علي ظافر

على خطين متوازيين تمضي صنعاء نحو السلام المنشود والعادل، ففي أعقاب جولة مفاوضات الرياض، شهدت العاصمة صنعاء الخميس عرضاً عسكرياً هو الأضخم في تاريخ اليمن في العيد الوطني التاسع لثورة الواحد والعشرين من أيلول/سبتمبر، وهذان المساران يخدم كل منهما الآخر، وبما يوحي بأن صنعاء جاهزة للسلام، وعلى أعلى درجات الجهوزية لأي سيناريوهات قادمة.

الجهوزية التي نتحدث عنها لم تعد مجرد ادعاء، فأنظار العالم تسمّرت الخميس الماضي أمام الشاشات، لمراقبة العرض العسكري الكبير في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، والذي كشفت فيه القوات المسلحة عن باكورة إنجازاتها وإنتاجاتها الصناعية العسكرية، من صواريخ باليستية ومجنّحة أرضية وبحرية وجوية، ومنظومات عسكرية متنوعة، وفعّلت لأول مرة الطائرات الحربية المجنّحة والعمودية التي حلقت أثناء العرض بعد أن أعادتها الخبرات اليمنية إلى الخدمة.

لقد رأى العالم بأمّ العين، تطوراً نوعياً ملحوظاً كبيراً ومرعباً في القوة الاستراتيجية اليمنية، في القوات البحرية والجوية والبرية، وبما يمكّن اليمن لأن يكون لاعباً أساسياً في معادلة أمن البحار وأمن الطاقة، وتلك ثمرة من ثمار ثورة سبتمبر، وخلاصة صمود وصبر استراتيجي، وتجارب وخبرات تراكمت على مدى تسع سنوات، والمعجزة أنها في أحلك الظروف وأصعب المراحل.

ومن الملاحظ أن التطور والتطوير في الإنتاج وخطوط الإنتاج العسكري يتحققان بطريقة تصاعدية سريعة جداً، تنم عن إصرار، وعن عقل يمني مبدع، فبمقارنة بسيطة بين العرض الذي تم العام الماضي خلال العيد الثامن لثورة 21 أيلول/سبتمبر، والعيد التاسع للثورة، تتجلى للمراقبين والخبراء العسكريين من الأصدقاء والأعداء، القفزة النوعية التي وصل إليها الجيش اليمني على مستوى التصنيع العسكري، وامتلاك تقنية الصواريخ الباليستية والمجنحة البرية والبحرية والجوية والطيران المسيّر، والقوارب المسيّرة، والألغام البحرية.

إذ اغتنمت صنعاء مرحلة خفض التصعيد، فانكبّت على البناء، والتدريب والإنتاج، وتوّجت ذلك الجهد بإنتاج عشر منظومات عسكرية جديدة ومتنوعة كشفت خلال العرض عن بعضها، مع احتمال كبير بأنها لا تزال تحتفظ بمفاجآت إضافية لم يحن الوقت لكشفها بعد، وهذا مؤشر حسي وملموس يؤكد مدى استفادة صنعاء من الوقت بالحرب وبخفض التصعيد على عكس ما خطط له وأراده أعداء اليمن.

وإلى جانب إبداع العقل اليمني في الإنتاج، يتجلى للمراقبين والخبراء العسكريين مدى دقة التنظيم في أدق تفاصيل العرض، على مستوى التشكيلات العسكرية، وكثرة الأسلحة الاستراتيجية التي صنع معظمها في اليمن، والتناغم بين حركة الميدان ومناورات الطيران المجنح والعمودي في السماء، وما يميز هذا العرض عن غيره أنه تم مباشرة على الهواء، ومع ذلك، كان هامش الخطأ فيه يكاد يكون منعدماً تماماً.

رسائل العرض العسكري في الذكرى التاسعة للثورة

باختصار شديد، لقد شكل عرض العيد التاسع لثورة 21 أيلول/ سبتمبر، كما العرض الذي سبقه العام الماضي موجة ثانية من الصدمات المزعجة للعدو، بأن بلداً خرج من بين ركام وحصار الحرب الكونية بهذه القوة والقدرة، والعدو خبِر بعضاً من بأس هذه القوة، وما كشف عنه أشد بأساً وأشد تنكيلاً بينها طوفان، وألغام بحرية وقوارب مسيّرة لديها القدرة على المناورة والوصول إلى أبعد مما يتصوره العدو. وهنا، يمكن تلخيص أبرز رسائل العرض على النحو الآتي:

– نمتلك من القوة ما يجعلنا قادرين على فرض السلام بالسياسة أو بالقوة.

– أن القدرات الاستراتيجية اليمنية لديها القدرة على المناورة والتخفي، وقابلة للتحريك والإطلاق من أي مكان لإصابة أي هدف في أي مكان كان بحراً أو براً، بمعنى أن القدرات لا يمكن استهدافها وتدميرها من الجهات المعادية، وهذه نقطة قوة.

– العرض يمثل حرباً وحسرة نفسية على أعداء أرادوا محو الثورة واحتواءها كي لا تتحول إلى قوة محلية تلغي نفوذهم ووجودهم، فوجدوا أنفسهم بعد تسع سنوات أمام قوة إقليمية يخشى جانبها ويحسب لها ألف حساب، برغم ما أنفقوا وحاربوا وحاصروا ودمروا.

– أن اليمن اليوم قوي وقادر ومقتدر بعون الله على فرض معادلات على المستويين الإقليمي والدولي من بوابة أمن البحار والطاقة.

– العرض يمثل ورقة قوة للمفاوض اليمني، لأن البعض توهم أن ذهاب الوفد الوطني إلى الرياض، كان من منطلق ضعف، وهذه الرسالة العملية جاءت لتؤكد العكس وترسخ حقيقة أن صنعاء تفاوض من موقع قوة وتحتفظ بأوراق ضاغطة لم تفعّلها بعد، ولديها القدرة والقرار لتفعيلها في أي معركة قادمة.

– العرض العسكري وما كشف فيه من قدرات استراتيجية سينعكس حتماً على الملفات السياسية، وعلى معادلات بناء السلام، وفقاً للقاعدة الأميركية: “إذا أردت السلام، فاحمل السلاح”.

– تنامي القدرة والقوة البحرية التي أزيح عنها الستار خلال العرض تؤكد أن قوات صنعاء قادرة على تغطية البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن والوصول إلى المحيط الهندي وإيلات، وبما يؤكد قدرة اليمن على حماية المياه الإقليمية اليمنية، وكسر الحصار البحري، وفرض معادلات تجبر العالم على الإذعان لشروط اليمن وخياراته.

– إعادة التذكير بثورة الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر ومكتسباتها، وبما تعنيه الثورة من زخم شعبي وصلابة سياسية واقتدار عسكري، بخلاف ما أرادته قوى العدوان الإقليمية والدولية.

– حضور الدولة الوطنية اليمنية بكلّ مقدراتها وعناصر قوتها يؤكّد أنَّ أولويتها مواجهة العدوان والتصدّي له خارج حدود اليمن، وهذا ما ألمح إليه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، إن استمر العدوان.

– العرض مثّل خلاصة جهود 8 سنوات من الصبر الاستراتيجي والمواجهة ومراكمة القدرات النوعية، وصولاً إلى هذا المستوى المتقدم على صعيد البناء العسكري.

في الخلاصة، فإن الأبواب مفتوحة والخيارات مطروحة بقوة في ملعب دول العدوان إن أرادت سلماً بالخيارات الدبلوماسية فأهلاً ومرحباً، وإلا فإن صنعاء إن نفد صبرها قادرة على صنع السلام بمعادلاتها وخياراتها العسكرية المرعبة والمؤلمة والموجعة التي لن تقف تداعياتها حتماً عن حدود اليمن ودول العدوان بل ستطال مصالح من هندس العدوان والحصار على اليمن.

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع