السياسية:

فاجأت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، فجر السبت (15 أكتوبر) الأراضي المحتلة بعملية “طوفان الأقصى” تحت غطاء كثيف من الصواريخ التي أطلقت من قطاع غزة.

ولم تقتصر مفاجأة حماس على الهجوم المفاجئ، بل شملت استخدام أسلحة وتكتيكات خطيرة لم يتم الكشف عنها من قبل، بما في ذلك استخدام الطائرات الشراعية، والطائرات دون طيار، ونظام الصواريخ المتعددة.

لكن النقطة المهمة كانت كمية الصواريخ، حيث أطلقت حماس أكثر من 5000 صاروخ على المستوطنات الصهيونية خلال 20 دقيقة، وهو الإجراء الذي غيّر قواعد اللعبة في القضية الفلسطينية.

إن القوة الصاروخية لحماس، التي تتحسن يوماً بعد يوم، هي نتيجة سنوات من الجهود المتواصلة التي يبذلها الشباب الذين هدفهم تدمير الكيان الإسرائيلي، والذين يعتبرون الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحرير الأراضي المحتلة.

المسار الصعب لإنتاج حماس للصواريخ

تأسست حماس عام 1987، ومع مرور الوقت تحولت من حركة شعبية إلى قوة عسكرية كبرى فاجأت العالم.

ورغم أن القادة الصهاينة بذلوا جهوداً كبيرةً خلال العقدين الماضيين لتدمير البنية التحتية العسكرية لحركة حماس في غزة وضمان أمن المستوطنين، إلا أن الحروب المتكررة لم تتمكن من إضعاف هذه الحركة، وأظهرت المعركة الأخيرة أن حماس لم تعد حركةً، بل تتصرف كجيش صغير أصبح كابوساً لقادة تل أبيب.

لقد تم تطوير صواريخ حماس في وضع كانت فيه غزة تحت حصار اقتصادي شديد لمدة 17 عامًا، ولم يتم تقديم أي مساعدات خارجية لهذه المنطقة، لكن الشباب الفلسطيني لم يقع في قبضة القيود الجغرافية والإقصاء، وتمكن من تعزيز قوته العسكرية وخلق الردع ضد الاحتلال.

ورغم أن العديد من الخبراء ووسائل الإعلام الغربية يزعمون أنه بسبب الحصار، تقوم حماس بتزويد جزء من احتياجاتها من الأسلحة من الخارج عبر تهريب الأسلحة وبمساعدة عسكرية من إيران وحزب الله، لكن ما لا شك فيه أن قدرة المقاومة الفلسطينية على بناء أنظمة أسلحة متقدمة نسبيًا، تظهر أن معظم هذه الأسلحة يتم إنتاجها داخل غزة على يد مهندسين فلسطينيين تلقوا تدريبًا فنيًا في الخارج.

بعد تأسيس كتائب القسام عام 1992، بدأت هذه الحركة بمهاجمة الكيان الصهيوني بالرصاص والقنابل اليدوية التي صنعتها قيادات سابقة مثل المهندس يحيى عياش، وانتقلت هذه الحركة لاحقًا إلى تطوير الصواريخ البدائية، التي تطورت بسرعة بعد انسحاب الكيان الإسرائيلي من غزة عام 2005.

ولاحقاً أنشأت القسام ورشات حدادة بدائية لتصنيع الذخائر، حتى تمكنت في تشرين الأول 2001 من بناء الصاروخ الأول وأطلقت عليه اسم “القسام 1″، وحينها أطلق هذا الصاروخ باتجاه مستوطنة سديروت، حيث وصل مداه إلى 3 كيلومترات.

وفي عام 2002، أنتجت كتائب القسام صاروخاً معدلاً أطلقت عليه اسم القسام 2، وتراوح مداه بين 9 و12 كيلومتراً، وفي عام 2005، طورت حماس صاروخ القسام 3، الذي استهدف لأول مرة مستوطنة عسقلان داخل الأراضي المحتلة بمدى 15 إلى 17 كيلومترا، وخلال حرب عام 2012، كشفت حماس النقاب عن صاروخ M75 الذي يصل مداه إلى 80 كيلومترًا، وضربت به مدينة تل أبيب بوسط الكيان الإسرائيلي.

وخلال حرب تل أبيب التي استمرت 51 يومًا ضد غزة في عام 2014، أطلقت القسام صاروخًا من طراز J80 على تل أبيب يبلغ مداه 80 كيلومترًا، ومن جهة أخرى، كشفت النقاب عن صاروخ “سجيل 55” الذي يصل مداه إلى 55 كيلومتراً، كما استخدمت في العام نفسه صاروخ R160 الذي أطلق باتجاه مدينة حيفا، ويبلغ مداه حوالي 160 كيلومترا.

وفي معركة “سيف القدس” التي دارت في مايو 2021 بين الكيان الإسرائيلي وحماس، استخدمت المقاومة الفلسطينية لأول مرة صاروخ Q12-20 الذي يتراوح مداه بين 12 و20 كيلومترًا، ويحمل رؤوسًا متفجرةً ذات قدرة تدميرية عالية.

وفي العام نفسه، قصفت حماس القدس المحتلة وتل أبيب باستخدام صاروخ A120 الذي يحمل رأساً متفجراً ذا قدرة تدميرية عالية، يصل مداه إلى نحو 120 كيلومترا.

وفي عام 2021، أطلقت القسام صاروخاً من طراز SH85 يصل مداه إلى 85 كيلومتراً باتجاه مطار بن غوريون في تل أبيب، كما أطلقت صاروخاً من طراز عياش 250 يصل مداه إلى 220 كيلومتراً باتجاه مطار رامون جنوب الكيان الإسرائيلي، وهو أحدث نظام صاروخي لحركة حماس.

وحسب شبكة “سكاي نيوز”، فقد عطلت حركة حماس، في عملياتها الأخيرة، نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية”، بإطلاق آلاف الصواريخ من مختلف الأنواع، من بينها صواريخ فاتح- 110 أرض-أرض.

ويظهر تقرير “مركز القدس للدراسات العامة”، أن صواريخ حماس تم تطويرها على مر السنين، لتصبح ذات أبعاد أكبر وقدرات تفجيرية أقوى ومدى أطول.

تراكم عشرات الآلاف من الصواريخ في قطاع غزة

رغم أن حماس لا تكشف عادةً عن معلومات حول ترسانتها العسكرية، إلا أن التقارير الدولية تقدر أن كتائب القسام تمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ المنتجة في غزة.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في عام 2021، أن المخابرات الإسرائيلية تقدر أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تمتلكان ما يصل إلى 30 ألف صاروخ، لكن لا توجد حتى الآن معلومات مؤكدة حول حجم الترسانة الصاروخية التي تمتلكها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

وحسب “معهد الأمن القومي اليهودي” ومقره أمريكا، تمكنت حماس وحركة الجهاد الإسلامي بعد حرب 2021 من الحفاظ على ما يصل إلى 40% من مخزونهما الصاروخي، وهو الهدف الرئيسي للإسرائيليين، وهذا يعني 11.750 صاروخاً مقارنةً بـ 23 ألف صاروخ قبل النزاع.

ولا تكشف فصائل المقاومة عن حجم أسلحتها حتى لا يكون لدى الكيان أي معلومات عن قوتها العسكرية، وذلك لمفاجأة العدو كما حدث في الحرب الأخيرة.

إن تصريحات قادة حماس بأن لديهم ما يكفي من الأسلحة لمقاومة الكيان الصهيوني لمدة ستة أشهر على الأقل، تشير إلى أن ترسانة حماس مليئة بالأسلحة والصواريخ التي حصلت عليها بالاعتماد على القدرات المحلية، وفي كل صراع مع الجيش الإسرائيلي لديهم مفاجأة جديدة للكيان، وتم الكشف هذه المرة عن صواريخ “طوفان وعياش 250” التي نجحت في مهاجمة الأراضي المحتلة.

تشمل قائمة الأسلحة التي تمتلكها حماس مخزوناً ضخماً من أنظمة الصواريخ قصيرة المدى مثل قسام (يصل مداه إلى 10 كيلومترات)، وصواريخ القدس 101 (يصل مداه إلى حوالي 16 كيلومتراً)، وصاروخ “سجيل 55” (يصل مداه إلى 55 كيلومترا) هو جزء من القوة الصاروخية لحماس.

وتستخدم حماس أيضًا مجموعةً متنوعةً من الأنظمة بعيدة المدى مثل M-75 التي يصل مداها إلى 75 كم، والفجر (مدى 100 كم)، وعياش 250 (مدى 250 كم) وبعضًا آخر.

ولذلك، فمن الواضح أن لدى حماس أسلحة يمكنها استهداف القدس المحتلة وتل أبيب وحيفا، وتهدد كامل الشريط الساحلي الذي يضم أعلى كثافة سكانية وبنية تحتية حيوية للكيان الإسرائيلي، وإضافة إلى ذلك، فإنها تستخدم صواريخ “كورنيت” لتدمير مدرعات الجيش الصهيوني.

خلال عملية طوفان الأقصى، التي تمكنت فيها حماس من إطلاق نحو 5000 صاروخ في الدقائق الأولى باتجاه مواقع الاحتلال ومطاراته وتحصيناته، استخدمت حماس أسلحة ومعدات جديدة يستخدمها مقاتلوها لأول مرة.

أصابت صواريخ حماس قلب تل أبيب ومعظم المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة، بما في ذلك عدد قليل منها تمكن من الوصول إلى المراكز السكانية الرئيسية في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، ومع عنصر المفاجأة وهزيمة القبة الحديدية، كبدت هذه الصواريخ الكيان الإسرائيلي خسائر فادحة.

وأظهر الكشف عن منظومة الدفاع الجوي “متبر 1” في الأيام الأخيرة، أن تقدم المقاومة لا حدود له، وقد حققت الآن قدرات كثيرة في كل المجالات.

تكتيكات حماس العسكرية

في حين أن الكيان الصهيوني يراقب بعناية أي تحركات لحماس والجهاد الإسلامي، باستخدام أجهزة المخابرات وصور الأقمار الصناعية وحتى تركيب كاميرات للرؤية الليلية على الجدران المحيطة بغزة، إلا أنه لم يتمكن من منع استمرار الهجمات على الأراضي المحتلة.

لقد قامت حماس بحفر شبكة من الأنفاق تحت غزة، والتي تحتوي بطريقة ما على ترسانة أسلحة لهذه المجموعة، مخفية عن أنظار الكيان الإسرائيلي، ووفقاً لمسؤولين أمنيين في تل أبيب، فإن قدرة حماس على الوصول إلى أغلب المستوطنات المحيطة بغزة بغارات جوية تهدف إلى إخفاء تنفيذها، وهو التكتيك الذي أربك الجيش الإسرائيلي وسلطات الكيان.

ورغم أن العناصر العسكرية في حماس تقوم بسحب الصواريخ من الأرض وإطلاقها باتجاه الأراضي المحتلة، إلا أن الصهاينة لا يستطيعون تحديد الموقع الدقيق لهذه الصواريخ، وقد أظهر اعتراف السلطات الصهيونية مؤخراً بعدم وجود قاعدة بيانات لمراكز حماس العسكرية ومواقع الأسرى الصهاينة، أن حماس نجحت في تضليل سلطات الكيان.

وحسب صحيفة “الشرق” الإماراتية، فإن حماس لا تمتلك المدرعات التي يمتلكها الكيان الإسرائيلي، وستكون هدفاً واضحاً للغاية للهجمات الإسرائيلية، لكن الحركة تعتمد بشكل كبير على مركبات الدفع الرباعي متعددة الأغراض لنقل معداتها وقواتها، وقد تم عرض هذه المركبات بشكل متزايد في العمليات الأخيرة، وهو مثال على قدرتها على إحداث تأثير مدمر ضد مواقع الكيان.

وحسب سكاي نيوز عربية، فإن “المعركة الحالية والإصابة الدقيقة لصواريخ حماس على بعض الأهداف الحساسة في “إسرائيل”، تظهر أن هذه الصواريخ موجهة بأجهزة دقيقة”.

وقبل أيام، ومن أجل تخويف العدو، نشرت حماس مقاطع فيديو للترسانة الصاروخية في غزة، والتي أظهرت في جزء من الفيديو أن الصواريخ تطلق من تحت الأرض وعبر حاويات صغيرة. وهذا من هواجس قادة تل أبيب تجاه فصائل المقاومة، حتى أنه في حرب الـ 33 يوماً، استفاد حزب الله اللبناني من هذه التكتيكات لضرب الكيان الصهيوني.

كذلك تم تركيب آلاف الصواريخ على جدران أنفاق غزة، وهي جاهزة للإطلاق على الكيان من أي منطقة، ويمكن إطلاقها باتجاه الأراضي المحتلة عن طريق التحرك بضعة أمتار.

عدم كفاءة أنظمة تل أبيب باهظة الثمن

على الرغم من إنفاق الكثير من الأموال على أنظمة الدفاع الجوي، إلا أن الكيان الصهيوني لم يكن فعالاً حتى الآن في اعتراض صواريخ المقاومة، ومع تطور قوة صواريخ حماس، سيثبت للجميع ضعف منظومات القبة الحديدية ومقلاع داوود.

لقد استهدفت كتائب القسام، الجمعة الماضي، للمرة الأولى شمال فلسطين المحتلة بصاروخ عياش 250، ورغم نشر صور للموقع المستهدف يظهر فيها دخان كثيف، إلا أن مصادر إسرائيلية زعمت أنه تم اعتراض الصاروخ من قبل نظام مقلاع داوود الدفاعي.

مقلاع داوود هو نظام جديد للتعامل مع التهديدات مثل الصواريخ الثقيلة والصواريخ الباليستية في الطبقة الواقعة بين القبة الحديدية والسهم، وتبلغ تكلفة اعتراض كل منها حوالي مليون دولار.

وأظهرت القبة الحديدية أيضًا، والتي بنيت وسط ضجة كبيرة، أنها هشة للغاية في الحرب الأخيرة، وفي الساعات الأولى من عملية طوفان الأقصى، لم ترد على 5000 صاروخ من حماس.

ومن أسباب ارتفاع الخسائر الصهيونية، والتي خلفت 1500 قتيل وأكثر من 3400 جريح، عدم كفاءة هذا النظام الصاروخي.

وحسب وکالة سبوتنيك، لو اعتقد الكيان الإسرائيلي أنه سيتم إطلاق حوالي 5000 صاروخ عليه مرة واحدة، لكان قد جمع عددًا أكبر بكثير من قاذفات القبة الحديدية، إضافة إلى مخزونه من الصواريخ المضادة للطائرات للتحميل السريع لهذه القاذفات.

يدعي الكيان الصهيوني أن القبة الحديدية هي نظام متعدد القنوات قادر على تعقب نحو 200 هدف وإسقاط أكثر من مئة هدف، لكن الصراعات الحالية أظهرت أنه عندما يتم إطلاق صواريخ غير موجهة من نوع القسام، فإن ذلك يؤدي إلى عدم قدرة القبة الحديدية على تتبع واعتراض جميع الأهداف.

وحسب السلطات الصهيونية، فإن كل صاروخ من حماس يكلف نحو 100 دولار، لكن القبة الحديدية تكلف الصهاينة 100 ألف دولار عن كل اعتراض صاروخي للمقاومة، ولذلك، كلما زاد إطلاق صواريخ المقاومة على الأراضي المحتلة، إضافة إلى خلق حالة من انعدام الأمن، فإن ذلك يكلف المحتلين مالياً أيضاً.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة الصحفية تقلت حرفيا من المصدر