مريم السبلاني*

 

تداولت وسائل الاعلام الغربية والعربية خبر إسقاط المدمرة “يو إس إس كارني” 3 صواريخ وعدد من المسيّرات أطلقتها حركة “أنصار الله”. وبحسب تقديرات البنتاغون، فإنه من المحتمل أن تكون موجّهة نحو أهداف في كيان الاحتلال. ويأتي هذا التطور وسط مخاوف من توسع جبهات المواجهة وهو الأمر الذي يعمل الجانب الأميركي الإسرائيلي لتفاديه. لكن، عدم تبنّي انصار الله للعملية، يترك جملة من الأسئلة حول حقيقة ما جرى بالفعل.

على عكس العمليات التي قامت بها حركات المقاومة في كل من لبنان والعراق وسوريا، لم تعلن حركة “أنصار الله” عن مسؤوليتها بإطلاق الصواريخ. ويمكن أن يفسّر ذلك على منحيين.
الأول، أن الحركة ترغب في اعتماد أسلوب معين في عملياتها التي تأتي في إطار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وكانت قد اعتمدت الأسلوب نفسه في الحرب السعودية الأميركية المفروضة عليها. اذ أنها قامت بعدد من الاستهدافات التي لم يعلن عنها أبداً، إنما كانت قائمة على مبدأ أن “الرسالة التي كان يجب أن تصل لمن يهمه الأمر، قد وصلت”.

ما يجعل هذا السيناريو أمراً وارداً، العقيدة الإيمانية السياسية والعسكرية التي تؤمن بها الحركة، والقائمة على مبدأ ضرورة تحرير فلسطين. خاصة وأن السيد عبد الملك الحوثي كان أول من أعلن دخول اليمن في المعادلة الإقليمية التي أعلنها أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله. أضف إلى ذلك، القدرات العسكرية التي تمتلكها والتي تسمح لها بترجمة هذه العقيدة فعلياً. خاصة بما يتعلق بالقدرة الصاروخية التي برزت بعيد استهداف منشآت شركة “أرامكو” في رأسِ تنورة بمنطقة الدمام شرقي السعودية. وهو ما شكل تحولاً في توازنات الردع، وأعاد خلط الأوراق الاستراتيجية في حسابات كيان الاحتلال.

فالعمق الذي استهدفته الصواريخ البالستية اليمنية. بعيدة المدى يصل الى 1580 كلم وأكثر، ما يعني إمكانيّة وصولها الى عمق الكيان في فلسطين المحتلّة. وفي تقسيم للأراضي الفلسطينية المحتلّة على طول 400 كلم، فإن الصواريخ اليمينة قادرة، حتى الآن، على كشف حوالي 100 كلم من مساحة فلسطين، وقد أثبتت الحركة تطوراً نوعياً سريعاً لناحية التصنيع العسكري والصاروخي المحلي، وكان أحدثها الطائرات دون طيّار من نوع “صماد3” والصواريخ البالستية من نوع “ذو الفقار” ما يكشف كل مناطق الاحتلال لمرمى الطائرات والصواريخ اليمنيّة.

حينها، كان الهدف من اختيار الهدف في رأس تنورة، رغم بعدها، ورغم وجود عشرات القواعد العسكرية والمنشآت الحيوية السعودية ضمن تموضع جغرافي أقرب، ايصال رسالة واضحة لقيادة التحالف الاميركي والإسرائيلي السعودي، مفادها أن الصواريخ اليمنية قد بلغت مدياتها أكثر من 1600 كلم، وبالتالي فان “إسرائيل” أصبحت تحت مرمى الصواريخ اليمنية، وهي تجربة عملية تؤكد التزام السيد الحوثي بمعادلة الردع الاقليمية.

الثاني، أن لا تكون الحركة مسؤولة فعلاً عن عملية إطلاق الصواريخ. وقد عمدت الولايات المتحدة إلى فبركة الأمر لحشد أكبر قدر من “التعاطف” والمساعدات الدولية لـ”لكيان إسرائيل”. كونها تتعرض للهجوم من جبهات عدة.

الواقع، أن كلا المنحيين يجتمعان على حقيقة قدرة الحركة على تنفيذ ما وعدت به سابقاً وعادت وأكدت عليه خلال عملية “طوفان الأقصى”. وهي الحقيقة “المرة” التي يعترف بها كيان الاحتلال وحلفاؤه. وإذا كان عدم تبني الحركة أثار عدداً من الأسئلة، فإن استمرار “إسرائيل” في ارتكاب مزيد من الحماقات التي من شأنها توسيع رقعة الاشتباك وتوريطها بحرب متعددة الجبهات، سيجعل من تدخل الحركة المباشر أمراً محسوماً، وستكون عملياتها معلنة لا تترك أي مجال للالتباس. ولعل من أعظم ما قاله الشهيد الفلسطيني، نزار بنات أن “الموقف الفلسطيني الشعبي والحقيقي، سيعبّر عنه الباليستي اليمني”.

*كاتبة في موقع الخنادق
المصدر: موقع الخنادق اللبناني
المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع