السياسية:

تعد مذبحة قبية في 14 أكتوبر عام 1953، واحدة في سلسلة من عمليات صهيونية مشابهة دخلت التاريخ كجرائم حرب منسية، وبقي أصحابها يصولون ويجولون، بل وأتيح لعضهم تنفيذ المزيد من المذابح.

قبية قرية فلسطينية مسالمة وآمنة في الضفة الغربية، وكانت في ذلك الوقت تحت السيادة الأردنية. كانت القرية وقتها على بعد كيولومترين من خط وقف إطلاق النار لعام 1949، إلى الشمال من مستوطنة ومدينة موديعين عيليت الحالية في كيان إسرائيل.

قرر الجيش الصهيوني في ذلك الوقت الانتقام من عملية قام بها مجهولون تسلوا إلى مستوطنة يهود وألقوا قنبلة على منزل ما تسببت في مقتل امرأة وطفليها.

أوري ميلشتاين المؤرخ العسكري الصهيوني يكشف ملابسات تلك المذبحة ويكتب في ديباجته أن “الأسطورة التي يستخدمها الفلسطينيون في حربهم لإقامة دولتهم تقوم على مفهوم” النكبة. وراء هذه الكلمة (أعمال عنف)، وهمية في بعض الأحيان، وأحيانا لا، بل نفذها الصهاينة وينفذونها ضد الفلسطينيين. تسببت هذه (الأعمال العنيفة) في هروب عرب أرض كيان إسرائيل من منازلهم خلال حرب الاستقلال وسهلت أيضا ترحيلهم. تم تنفيذ أول إجراء من هذا القبيل في دير ياسين، وأصبحت الأحداث في قبية (1953) وكفر قاسم (1956) وصبرا وشاتيلا (1982) (حقن معززة). هذه الأعمال لم تحدد فقط (الثقافة الفلسطينية) وحولت الفلسطينيين إلى أمة لا حلول وسط لديها، ولكنها لا تزال تستخدم لإدانة كيان إسرائيل، ليس فقط في العالم، ولكن أيضا بين عدد كبير من الصهاينة أنفسهم”.

المؤرخ العسكري الإسرائيلي يفيد في هذا السياق بأن رئيس هيئة الأركان العامة الصهيوني حدد الهدف من تلك العملية في التالي:

غزو قريتي نعلين وشقبا، وتفجير وإلحاق أضرار بعدد معين من المنازل وإلحاق أضرار بسكانها.

الهجوم على قرية قيبية واحتلالها مؤقتا وتفجير المنازل وإلحاق أضرار بالسكان وطردهم من القرية.

تقرر حينها، بحسب المؤرخ العسكري الصهيوني، “الرد بشدة على الهجوم الإرهابي في يهودا… وتفجير 50 منزلا في قيبية (التي كان بها 280 منزلا فقط)… أصدر ديان الأمر إلى العقيد مئير أميت (الذي كان آنذاك رئيس المجموعة العملياتية في هيئة الأركان العامة)، والذي بدوره أصدر الأمر إلى مجموعته، لإعداد عملية شوشانة، التي سميت على اسم الطفل الذي قتل في يهودا”.

أوري ميلشتاين يروي أن قائد وحدة المظلات الإسرائيلية “890”، تخوف من قيادة العملية بسبب تنفيذ عدد من العمليات “غير الناجحة”، فأبدى أرييل شارون استعداده للقيام بذلك وطلب تخصيص سرية من قوات المظليين بقيادة آرون دافيدي.

قامت الفرقة “101” بقيادة شارون، تساندها قوة من المظليين لحمايتها من أي هجوم مضاد، بتنفيذ “المذبحة” تحت جنح الظلام، واستولت على قرية قبية ودمرت منازلها.

تفصيليا قتل 69 فلسطينيا وأصيب ضعف هذه العدد ودمر 45 منزلا إضافة إلى مدرسة ومسجد.

بعد أن أكدت تقارير الأمم المتحدة ما جرى، أرسل في اليوم التالي جدعون رافائيل، عضو الوفد الصهيوني لدى الأمم المتحدة، “رسالة شخصية وسرية” إلى وزير الخارجية الصهيوني، لفت فيها إلى الضرر السياسي الذي لحق بكيان إسرائيل من جراء عملية قيبية!

المؤرخ العسكري الصهيوني يسجل أن ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء الصهيوني ووزير الدفاع في ذلك الوقت أعلن قائلا: “أجرينا تحقيقا شاملا، واكتشفنا أن جميع وحدات جيش الدفاع الصهيوني بما في ذلك أصغرها في ليلة الهجوم على قيبية، كانت في قواعدها”.

يعلق أوري ميلشتاين على هذا الأمر بقوله: “على الأقل كان جيش الدفاع الصهيوني يعلم أن رئيس الوزراء، الذي يحترمه الشعب، قد أبلغ هذا الشعب بالذات بمعلومات كاذبة. ومن بعد تم التوصل إلى استنتاج مفاده، يمكنك الكذب إذا اقتضت الظروف ذلك، ولا يجب بالضرورة أن تكون المعلومات التي تنشرها كيان إسرائيل موثوقة”.

المؤرخ العسكري الصهيوني يواصل سرد الأحداث مشيرا إلى أن بن غوريون التقى بشارون في خضم تلك التجاذبات، وردا على تأكيد الجنرال الصهيوني الشهير “براءة” جنوده في الفرقة 101 بقوله: “لا يهم ما يقوله العالم، من المهم كيف يتفاعل العرب. من هذا المنظور، كانت العملية ناجحة”!

ما كان حينها يقلق بن غوريون تطرق إليه في مذكراته لاحقا. كتب أنه شعر بالارتياح لأن شارون وعده بأن جنود الوحدة 101 لن يغضبوا من خطابه الإذاعي، الذي نفى فيه مشاركتهم في تلك “المذبحة”.

* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر