أسرار حرب أكتوبر
السياسية:
في ذكرى مرور 50 عاماً على حرب أكتوبر 1973.. التقت الميادين نت، ضباطاً من سوريا ومصر شاركوا في المعركة، قصص وتفاصيل رواها الضباط عن تجهيزات الحرب ومفاجآتها، وعمليات التمويه التي سبقتها، والسرّية العسكرية، وأبرز أسباب نجاحها.
بعيون تشعّ بريقاً وفخراً بنصر أكتوبر 1973ـ، يقول الباحث الاستراتيجي العميد السوري المتقاعد تركي الحسن للميادين نت: “لقد كان لي شرف المشاركة في هذه الحرب، ولشرف لي أن أكون من جيل حرّر الإرادة العربية والأرض”.
ويضيف العميد السوري المتقاعد، أن حرب أكتوبر 1973 جاءت فيما كان اليأس يهيمن على العرب، في ظل نكسة حزيران 1967، لافتاً إلى أنّه خلال فترة الإعداد لها، كان لدى سوريا صبر استراتيجي في عملية بناء القوات وإعادة هيكلتها وتزويدها بالأسلحة الجديدة، وانتقالها من نظام الألوية العسكرية إلى الفرق ( وحدة عسكرية تضم عدّة ألوية).
ويشير إلى أنّ سوريا استطاعت من خلال ساحات التدريب ومحاكاة الحرب المقبلة أن تقوم بعمل دؤوب يصل الليل بالنهار. ويتابع أن سياسة الصبر الاستراتيجي التي اتبعتها سوريا في مرحلة الإعداد لحرب أكتوبر، شبيهة بما تفعله اليوم، فعلى الرغم من الاعتداءات الصهيونية المتكررة تحتفظ سوريا بحق الرد، في محاولة منها لمنع كشف مواقع منصاتها الصاروخية ومدى جاهزيتها قبيل أي حرب مقبلة.
ويشير إلى أنّ هذه الاستراتيجية استخدمتها سوريا قبيل حرب أكتوبر، فقبل شهر من المعركة، جرت معركة جوية خاضتها سوريا فوق طرطوس وحمص وسقط خلالها 13 طائرة سورية، ورغم ذلك لم تستخدم دمشق الصواريخ حرصاً على المفاجأة في حرب أكتوبر.
مفاجآت الحرب
ويتابع العميد السوري المتقاعد والذي كان من المشاركين في المعركة، أن هذه الحرب سجّلت العديد من البطولات التي لا يمكن حصرها، مشيراً إلى أنّ المفاجأتين الأساسيتين كانتا في:
-استخدام سوريا صواريخ الدفاع الجوي وجاهزية القوات في امتلاك التقنية واستخدام الصواريخ التي حيّدت الطيران الصهيوني.
– تحرير مرصد جبل الشيخ بعملية مركّبة عبر تنفيذ إنزال رأسي على الموقع، بالتزامن مع اقتحام قوات المشاة للمنطقة. وخلال ساعات قليلة تمّ تحرير أهم موقع حصين للعدو الصهيوني.
عمليات تمويه وسرية عسكرية
اللواء المتقاعد محمد عباس والخبير في الشأن العسكري وفي حديثه للميادين نت، روى حادثة جرت في دلالة لتحضيرات الحرب، يقول إنّ رئيس أركان القوات المصرية سعد الشاذلي حضر إلى سوريا وزار كتيبة 82 مظلّات، مشيراً إلى أنّه وفي نهاية الاجتماع قال الفريق الشاذلي للجنود “ستكون القوات الخاصة السورية والمصرية رأس الحربة في الحرب القادمة مع العدو الصهيوني.
وتابع أنّه في حينها لم يفهم العسكريون أبعاد كلامه، ولكن فيما بعد تبيّن لهم أنّ كتيبتهم ستكون مهمتها تحرير مرصد جبل الشيخ وهذا ما تحقّق فعلاً خلال الحرب.
ويقول اللواء محمد عباس إنّ تحضيرات الجيش السوري للحرب بدأت منذ “نكسة حزيران” 1967، وتبلور ذلك بعد عام 1970 بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما أعاد تشكيل الجيش على أساس فرقي وجهّزه وزوّده بوسائط وأنظمة وأسلحة حديثة ومتطورة، وأعاد تحديث الترسانة العسكرية، وجرى تنفيذ إعداد بدني ونفسي وعقائدي كبير للجنود، مع استعدادهم للثأر من “نكسة حزيران” .
عباس الذي شارك في الحرب على الاتجاه الساحلي السوري، يؤكد أنّه جرى العمل على بناء جيش مثقف يحمل جنوده شهادات عالية. مشيراً إلى أنّ مستوى التدريب كان عالياً جداً وفي شروط مشابهة تماماً لظروف خوض الحرب.
وعن أهم أسباب النجاح يقول اللواء السوري المتقاعد كانت الواقعية والعلمية في التخطيط والتحضير والإعداد، والجدية في التدريب والارتقاء بمستويات المسؤولية والمبادرة الذاتية لخدمة هدف الحرب، إضافة إلى الدعم العربي والدول الصديقة للعرب.
وتابع أنّ الشعب بأكمله التفّ حول القيادة السياسية والعسكرية، وأشار إلى أنّه كان هناك تمويه للعمليات وسرية عسكرية رغم أن الصهيوني اكتشف تحضيرات سوريا للحرب من خلال وجوده في مراصد جبل الشيخ وتل الفرس وتل أبو الندى، لكنه كان يعتقد بأن سوريا تنفّذ عملاً دفاعياً لا يرقى لمستوى الهجوم، قائلاً: “كان الصهيوني مقتنعاً تماماً باستحالة أن تخوض سوريا ومصر الحرب في آن معاً”.
ويقول إنّ حرب تشرين نجحت في إحداث تغيير جيوستراتيجي على مستوى العالم والمنطقة، وفي سوريا بشكل خاص، وقد تحقّق ذلك بفعل التضامن العربي الفعّال والناجح. ويضيف أنّنا اليوم بحاجة إلى وحدة الساحات العربية على المستويات والمجالات كافة، إذ أنّ الرهان يدور اليوم على استمرار تمزيق الأمة وتفكيكها.
وعن مرحلة ما بعد حرب تشرين، يقول عباس إنّ الرهان كان على سقوط العرب جميعاً، فكانت اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو… لكن سوريا استمرت في موقفها المتمسك بحقوقها، فكانت الحرب التدميرية عليها عام 2011، مشدداً على أنّه رغم ما عاشته سوريا والضغوط التي مورست ضدها إلا أنّها انتصرت وحفظت انتصار تشرين 73 الذي تحاول كيان “إسرائيل” اليوم إلغاء نتائجه ومحوَهُ من الذاكرة العربية عبر “تدجينها وترويضها”.
“الاجتماع الأخطر” في تاريخ مصر
الميادين نت أجرت لقاء أيضاً مع اللواء المصري المتقاعد صفوت الزيات، والذي كشف أنه في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1972، أي قبل الحرب بعام، عقد اجتماع، واصفاً إياه بالأخطر في تاريخ العسكرية المصرية، عندما أبلغ الرئيس الراحل السادات القيادات العسكرية العليا في الجيش المصري باتخاذه قرار الحرب، وفقاً للإمكانيات العسكرية المتاحة.
وأضاف أنّه رغم تحفّظ القيادات العسكرية على القرار باعتبار عدم اكتمال الجاهزية القتالية للقوات المسلحة، والحاجة إلى أنظمة تسليح قادرة على استهداف العمق الصهيوني والتي لم تتوفّر آنذاك. لكن السادات دخل قاعة الاجتماعات وهو يحمل هواجس عديدة كان يرى فيها أن الحرب أصبحت ضرورة.
وأكد أن مصر والعرب بلغوا درجة رشاد عالية في إدارة وصياغة الحرب، مع الإدراك في أنها استمرر للسياسة ولكن بأدوات أخرى.
* المصدر: موقع الميادين نت
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر