السياسية:
حسين إبراهيم*

يمثّل بدء المفاوضات في الرياض بين السعودية وحركة «أنصار الله» لتوقيع اتفاق حول الملفّين الإنساني والاقتصادي في اليمن، برضى أمريكي معلن، اعترافاً صريحاً من قبل الدولتين بانتصار الحركة في الحرب الدائرة منذ عام 2015، ويمهّد للتعامل معها كحاكم للبلاد في المرحلة المقبلة، بغضّ النظر عن الوقت الذي سيتطلّبه التوصل إلى اتفاق سلام شامل، أو ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق من هذا النوع من الأساس.

ما يجري في السعودية حالياً هو إنهاء تفاصيل الاتفاقات حول الملفّين الإنساني والاقتصادي، باعتبار أن الخلافات الأساسية حولهما جرى حلّها في المفاوضات التي جرت في سلطنة عُمان، بمشاركة أميركية. وعلى رغم أن المسألة حالياً تنحصر في هذين الملفين، وهما مترابطان ترابطاً وثيقاً، إذ إن استئناف دفع مرتّبات موظفي الحكومة، وهو البند الأساسي في الملف الإنساني، يرتبط باستئناف إنتاج النفط وبيعه، إلا أنه لا يمكن حلّهما من دون تحويل الهدنة التي جرى تمديدها بانتظام منذ إعلانها في الثاني من نيسان 2022، إلى وقف دائم للنار، وهذا مطلب سعودي ملحّ. كما أن شمول الملف الإنساني تبادل جميع الأسرى، وفتح الطرق، وفك الحصار عن الموانئ، فضلاً عن زيادة عدد وجهات الرحلات الجوية التي تنطلق من مطار صنعاء وإليه، يمثّل تحضيراً للبحث في سلام شامل، وعلى الأقل يبعد احتمالات عودة الحرب.

كان معلوماً لدى طرفَي المفاوضات السعودي واليمني منذ البداية، أي منذ التوصل إلى الهدنة، أن الولايات المتحدة تعرقل حلّ الملف الإنساني، خلافاً لرغبة الرياض التي تريد الخروج من الحرب بأيّ ثمن. السؤال الآن هو لماذا غيّرت واشنطن موقفها وسمحت بالتوصل إلى حلّ لهذا الملف؟ بيان وزارة الخارجية الأميركية الصادر بعد الإعلان عن زيارة وفد «أنصار الله» إلى الرياض لا يدع أيّ مجال للشك حول هذه الحقيقة، إذ يقول إن «المحادثات في الرياض أعقبت زيارات لمسؤولين أمريكيين بارزين إلى السعودية وعُمان والإمارات الأسبوع الماضي للتشاور مع شركائنا الإقليميين والأطراف اليمنية لإيجاد سبيل قابل للحياة نحو السلام».

التحوّل في الموقف الأمريكي يحصل على خلفية علاقات أمريكية – سعودية غير سويّة. ولم يخلُ مسار الحرب اليمنية من اتهامات سعودية غير مباشرة للولايات المتحدة بغضّ النظر عن قصف حركة «أنصار الله» للأراضي السعودية، في بعض المراحل.

وعلى رغم ذلك، وحتى بعد قصف الإمارات أيضاً، رفضت واشنطن إعادة الحركة إلى لائحتها للحركات «الإرهابية»، ما يعني أن الولايات المتحدة منفتحة على علاقة مع الحركة تسمح لها بالحفاظ على مصالحها في اليمن، وتمثّل توازناً في علاقتها مع الأطراف الإقليمية، ولا سيما السعودية والإمارات، وخصوصاً في زمن التفلّت من الولاء التام للأميركيين.

النفط هو واحد من الملفات الخلافية الرئيسة في العلاقات السعودية – الأميركية، ويمكن لاستئناف إنتاج النفط في اليمن أن يضيف إلى المعروض في الأسواق، مهما كانت الإضافة ضئيلة، وخصوصاً في هذه الفترة التي عاودت فيها أسعار النفط الارتفاع بشكل كبير.

من جهة ثانية، ليس خافياً أن الولايات المتحدة تسعى بشكل حثيث منذ أشهر طويلة إلى إعادة العلاقة مع السعودية إلى ماضيها، عن طريق ترتيبات تشمل، وفق التسريبات الأمريكية، بحث مطالب سعودية بمساعدة المملكة على إقامة برنامج نووي سلمي، وبيعها أسلحة أمريكية متقدمة، مقابل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلا أنه لا يبدو أنها استطاعت إقناع المملكة بجدوى مثل هذا المشروع، أو بصدق النوايا الأمريكية بالالتزام بموجبات أي ترتيبات من هذا النوع يجري التوصل إليها. لكن التحوّل في الموقف الأمريكي من الملف الإنساني في اليمن يمثّل، بلا شك، نبأً ساراً للرياض.

موازين القوى الحالية هي التي تفرض الشروط، ومائلة لمصلحة صنعاء

في كل الأحوال، سيظل الملف السياسي بلا حلّ في المرحلة الراهنة، بما في ذلك وجود القوات الأجنبية على الأراضي والجزر اليمنية، وترتيبات الحكم في يمن المستقبل، بعيداً عمّا يحكى عن دور لما يسمى «المجلس الرئاسي» و«المجلس الانتقالي الجنوبي» والقوى الأخرى في الجنوب المحتل، والذين لا يعوَّل عليهم حتى من قبل الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لهم، فيما تدور خلافات عميقة بينهم وبين رعاتهم يصعب التوصل إلى حلول سريعة لها. الملف السياسي سيحتاج إلى مفاوضات أخرى تتّصل بمن ستكون له الكلمة الأولى في حكم اليمن في المرحلة المقبلة. والكلام عن حوار يمني – يمني لا يُقنع حتى الذين يتحدثون به، فلو كانت الحرب مقتصرة على الأطراف اليمنية التي قاتلت «أنصار الله» لتلقّت هزيمة نهائية منذ وقت طويل.

الحرب خيضت بمشاركة كاملة من الجيشين السعودي والإماراتي المنخرطين فيها حتى الآن، وجيوش أخرى شاركت في مراحلها الأولى. كما كانت واشنطن ولندن وتل أبيب وعواصم غربية أخرى مشاركة بصورة غير ظاهرة عن طريق توفير معلومات استخبارات وتشغيل تقنيات عسكرية متطورة، من مثل الصواريخ الموجهة، لمصلحة السعودية والإمارات، كما بنزول قوات أمريكية وبريطانية على البر اليمني وفي الجزر الواقعة على الممرات المائية الاستراتيجية.

في ضوء هذا الواقع، يبدو الحديث عن حوار يمني – يمني غير ذي صلة. وذلك ما اعترف به الأمريكيون حين بارك بيان الخارجية المفاوضات المباشرة بين السعودية و«أنصار الله»، وأيضاً ما سلّمت به السعودية نفسها سابقاً، عندما انخرطت في مفاوضات مباشرة مع الحركة وأرسلت سفيرها إلى صنعاء، فيما الآن تستقبل وفداً منها في الرياض.

ولذا، حسمت صنعاء المسألة بالقول إن الحوار اليمني – اليمني هو شأن داخلي ليس لأي طرف خارجي التدخل فيه. هل ستقبل واشنطن وحلفاؤها الانسحاب التام لقواتهم من اليمن، كما تريد «أنصار الله»، أم سيجري التوصل إلى ترتيبات حول أمور مثل الملاحة وإنتاج النفط وبيعه، بما يحفظ مصالح تلك الدول، ويتم إطلاق ورشة لإعادة الإعمار تشارك فيها الدول المعنية؟ قد يتم التوصل إلى حلول لمثل هذه المسائل وقد لا يتمّ، وإنما ما لا شك فيه أنه في كلتا الحالتين، ستكون موازين القوى الحالية هي التي تفرض الشروط، ومائلة بوضوح لمصلحة صنعاء.

* المصدر: الاخبار اللبنانية

* المادة نقلت حرفيا من المصدر وبتصرف