استمرت للخمس والسبعين عاما التالية.
وفي مواجهة التنافس الناشئ مع قوى أجنبيّة أخرى، حصلت بريطانيا على تعهّدات من زعماء الساحل المتصالح لتحويل سلطتهم وسيطرتهم لمنح امتيازات النفط في مناطقهم إلى الحكومة البريطانية، إضافة لعدم منح الأجانب امتيازات مصرفيّة. ونتيجة لتلك الاتفاقيات، أصبح من الضروري تعيين الحدود الداخلية بين إمارات الساحل المتصالح والغير المرسومة قبل ذلك، فتدخل البريطانيون منذ خمسينيات القرن العشرين في تعيين ورسم الحدود لضمان متطلّبات حماية شركات النفط التي كانت تقوم بأعمال التنقيب في المناطق الداخليّة من الإمارات المتصالحة.
وفي بداية عام 1968م، أعلنت الحكومة البريطانية عن نيّتها للانسحاب من منطقة الخليج مع نهاية عام 1971م. وفي 30 نوفمبر 1971م، انسحب البريطانيون من الإمارات المتصالحة، وكان ذلك الانسحاب نهاية لسيادة العهد البريطاني في المنطقة.
اتّخذ كل من الشيخ زايد مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، الخطوةَ الأولى نحو إنشاء الاتحاد. كان الهدف من هذا الاتحاد حماية الساحل الذي كانت الثروة النفطية متوقعة فيه من مطامع الدول المجاورة الأكثر قوة.
ومؤخرا، سلط مركز “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية، في تقرير له الضوء على سياسات إمارة أبوظبي التي ينتهجها محمد بن زايد، مشيرة إلى أن هذا النهج الذي يتبعه ابن زايد قد يتسبب بتفكك الإمارات العربية المتحدة بعد 50 عاما من الاتحاد بين الإمارات السبع بقيادة الشيخ زايد.
يتحكم محمد بن زايد بنسبة 6% من النفط في العالم، كما يدير ثالث أكبر صندوق استثمارات عالمي، بإجمالي أصول تقترب من 700 مليار دولار، وهو من أكبر زبائن لوكهيد مارتن الأمريكية، أكبر شركات الصناعات العسكرية في العالم.
وتفيد التقارير الرصينة بأن بن زايد في قائمة الأكثر ثراء في العالم، بثروات قيمتها 1.3 تريليون دولار، وهو مبلغ يفوق ما تمتلكه بعض الدول.
وبن زايد من أكثر الرؤساء طموحًا لقيادة المنطقة ولكنه محاصر في الخليج بقوة تقليدية وهي السعودية وقوة أخرى طموحة وهي قطر، وكانت محاولاته الدائمة للوقيعة بين البلدين هي خوفه من اجتماعهما عليه، وخوف على مكانته التي حاول تأكيدها بالذهاب بعيدا لمستوى متقدم من التودد لأمريكا وبوابتها الرئيسية الممثلة في الكيان الصهيوني.
من هنا يمكن تفسير هذا السلوك الإماراتي والذي يبدو للكثيرين بأنه مجرد خيانة أو تفريط في الثوابت، ولكنه في حقيقة الأمر ارتباط بنيوي يحاول التحايل على المحيط الحيوي وخلق فتوحات جيوسياسية بعيدة عن منطقة النفوذ التقليدي لمنافسيه.
الإمارات لا تخشى غضبة شعبية كبرى حيث تقوم على مبدأ الشركة أكثر من مبدأ الدولة، وعلى الأبعاد الاقتصادية أكثر من الأبعاد الحضارية، ومعظم سكان مناطقها الحيوية من الوافدين، وهو ما سمح لها بجلب عناصر “الشاباك” الصهيوني للإشراف على الأمن ومراقبة أي معارضة ناشئة ومراقبة الوافدين وتوجهاتهم وانتماءاتهم.
وقبل التطبيع ومع تجارة الألماس الشهيرة بين الكيان والإمارات، تطور التعاون من عالم الظل إلى عالم العلن عبر مشروعات الطاقة والتي تشكل خطورة على مشروعات عربية راسخة ودعم صريح للعدو لم يكن ليحلم بتدشينه.
من هنا ليس مستغربًا أن تتفرد الإمارات في مجلس الأمن بدعم الكيان وإدانة المقاومة ووصفها بالإرهاب، وأن تستضيف الرئيس الصهيوني في مؤتمر يعقد وسط قصف صهيوني يدمر غزة ويقتل أطفالها ونساءها وشيوخها، بل وتحظى أيضا بعقد مصافحة بين الرئيس الصهيوني وأمير قطر الذي يقود (الوساطة) في مفاوضات الهدنة!
مؤتمر المناخ شهد فضيحة أخرى إلى جانب الفضيحة الأخلاقية باستضافة الرئيس الصهيوني، وهي فضيحة فساد كبرى، حيث استغلت الإمارات المؤتمر لعقد صفقات للنفط والغاز رغم أن المؤتمر الأممي للمناخ يقوم على تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري!
لماذا يعتبر انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 28” في دبي مثيراً للجدل؟
وقد تصدت “BBC” لنشر وثائق الفساد، حيث أشارت إلى أن الإمارات خططت لاستخدام دورها كمضيف لإبرام صفقات النفط والغاز، وبينت أن رئيس “كوب 28″، الدكتور سلطان الجابر هو من يشغل أيضاً منصب الرئيس التنفيذي لشركة النفط الحكومية العملاقة في الإمارات العربية المتحدة، “أدنوك”، وشركة الطاقة المتجددة الحكومية، مصدر.
وقالت إنه يستغل منصبه، وإن عقد صفقات تجارية في أثناء عملية مؤتمر الأطراف تشكل انتهاكاً خطيراً لمعايير السلوك المتوقعة من رئيس المؤتمر.
ولكن بالطبع لن توجد محاسبة للإمارات باعتبارها استوفت أوراق الشرعية الدولية بدعمها للكيان وبتطويرها للاتفاقيات التي تدعم اقتصاده على حساب النفط المسروق من ثروة الفلسطينيين.
بات من المعلوم أن الأنظمة تبكي على عروشها وليس لفلسطين إلا سلاحها وسلاح الأحرار، وأن جميع الوساطات هي بمثابة الخصم، والحكم لخيار المقاومة.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة نقلت حرفيا من المصدر