“البريكس” ستصبح أكبر قوة للنفط والغاز في العالم
السياسية:
لقد ضم تجمع البريكس قبل قمة جنوب أفريقيا في أغسطس/آب 2023، دولة نفطية واحدة، وهي روسيا، وإن كانت باقي دول التكتل لديها إنتاجها من النفط، إلا أنها مستورد صافٍ لها، وخاصة الصين والهند لاعتبارات معدلات النمو المرتفعة التي تحققانها، ولكن بعد أن أسفرت قمة جنوب أفريقيا عن دعوة أعضاء جدد للانضمام إليها، ومن بينهم دول نفطية؛ مثل: إيران والسعودية والإمارات، فإن ذلك يعني أن التكتل سوف يمتلك حصة كبيرة من إنتاج النفط في العالم.
وحسب أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، فإن الدول النفطية التي حظيت بالانضمام للبريكس (السعودية والإمارات وإيران) لديها 14.4 مليون برميل حصة إنتاج يومي، وإذا ما أضيفت لها حصة روسيا بـ 10.6 ملايين برميل يوميًا، فسنكون أمام حصة قدرها 25 مليون برميل يوميًا.
وهو ما يعني أن تلك الحصة تقترب لما تمتلكه منظمة أوبك، ويعطي هذا نقطة قوة لتكتل بريكس، للمضي قدمًا في تفعيل مقترح تسعير أو تقييم النفط بغير الدولار، ليكون ذلك عاملًا مهمًا مساعدًا في تفعيل إستراتيجية التكتل، لزيادة حصة التسويات التجارية لدوله لتصل إلى نسبة 30% من حجم تعاملاته التجارية، ويكون بالفعل منعطفًا حقيقيًا على طريق إيجاد نظام مالي عالمي جديد وفي إطار قراءات متعددة حول الأوراق التي يمكن أن يمتلكها تكتل “بريكس” في مسيرة عزمه العمل على ميلاد نظام اقتصادي عالمي جديد، طُرحت فكرة إمكانية تقييم النفط بعملات غير الدولار، وعادة لا تأتي الأفكار مجردة، ولكنها في الغالب تعتمد على شواهد من الواقع.
ففي أعقاب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وتوالي العقوبات الاقتصادية من أمريكا والغرب، أعلنت روسيا أنها ستبيع نفطها بالروبل، وفق شروط معينة، وبالفعل تمت صفقة لبيع النفط من روسيا إلى الهند على أن يكون الدفع بالروبل الروسي، وذلك في مارس/آذار 2023، وشهد الشهر نفسه الإعلان عن عزم السعودية دراسة تصدير جزء من نفطها للصين باليوان، وهو ما يجعلنا نستعد لأن يكون عصر “البترودولار” في طريقه للتراجع، ومن المبكر أن نقول إنه، “في طريقه للزوال”.
مجموعة بريكس تتفوق عالمياً
في الوقت الذي يسعى فيه الغرب للسيطرة عالميا، ظهرت مجموعة “بريكس” لتعطي أملا لدول العالم في أن عالم القطب الواحد لن يستمر إلى الأبد، وأن هناك من يفكر في تغيير كبير، ليس اقتصاديا فقط، لكن سياسيا أيضاً.
الأرقام التي تعلن أخيراً عن مجموعة “بريكس” اقتصاديا، وإعلان دول عديدة رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، تؤكد أن هذه المجموعة التي بدأت من 4 دول فقط، وانطلقت من روسيا، ستعمل على تغيير كبير في موازين القوة الاقتصادية والسياسية عالميا.
تم الإعلان أخيرا عن تفوق مجموعة “بريكس” لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدما في العالم، وذلك بعد أن وصل إنتاج “بريكس” إلى 31.5% مقابل 30.7% للقوى السبع الصناعية.
تفوقت دول مجموعة بريكس لأول مرة على القوى الصناعية السبع الكبرى الغربية في العالم(بريطانيا العظمى وألمانيا وإيطاليا وكندا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة)، حيث توفر بريكس 31.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل 30.7 بالمئة لهذه القوى.
وحسب ما ذكرت صحيفة (لو جورنال دو ديمانش) الفرنسية فإن “هذا التفوق إلى جانب التفوق الديموغرافي لمجموعة بريكس دحض الأساطير حول الدول النامية، وأثبت ظهور قوة متقدمة على الولايات المتحدة”، وأشارت الصحيفة إلى أن الاتجاه التصاعدي لمجموعة بريكس التي تضم “روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا” سيستمر وخاصة في ظل نمو أسواق الهند والصين.
بدورها لفتت شركة الاستشارات البريطانية “أكورن ماكرو كونسولتين” إلى أن مجموعة بريكس تتمتع في الوقت الراهن بوزن اقتصادي أكبر من الدول السبع الصناعية الكبرى من الناحية الصناعية في العالم، مشيرة إلى أنها تتقدم ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن من الناحية الديموغرافية حيث يعيش 800 مليون شخص في دول مجموعة السبع مقابل 3.2 مليارات في دول بريكس.
كذلك أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الصين ستقدم في السنوات الخمس المقبلة أكبر مساهمة في النمو الاقتصادي العالمي وستكون حصتها ضعف حصة الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تبلغ حصة الصين في نمو الاقتصاد العالمي 22.6% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي حتى العام 2028، وفقا لحسابات وكالة “بلومبرغ” تليها الهند بنسبة 12.9%، بينما ستقدم الولايات المتحدة 11.3%. ولهذه المسألة مغز اقتصادي مهم، فعملية التحديث الاقتصادية الصناعية الرأسمالية بدأت في أول الأمر في الغرب الأوربي وأمريكا وكندا وظل التطور الصناعي لقرون حكراً على هذه الدول، وبالتالي فقد ظلت التخلف سمة لكل دول العالم التي ظلت في موقع المُهيمن عليها بشكلي الاستعمار العسكري والاقتصادي معاً.
هذا المتغير لا يعني فقط أن الدول التي كانت متخلفة ومُستعمرة وشبه مستعمرة باتت تمتلك القدرة على التحدث الصناعي ومغادرة موروث الإقطاع وأشكال الاقتصاد القديمة، بل يعني أن هذه الدول باتت الأسرع في النمو وقادرة على منافسة المركز الغربي، وهو ما يعني بلغة السياسة أن التعددية القطبية من الناحية الاقتصادية باتت واقعاً.
مجموعة بريكس تشن حرباً على الدولار
منذ سنوات بدأت بوادر تهديد عرش الدولار، وإمكانات تحقق ذلك اليوم أكبر مما كانت عليه في الأمس، فالأصوات المنادية باعتماد العملات التجارية بدلاً من الدولار، الأصوات التي صدرت من تركيا وإيران وروسيا والصين وفنزويلاً، سيكون لها تأثيرات مستقبلية، على هيمنة العملة الأمريكية على التجارة الدولية، وخاصة إذا ما انضمت مزيد من الدول إلى هذا التوجه الجديد في الاقتصاد العالمي، وفي سبتمبر من العام 2018م أكدت الصين وروسيا، سعيهما لزيادة التبادل التجاري بينهما بالعملات المحلية، والابتعاد عن التعامل بالدولار، وفي العام ذاته اتفقت الحكومة الإيرانية مع نظيرتها الصينية على استخدام العملات المحلية للبلدين، بدلاً من الدولار في التبادلات التجارية الثنائية، حسب ما أعلن وزير الاقتصاد الإيراني مسعود كرباسيان، عقب عودته من بكين برفقة الرئيس حسن روحاني، وجرى الاتفاق على هامش قمة شنغهاي، وفي مارس 2021م وقعت كل من إيران والصين اتفاقية تعاون استراتيجية لمدة 25 عاماً.
وفي مطلع العام 2022م من شهر مارس، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الرياض تجري مشاورات مع بكين لتسعير بعض من صادراتها النفطية باليوان، ومن شأن ذلك أن يهدد نظام البترو دولار، وذات التوجه اتخذته فنزويلا ببيع نفطها بعملة غير الدولار وهو توجه، صرح به الرئيس الفينزويلي في العام 2017م وقال مادورو في حديث تلفزيوني “لقد قررت البدء ببيع النفط والغاز والذهب والمنتجات الأخرى التي تصدرها فنزويلا بعملات جديدة من بينها اليوان الصيني والين الياباني والروبل الروسي والروبية الهندية وغيرها.. وأضاف “إقامة نظام اقتصادي متحرر من الإمبريالية الأمريكية أمر ممكن التحقق”.
ولعل أكثر التوجهات خطورة على مستقبل هيمنة الدولار، هو ما صرح به الرئيس الروسي/ فلاديمير بوتين أن العمل جار على إنشاء عملة احتياط دولية على أساس سلة عملات “بريكس”، وهو توجه يختلط فيه الاقتصادي مع الصراع السياسي والعسكري الراهن بين الغرب وروسيا في أوكرانيا، مختلف هذه المؤشرات تذهب بالتحليل إلى أن سيادة الدولار، لم تعد ممكنة.
الولايات المتحدة والغرب لديهم مخاوف من ظهور تكتل جديد يستحوذ على الوضع الاقتصادي وتكون له اليد العليا في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يهدد امبراطورية الدولار، وتخوض مجموعة بريكس بزعامة روسيا حرباً لكسر هيمنة الدولار على التسويات المالية الدولية وسيطرة أمريكا والغرب على النظام المالي العالمي، وقد لمسنا خطوات موسكو لجعل تجارتها للنفط بالروبل، وكذلك تسوية تجارتها مع بعض الدول بالعملات المحلية.
ودعا الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا، في زيارته الأولى للصين، البلدان في جميع أنحاء العالم للتخلي عن الدولار الأمريكي لمصلحة التداول بعملة مشتركة أو عملات وطنية موجودة، وهو ما فعلته البرازيل في تجارتها الخاصة مع الصين قبل أسابيع فقط.
ونشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية تقريرا يقول إن الرئيس البرازيلي تساءل عن السبب في كون دول العالم مجبورة على دعم تجارتها بالدولار، ولا يمكنها أن تقوم بتجارتها من خلال عملاتها الخاصة.
ويستهلك الارتباط بالدولار الأمريكي أموال الدول، فرسوم التحويل لها تأثير سلبي، وخاصة عندما تتم التجارة بأحجام كبيرة، كما هو الحال بين أعضاء البريكس، ولهذا فإنه إذا كانت هناك طرق لخفض تكاليف المعاملات، لتقليل مخاطر العملة أو سعر الصرف، فستكون الدول على استعداد للقيام بذلك.
إن استخدام العملات الوطنية قد ينظر إليه من قبل بعض البلدان كوسيلة لخفض تكاليف المعاملات المرتبطة بالتحويلات إلى الدولار، فضلا عن تقليل العملة حالات عدم التطابق التي غالبا ما تصاحب المستويات المرتفعة للدولار.
* المصدر: موقع الوقت الاخباري
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر