حزب الله من “الاستجابة العاطفية” إلى قوة ردع إقليمية
السياسية:
زينب عقيل*
بحسب التصنيفات العالمية، يُعتبر حزب الله جهة فاعلة هجينة، أي أنها ليست بدولة، لكنها قادرة على التأثير وتملك من القوة ما يمكنها من تحقيق توازنات ردعية مع قوى فاعلة دولية. وهو الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات، إذ كيف يمكن لمجموعة بدأت بدون إمكانيات تُذكر، أن تتحوّل إلى قوة إقليمية قادرة على تغيير المعادلات، وإفشال المخططات وتعطيلها في المنطقة. والتساؤل الأدق، أن القوة الأساسية التي هيمنت على الشرق الأوسط طيلة العقود الأربعة الماضية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتمكّن من إضعاف الحزب، ناهيك عن إنهائه، على الرغم من استخدام كلّ أنواع القوة الصلبة والناعمة والذكية. بل على النقيض من ذلك، كان الحزب يخرج من حروبه مع الأمريكيين ووكلائهم أكثر قوة، وأكثر مشروعية.
في بداية الإعلان عن حزب الله، كانت النظرة إلى المجموعة الناشئة على أنها نوع من الاستجابات العاطفية الغاضبة والمتسرعة على الواقع العاجز والمهين. خاصّة بسبب الانهيار الذي حلّ في المنطقة العربية والإسلامية. وكان “طرد الأمريكيين والفرنسيين وحلفائهما من لبنان، ووضع حدّ لأي كيان استعماري على أرضنا”، على رأس أولويات الحزب. كما جاء في الرسالة المفتوحة، وأضافت الرسالة “نطمح أن يكون لبنان جزءً لا يتجزّأ من الخريطة السياسيّة المعادية لأميركا والاستكبار العالمي وللصهيونية العالميّة”. قُرئَت هذه العبارات على أنها طموحات يضيق بها العقل السياسي اللبناني، وتفوق إمكانات حزب الله. وما كانت إلا سنوات قليلة، حتى أخرج حزب الله إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وتصدّى لمواجهة المشروع الأمريكي فيما يسمى الشرق الأوسط الكبير منذ العام 2005، ليتحوّل إلى لاعب إقليمي أساسي يتخطّى الساحة اللبنانية، بعد الحرب على سوريا.
في مقال سابق تحت عنوان لماذا يفشل الأمريكيون في اختراق بيئة المقاومة، وفي إطار الحديث عن مشروعية الحزب، تمّ طرح جاذبية حزب الله على أنها في إطار تحويل الأفكار إلى أفعال. خاصة أن الفعل هو الذي يقود إلى ترسيخ الأفكار. وحزب الله قد أعاد صياغة الأفكار من ثقافته الخاصة وحوّلها إلى أفعال، واستطاع أن يُخرج جمهوره من الهوامش السياسية والاجتماعية لتتحوّل الطائفة الشيعية في لبنان بنسائها ورجالها وأطفالها إلى قوة إقليمية. والواقع أن نجاح تحويل الأفكار إلى أفعال، سببه أن المُرسِل والمرسَل إليه واحد في بيئة حزب الله، ذلك أنّ أغلب العوائل في البيئة، منخرطة في النشاط الحزبي، إما من خلال العمل العسكري أو الأمني أو الثقافي أو الاجتماعي للحزب. فكل عائلة لديها واحد على الأقل من أفرادها من الدائرة القريبة أو البعيدة. كما أن الكثير من العائلات لديها أكثر من شهيد وجريح أو كلاهما. ومن هنا، فإن كل محاولة أمريكية لكسر حزب الله، سواء على المستوى العسكري كما حصل في حرب تموز عام 2006، أو على المستوى الاجتماعي كما حصل إثر انهيار الليرة اللبنانية منذ بدء عام 2019 والحصار الاقتصادي، فإنّ النتائج تأتي عكسية على شكل شدّ العصب للحفاظ على الأمن الوجودي. وهكذا، تصبح مشروعية الحزب من صلب حق طائفة كاملة في الوجود، ومن هنا يكون حزب الله قوة إقليمية مشروعة، على الرغم من عدم كونه كياناً دولتيا.
من خلال ملاحظة هذا المسار التطوري لـ “حزب الله” على مدى 40 عامًا، يمكن القول إن الحزب ربح كل جولاته في المنعطفات السياسية في تاريخه السياسي والعسكري في لبنان، وكل محاولات تقويضه، سواء من خلال الحروب العسكرية أو تأليب الرأي العام، واصطناع الحروب الأهلية، ووضعه على لوائح الإرهاب، واغتيال قادته، ومحاصرة كل البلد اقتصاديًا بهدف ابعاد الشرائح المتنوعة والمؤيدة عنه، خرج حزب الله من كل ذلك أكثر قوة وأكثر خبرة وأكثر تثبيتًا وتعاظمًا للإمكانيات على كافة المستويات في المشهد الإقليمي. بل انتقل من مرحلة الاستعداد للحروب الدفاعية إلى الاستعداد للبدء بحرب هجومية، في مرحلة جديدة تتزامن مع ما يُطرح من نسخ جديدة عن الشرق الأوسط الجديد. واليوم، مع طوفان الأقصى وعبور حماس من غزّة إلى الأراضي المحتلة في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023، ومنذ اليوم الأول، أكثر ما يخشاه الأمريكيون هو تدخّل حزب الله في الحرب على غزة، ينعكس في التحذير من أي عملية برية من شأنها أن تكسر حماس، وتؤدي إلى تدخّل حزب الله الذي سيحوّل الحرب على غزّة إلى حرب إقليمية تشعل المنطقة بكاملها، بالإضافة إلى المساعي الدبلوماسية والضغوط الميدانية في محاولات تحييد الحزب عن المعركة.. وهكذا، لا ينفكّ الأمريكي مردوعًا من قبل حزب الله..
* المصدر: موقع الخنادق اللبناني