السياسية:
يونس عودة*

في ذروة الصراع الذي يجتاح القارة الافريقية في سبيل التحرر من الاستعمار بشكليه القديم والجديد، وفي ضوء انضمام دول وازنة إلى مجموعة “بريكس”، وافقت مجموعة دول “العشرين” التي انعقدت في نيودلهي والتي تستحوذ على 85% من الناتج الإجمالي العالمي و75% من التجارة العالمية، ويشكل سكانها ثلثي سكان العالم، على منح العضوية الدائمة للاتحاد الأفريقي على أساس أن هذه الخطوة ستنقل الاتحاد الأفريقي  ــ الذي يضم 55 دولة ــ من منظمة دولية مدعوة للانضمام إلى عضو دائم في المجموعة، كما الاتحاد الأوروبي.

هذه العضوية التي على ما يبدو لم ترق كثيرا للولايات المتحدة، ربما لأنها لم تأت عبرها، وإنما بطلب من الهند، لا شك انها  تشكل بصمة مهمة في تكوين المجموعات الدولية، مع دخول العالم مرحلة انتقالية، تضع حدودا للهيمنة الغربية في العالم الجديد المرتقب والذي بدأت مكوناته الأساسية تخطو بثبات نحو مستقبل واعد، وربما أيضا هذا ما يفسر مغادرة  الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل الموعد المحدد لمشاركته في القمة بالعاصمة الهندية، ما يعني غياب رئيس الولايات المتحدة عن الجلسة الثالثة لقمة مجموعة العشرين بعنوان “مستقبل واحد”( One future) في العاصمة الهندية.

لقد اجمع المراقبون بمن فيهم الغربيون على ان البيان الختامي للمجموعة شكل ضربة قاسية للغرب، على المستويين السياسي والاقتصادي، إضافة إلى الفشل الذهني للرئيس الأميركي، وفي هذا السياق اعتبر  الميلياردر الأميركي “ايلون ماسك” صاحب الشركة العملاقة “تيسلا” أن “الرئيس الحقيقي” للولايات المتحدة ليس جو بايدن، وإنما الشخص الذي يتحكم في شاشة التلقين التي يستخدمها، تعليقا على تصريح ساخر أطلقه ممثل الحزب الجمهوري الأمريكي بوب ماكوب قال فيه إنه أيا كان من الذي يدير بايدن فهو “غير كفء على الإطلاق” ويجب “عزله”.

ليس خافيا ان البيان لم يعكس الرؤية الأميركية، وهذا في غياب رئيسي العملاقين الدوليين روسيا والصين اللذين سادت الى حد بعيد رؤيتهما من خلال عدم التعليق على الوصف القائل ان البيان كان توافقيا، إو انه  على عكس ما كان يأمل الرئيس الأميركي جو بايدن، ويرى مراقبون غربيون ان فشل الإدارة الأميركية بدأ مع رفض الدول المشاركة على منح فرصة للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بمخاطبة القمة عبر تقنية الفيديو، ثم جاءت صيغة البيان النهائية في عدم اتهام روسيا بانها “تشن عدوانا” على أوكرانيا كما تريد واشنطن هكذا توصيف، بل اكتفى بدعوة “جميع أعضاء تجمع العشرين (ومنهم روسيا) إلى وجوب الامتناع عن التهديد واستخدام القوة بهدف الاستيلاء على أراضي الغير”، كما شدّد على رفض “التهديد باللجوء إلى السلاح النووي”.

واضح ان عدم استجابة الدول الأعضاء لرغبة واشنطن في هاتين النقطتين جرى ربطه “بتبدل الأحوال”، إذ “استجدت أمور كثيرة”، وفق تفسير وزير خارجية الدولة المضيفة سوبرامنيام جايشانكار الذي لم يخف حدوث تطورات وعثرات وتراجعات خارجية وأميركية داخلية، انعكست سلباً على رئاسة بايدن، وهو ما أدى إلى تقلص تأثير اميركا في حصاد القمة، من بين هذه العوامل هبوط في وضع بايدن الذي ذهب إلى قمة الهند وسط تصدعات في رئاسته، كما في المشهد السياسي الأميركي عموماً.

بلا ادنى شك ان هناك تمرد أكباش على الراعي الأميركي رغم السوط الذي يلوح فيه دوما، لا بل أن البعض اختار المرعى الوسطي، وهذا بحد ذاته شكل نجاحا للدول التي تواجه الولايات المتحدة بحنكة وصلابة بلا مساومة ما أدى إلى انقسام واضح بين الدول المجتمعة، ما حدا بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف قمة نيودلهي، بأنها كانت ناجحة، أن “مجموعة العشرين تشهد نوعا من الإصلاح الداخلي، يتجلى بالدرجة الأولى في الزيادة الملموسة في نشاط أعضاء مجموعة العشرين من الجنوب العالمي الذين عملوا بوضوح وإصرار، مع الدور القيادي للهند، على أخذ مصالحهم بعين الاعتبار في الاتفاقيات التي بحثتها مجموعة العشرين، ونجحت في تضمينها بإعلان القمة”. ستعطي قمة مجموعة العشرين زخما جديا لإصلاح صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمي ولن يتمكن الغرب من مواصلة خط الهيمنة وبقاء قوة مهيمنة مع ظهور مراكز جديدة للتنمية العالمية.

من المهم بمكان ان الجنوب العالمي الذي طالما تعرض للاضطهاد والتفقير والاستغلال بدأ بغالبيته يعي الأسباب الحائلة دون النمو الطبيعي، والانعتاق السياسي فالاقتصادي، ولذلك فان الموقف الموحد الذي اتخذه في الدفاع عن مصالحه المشروعة، أسهم إلى حد بعيد في إفشال محاولة الغرب لوضع أوكرانيا على عرش جدول اعمال القمة وبالتالي تحويل جدول الأعمال بأكمله على حساب مناقشة المشاكل الملحة للبلدان النامية.

لم يعد في الحقيقة امام الولايات المتحدة الا الاعتراف بديناميات متسارعة تجري في العالم، وهو ما لحظه مشاركون في صناعة الراي العام الغربي بحيث ان احدهم في قراءته لنتائج قمة العشرين يرى أن اعتماد الإعلان الختامي في قمة مجموعة الـ 20 في نيودلهي يرمز إلى استسلام الغرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويضيف تشارلز ديفيس من صحيفة “بيزنس إنسايدر”: “يوافق أعضاء مجموعة الـ 20 على وصف الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه “حرب في أوكرانيا” بدلا من “حرب ضد أوكرانيا” كدليل على الاستسلام لبوتين، الذي حتى لم يحضر القمة”.

ان استنتاج ديفيس الذي يقول أن الغرب اعترف بالفعل بالموقف الروسي، أي أن نظام كييف “غير شرعي” بسبب الانقلاب في عام 2014، وأوكرانيا نفسها هي “بناء مصطنع” ليس بعيدا عن استنتاج الصحافة البريطانية التي عبرت عنها “الفايننشال تايمز”: “البيان، الذي تم التوصل إليه على مدى أسابيع من المفاوضات بين الدبلوماسيين، كان بمثابة ضربة للدول الغربية، التي أمضت العام الماضي في محاولة إقناع الدول النامية بإدانة موسكو ودعم أوكرانيا”، وتختم الصحيفة “إن صيغة مجموعة العشرين بشأن أوكرانيا تدل على الافتقار إلى الإجماع العالمي لدعم كييف”.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع