عماد الحطبة

 

الحرب الشاملة؛ من أكثر المصطلحات التي استعملت منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزّة.

البعض توقع حدوثها، آخرون استبعدوا إمكانية تطور الأحداث إلى تلك الدرجة من التعقيد، ومنهم من طالب بالذهاب إلى الحرب الشاملة منطلقاً من أن اللحظة التاريخية مناسبة للاندفاع نحو تحرير فلسطين. لكننا نفشل جميعاً في وضع السيناريوهات التي ترجح أياً من الاحتمالات على الآخر. يعود هذا الفشل إلى أن الحرب الشاملة، التي يتصورها البعض، ليست قراراً سياسياً خالصاً، فهي قرار معقد تتدخل فيه عوامل عسكرية واقتصادية يقع معظمها في خانة المعلومات السريّة.

يرى البعض أن الحرب الشاملة تعني الانخراط الكامل لقوى محور المقاومة في الفعل العسكري، وفتح الجبهات كافة، وتحديداً جبهة شمال فلسطين. لا شك أن أشخاصاً متحمسين أو متألمين مما يصيب سكان غزّة من جراء العدوان يطرحون فتح الجبهات من قبيل البحث عن حلول تشفي صدورهم. غالبية من المطالبين بالحرب الشاملة تحاول، للأسف، التعريض بتماسك محور المقاومة، وتروج لفكرة أن المقاومة في غزّة تقاتل وحيدة، وأن بقية أطراف المحور قد تخلوا عن غزّة ومقاومتها.

لا بد هنا من تثبيت جملة من الحقائق التي توضح زيف ادعاء هؤلاء، وهم في معظمهم كانوا من أدوات المشروع الاستعماري الذي نال من قوة الأمة وعمل على تدمير جزء من دولها تحت مسمى “الربيع العربي”. لقد أعلن محور المقاومة عن دعمه للمقاومة الباسلة في غزّة، وتأييده المطلق لعملية “طوفان الأقصى”، من دون أي تردد أو تخوف من نتائج العملية الشجاعة على غزّة أو على بقية أطراف المحور.

وما إن بدأت الغارات على قطاع غزّة حتى رافقتها غارات صهيونية أخرجت مطارَي دمشق وحلب من الخدمة منعاً لوصول الذخائر والدعم اللوجيستي للمقاومة من خلالهما. علينا أن نتذكر أن الدفاعات الجوية السورية في الجنوب السوري قد تعرضت للتدمير والتخريب على يد أنصار ربيع الصهاينة، ما سهّل مهمة العدو في شن الغارات على الداخل السوري.

خلال الأيام الأولى من المواجهات، قامت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله بانتشار عسكري على الحدود الجنوبية، وبمناوشات مع العدو، تطورت إلى اشتباكات يومية، وحسب اعتراف العدو نفسه، تمكنت المقاومة من تدمير 10 دبابات ومجموعة من العربات العسكرية، وإصابة 40 فرداً ما بين قتيل وجريح من الجنود والمستوطنين. وقدمت المقاومة في الوقت نفسه مجموعة من الشهداء في المعركة، وقصف العدو مواقع للمقاومة في بلدات الجنوب اللبناني.

في الوقت نفسه، بدأت قوى المقاومة داخل الضفة الغربية بعمليات إشغال لقوى العدو، فكانت عملية الشهيد خالد المحتسب في القدس، وعمليات إطلاق النار على الحواجز العسكرية داخل الضفة، هذه العمليات التي أدت إلى استشهاد نحو 70 فلسطينياً في الضفة الغربية منذ بدأت عملية “طوفان الأقصى”، وخاضت المقاومة معركة بطولية في مخيم نور شمس في طولكرم، كما اعتقل خلال الأيام الماضية عدد كبير من الفلسطينيين من بينهم معظم قيادة حركة حماس في الضفة الغربية.

تسامى اليمن فوق جراحه، وأرسل صواريخ عدة، اختلف الصهاينة والأميركيون على تحديد وجهتها ما بين البارجة الأميركية “يو أس أس كارني”، ومدن جنوب فلسطين، ومدينة “إيلات” بالتحديد. بصرف النظر عن وجهة تلك الصواريخ، فإن إطلاقها يعدّ حدثاً هاماً لأنها تعبّر عن انخراط طرف آخر من أطراف محور المقاومة في المعركة، وهذا الطرف قادر فعلاً على توجيه ضربات مؤلمة للبحرية الأميركية وحتى الصهيونية الموجودة في البحر الأحمر وبحر العرب.

في العراق، أثخنت المقاومة العراقية جراح العدو الأميركي، وضربت قواعده في دير الزور “قاعدة الكونيكو” حيث قتل جنديان أميركيان، وقاعدة التنف، وقاعدة عين الأسد، وهي تتوعد بالاستمرار في استهداف القواعد والقطع البحرية الأميركية في حال اتسع نطاق المعركة.

لقد أجبرت المقاومة العربية الولايات المتحدة على التراجع عن تصريحاتها العنترية التي أطلقها بعض مسؤوليها في الأيام الأولى للمعركة، حول استعداد الولايات المتحدة إرسال قوات أميركية لمساعدة “جيش” الاحتلال، واضطر الرئيس الأميركي بوش إلى نفي هذه الأخبار والتشديد على عدم وجود نيّة أميركية للقيام بمثل هذه الخطوة.

الشارع العربي كان شريكاً في المعركة أيضاً، فقد خرج في جميع العواصم والمدن مندّداً بما يصيب أهلنا في غزة، مؤكداً مجموعة من الحقائق أصابت المشروع الاستعماري في مقتل؛ أولها أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والوحيدة التي يجمع عليها العرب في شتى أقطارهم وبمختلف توجهاتهم، فقد رأينا في الساحات الإسلاميين والقوميين واليساريين يهتفون جنباً إلى جنب دعماً لكتائب عز الدين القسام، وحماس وسرايا القدس، وثانيها أن هذا الشارع العربي يدعم المقاومة المسلحة ويعتز بإنجازاتها ويعدّها الطريق الحقيقي لإنجاز التحرير.

يبنى على ما سبق انهيار كل مشاريع التطبيع التي عمل التحالف الرجعي الاستعماري على الترويج لها، واستعادة الجماهير العربية ثقتها بنفسها بعد أن فرضت على حكوماتها مواقف سياسية تناقض المشاريع الاستعمارية كما حدث في الأردن، عندما أسقطت الجماهير القمة الرباعية التي كان يفترض عقدها في عمان، وفي البحرين ومصر عندما أجبرت الكيان الصهيوني على إغلاق سفارته.

أما إيران فهي الداعم الاستراتيجي لكل قوى المقاومة سواء بالدعم العسكري المباشر بالأسلحة والتقنيات، أو بالتدريب العسكري، إذ من البديهي أن المظليين الذين استخدموا الطائرات الشراعية لم يتدربوا داخل القطاع، ولكن في إحدى دول محور المقاومة وعلى الأغلب إيران، ناهيك بالدعم السياسي والمالي، واستعداد إيران الدائم للتدخل في المعركة إذا ما اندلعت حرب إقليمية تهدد محور المقاومة.

الحرب الشاملة قائمة إذاً، ليس منذ اليوم، ولكن منذ بداية ربيع الصهاينة. الحرب على سوريا واليمن والعراق واليمن، وتصدي المقاومين والجيوش الوطنية على امتداد هذه الجبهات وعلى مدى سنوات، هي حرب شاملة تعاون فيها جميع أطراف محور المقاومة، واستطاع هذا المحور هزيمة المشروع الاستعماري وإفشال مخططاته، ودفع في هذا السبيل ملايين الشهداء، اليوم يستشهد في غزة طفل كل 15 دقيقة، وبالأمس كان يستشهد في اليمن طفل كل عشر دقائق، يحرم سكان غزة من الدواء والطعام، وقضى الكثير من شهداء اليمن بالكوليرا والمجاعة نتيجة حرمانهم من الدواء والغذاء.

لم يجد أطفال اليمن من يبكي مأساتهم لأن البكاء عليهم مكلف، فالعدو يمتلك حنفية البترودولار التي أغدقت على من يسبح بحمده، أما في فلسطين فالمواقف والصراخ وتوزيع الاتهامات أقل كلفة، ويمكن أن يكفّر عن خطايا من تلوثت يداه بدم أطفال سوريا والعراق واليمن وليبيا.

محور المقاومة متماسك، ويخوض حرباً شاملة، ويدفع ثمن المواجهة مع العدو بكل أشكاله ومسمياته ومخططاته منذ عشرات السنوات، وسوف يستمر صعوداً حتى تحقيق النصر.

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع