كابوس العدو الأسوأ
السياسية:
أحمد فؤاد*
“هذا ما نؤمن به، الفارق أنه في يوم العاشر ليس الدم هو الذي ينتصر على السيف، ليس دمنا فقط الذي ينتصر على السيف، سيفنا أيضًا ينتصر على السيف، نحن الآن في هذا الزمن لدينا دم وسيف، وكلاهما ينتصر”..
سماحة السيد، وعدنا الصادق، في شهر أكتوبر قبل 5 سنوات كاملة.
ما جرى في فلسطين العربية، بداية من يوم السابع من أكتوبر الحالي، لا يمكن أن يمر بغير إحساس حقيقي وعميق ببشائر نصر، هذه ليست مبالغة ولا اندفاعًا غير محسوب للعواطف الإنسانية الطبيعية، لكنها الحقيقة الوحيدة التي يقولها العدو، والتي تثبتها –يومًا بعد آخر- المقاومة المباركة، إن ما تحقق في هذا اليوم الموعود إنجاز فارق كسر نظرية الأمن الصهيوني، وهشم بالتالي فرص بقاء الكيان العدواني في أرضنا العربية أو استمراره.
إن عملية “طوفان الأقصى” شكلت ضربة هائلة للعدو الصهيوني، هذا ليس تحليلًا عربيًا يحمل ارتباطًا وأمنيات وتدفعه الأشواق والعواطف، وهي رفعت سقفنا إلى الحدود القصوى، لكن المفروغ منه، حتى بالنسبة للخطاب الصهيوني وكتابه ومحلليه، أن ما تحقق في عملية طوفان الأقصى، يمثل بوضوح: فوزًا ميدانيًا مهولًا، وغير مسبوق على أي مستوى، بالنسبة للمقاومة.
أبسط تعريف للأمن في الكيان، كما نظّر له مؤسسه دافيد بن غوريون، هو أن الكيان مستمر طالما كان يملك “الجيش القوي الذي يقوم على عقيدة الأمة بأسرها جيش والوطن كله جبهة، ويمسك بالثالوث الأمني المقدس: الإنذار المبكر، الحسم، الردع”.. وهذه النظرية البسيطة التي نجح الكيان طوال 75 عامًا في تطبيقها قد انهارت في ساعة واحدة من نهار السابع من أكتوبر، مع الهجوم الفلسطيني الناجح والمذهل، ودون مبالغة تقرب الأحلام، ولا انفعال يدفعنا إلى القفز على كل النتائج مباشرة، فقد حطم ألف مقاتل فلسطيني “الجدار الأمني” حول غزة، واكتسحوا 25 موقعًا عسكريًا وأمنيًا على امتداد 40 كيلو متر، وبعمق 12 كيلو متر في الداخل الفلسطيني المحتل.
المتابع لتقارير إعلام العدو لن يفوت بسهولة الوضع الداخلي للكيان، وأفضل وصف له هو أنه يمر بحالة من “الشك العميق”، رئيس الوزراء يهاجم من قبل المتظاهرين في تل أبيب، ويقابل بصيحات الاستهجان من قبل جنوده، ووزير الحرب لا يستطيع أن يقدم خطابًا متماسكًا، ورئيس الأركان الذي تحدث يوم 21 أكتوبر لا يملك اليقين أو الثقة التي يقرر فيها خطوته التالية، الكل في مرحلة “عجز”، حققتها المفاجأة والصدمة، ومع وجود جبهات عربية أخرى قد انفتحت أو تلوح منها بوابات الجحيم، فإن “الزهو” الذي كان يدخل به الكيان معاركه معنا قد انهار وتلاشى إلى الأبد.
وقبل أن تنهار الصورة الذهنية الراسخة للتفوق الصهيوني، ضاعت معها مفاتيح المبادأة من الكيان، فقد أعلن نتنياهو حالة الحرب عقب الهجوم الفلسطيني مباشرة، لكن الحرب التي دخلها هذه المرة ليست ككل حرب، فهو لا يدرك أبعادها، ولا يملك يقينًا لخط سير تطوراتها، وسيناريو استمرارها بحد ذاته فوق تصورات التعامل معها، وهذا التيه الذي فُرض على الصهيوني فرضًا لا يترك له من حرية الحركة أو المناورة الشيء الكثير، وقوى المقاومة التي تحتفظ –حتى اللحظة- بكلمتها الفاصلة هي التي ستحدد المستقبل، وستجيب بشكل كامل عن سؤال المصير، ماذا بعد.
حتى هذا اليوم يرتعب الكيان من جبهة الشمال ولا يجرؤ فيها إلا على رد الفعل، وتقارير العدو –مع التكتم والتزييف المعتاد- تقول إن المراكز الطبية قد استقبلت 160 حالة بين قتيل وجريح، وقد جرى تدمير 14 دبابة، إضافة إلى استهداف عدد من المواقع والمراكز الحدودية، والحالة العامة للمستوطنين شديدة السواد، وقد جرى بالفعل إخلاء 14 بلدة حدودية في شمال فلسطين، تحسبًا لتصعيد على الحدود الشمالية، ليرتفع عدد البلدات التي تم إخلاؤها إلى 42 بلدة، وبشكل عام فإن صحيفة “هآرتس” قالت إن الجيش أجلى مائتي ألف مستوطن من البلدات المحاذية للحدود اللبنانية، وآخرون غادروا من تلقاء أنفسهم.
ما الذي يجري في جنوب العزة والشرف إذًا، نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قال إن “ما نقوم به في الجنوب الآن هو مرحلة تتلاءم مع المواجهة، وإذا تطلّب الأمر أكثر من ذلك فسنفعل”، وهو موقف الحزب الثابت من القضية المركزية ومن أنّات المستضعفين والمحاصرين في كل فلسطين، موقف قوي وقادر على ترجمة جملة سماحة السيد حسن نصر الله الخالدة في العام 2000: “ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات”، اليوم وبقرار واثق يترجم إصرارًا وموقفًا مبدئيًا راسخًا، فإن الكيان قد تم “ردعه” وتشتيته، وصورة جيشه النمطية التي كان يحرص عليها أشد الحرص، يجري يوميًا إذلاله وإهانته.
ومن الإعلام الصهيوني ذاته، فإن موقع “والا” العبري قال في تحليله عن الموقف المتفجر في شمال فلسطين المحتلة أن “حزب الله حصل على ما أراد من الهجمات الشمال، كل يوم يزيد من وتيرتها، إنه يخلق إلهاء للجيش يدفعه إلى تفريق القوات على الجبهات، وينشر وعيًا بالتضامن مع الفلسطينيين، ويحمل رسالة إقليمية عامة وقبل كل شيء، وربما قبل كل شيء منع أو تقليل المناورة البرية في غزة”.
صاغ الفيلسوف الألماني كارل ماركس أول قوانين “المادية الجدلية”، وهو قانون “التحول الكمي”، وببساطة يقول إن أي شيء في حالة تغير كمي متواصل ودائب، وهذا التغيير هو حركة طفيفة وتدريجية ودائمة، ويمكن أن يمر دون ملاحظة، لكن حين يتراكم هذا التغيير الكمي بدرجة كافية “حرجة”، وحين يتعداه يقفز التغيير من كمي إلى نوعي، بشكل مباغت وساحق وسريع.
يوم السابع من أكتوبر هو المتمم لسلسلة طويلة وكريمة ومجيدة من التضحيات العظام لأبطال هذه الأمة، القادة والسادة الذين حفظوا شرفها وحقها، وهذا الرصيد الهائل في الجبهات، في فلسطين وفي لبنان وفي سورية وفي العراق وفي اليمن، يجعل من اليوم انتصارًا جديدًا للدم الزكي على سيف الطغيان الأميركي في اليد الصهيونية المجرمة، هؤلاء العظماء الخالدين في ذاكرتنا وقلوبنا قد جعلوا يوم نهاية الكيان حقيقة نعاينها ونراها ونصدقها، تحية للشهداء ممن منحونا من الأيام الأعز والأغلى في تاريخنا، بجملته.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة نقلت حرفيا من المصدر