السياسية:

إن التحركات المشبوهة للولايات المتحدة والمجموعات المتحالفة معها في الجزء الشرقي من سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي صاحبتها تحركات واسعة النطاق للقوات وإرسال معدات عسكرية جديدة، تشير إلى أن التطورات التي تجري خلف الكواليس مقلقة للغاية للولايات المتحدة، وكشف بداية الصراع بين العشائر العربية والميليشيات المعروفة باسم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) خلال الأيام الماضية سر الأمريكان.

وشهدت ريف دير الزور الشرقي خلال الأيام الماضية اشتباكات دامية بين مجموعات كردية وعشائر عربية بعد اعتقال أحمد الخبيل الملقب بـ “أبو خولة” قائد “مجلس دير الزور العسكري” المسلح التابع لقوات سوريا الديمقراطية.

وطالبت العشائر العربية في دير الزور الأكراد بالإفراج عن أبو خولة في أسرع وقت، لكن قوات سوريا الديمقراطية قالت في بيانها الأول، إنه تم اعتقاله وإقالته من منصبه بتهمة التورط في العديد من الجرائم، بما في ذلك تهريب المخدرات والفشل في مواجهة تهديد “داعش”، ولم ترض هذه التصريحات القبائل العربية، ولجأت إلى القوة لإنقاذ زعيمهم، ومنذ الاثنين الماضي اشتدت الاشتباكات بين الجانبين.

وقالت مصادر محلية في ريف دير الزور لشبكة الميادين، إن قرى “الباغوز” و”البصير” و”الشحيل” أصبحت تحت سيطرت القبائل العربية، وحسب تلك المصادر، فقد سيطرت القبائل العربية أيضاً على الطريق المؤدي إلى حقل “العمر” النفطي، حيث توجد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية.

يُذكر أيضاً أن قوات القبائل العربية سيطرت على الخط النهري المواجه للجيش السوري في ريف دير الزور الشرقي، وحسب هذا التقرير فإن منطقة سيطرة القبائل العربية تمتد من شمال دير الزور حتى الحدود العراقية وأمام منطقة البوكمال شرقاً.

وإلى جانب الانسحاب الكامل لقوات سوريا الديمقراطية من الباغوز، سيطرت القبائل على مقر الشرطة العسكرية في غرانيج وحاجز المقسيم في الطيانة ومركز أمني في ذيبان، وأعطتهم قوات القبائل العربية مهلة لـ”قسد” لمغادرة المدينة وفي الوقت نفسه صدت هجوماً واسعاً لقوات “قسد” باتجاه مدينة البصيرة.

وحسب ما تم نشره على شبكات التواصل الاجتماعي، فقد تم إحراق العشرات من المركبات المدرعة أمريكية الصنع في هذه الصراعات، ما يدل على غضب الشعب من وجود المحتلين.

وقال السكان إن قوات سوريا الديمقراطية أرسلت تعزيزات جديدة إلى مناطق النزاع لمنع العرب من التقدم وقصفت عدة بلدات وقرى حيث أحرقت العشائر العربية الإطارات ونصبت كمائن للسيارات وقصفت مواقع القوات الكردية.

وحسب رويترز، فرضت قوات سوريا الديمقراطية حظر التجوال لمدة 48 ساعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها بمحافظة دير الزور، اعتباراً من ليل الجمعة، ويقال إن ما لا يقل عن 54 شخصاً قتلوا في القتال هذا الأسبوع بين الوحدات الخاضعة لسيطرتهم والمقاتلين التابعين للقبائل العربية.

وتعتبر القبائل العربية سياسة قوات سوريا الديمقراطية بإعلان “مجلس دير الزور العسكري” منظمة إرهابية، أنه يهدف إلى التضييق على عرب المنطقة، ووفقا لهم، فإن القادة الأكراد الذين يريدون احتكار “قسد” اتخذوا هذا الإجراء لمنع أي عمل من جانب العشائر العربية لترك الهيمنة السياسية للأكراد.

وتشير هذه التطورات إلى الوضع الأمني ​​غير المستقر والفوضى العسكرية في شرق سوريا، كما تظهر في الوقت نفسه تخوف القيادات الكردية من ظهور حركة عرقية عربية داعمة لأبي خولة.

وفي هذا الصدد أعلن مجلس القبائل العربية السوريين في بيان له ليل الجمعة أن الاشتباكات المستمرة منذ عدة أيام في دير الزور هي انتفاضة وعبر عن معارضته الواضحة للخطة الأمريكية لنهب موارد سوريا في السنين الأخيرة.

ونوه البيان إلى أن هذه الاشتباكات ليست بسبب اعتقال قادة ما يسمى المجلس العسكري الذي ينفذ سياسات الولايات المتحدة العدائية تجاه سكان المنطقة، ولكنها صرخة واضحة ضد المعادين والمثيرين للفتنة وخطة الولايات المتحدة الأمريكية لنهب موارد المنطقة والتي تنفذها ضد شعوب هذه المنطقة.

ولطالما رفضت وحدات الدفاع عن الشعب الكردي، التي يسلحها البنتاغون، التمييز ضد العرب وتقول إنها تسعى إلى رفع الظلم عن الأكراد والعشائر العربية، لكن الظروف المعيشية للسكان العرب في هذه المنطقة كارثية وهم لا يفعلون أي شيء، وقررت القبائل العربية عدم الصمت أطول من ذلك.. لأنهم يرون بأم أعينهم أن ثرواتهم الوطنية تنهب من قبل الغزاة الأمريكيين ولا يمكنهم أن يسكتوا عنها.

غضب العشائر العربية ضد واشنطن والتعاون مع دمشق

وبعد عدة أيام من الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والعرب، دعا الجيش الأمريكي إلى إنهاء هذه الاشتباكات وحذر من أن هذه الاشتباكات يمكن أن تساعد في إحياء تنظيم “داعش” الإرهابي، ومن ناحية أخرى، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، الجمعة، في بيان لها، أنها تراقب عن كثب التطورات في شمال شرق سوريا وتتعاون مع ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية.

وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من حقيقة أن القبائل العربية قامت طرد الأمريكيين من حقول النفط والغاز السورية كسبب لغضبهم. ويشكل الصراع بين العشائر العربية والأكراد جزءاً مهماً من الواقع السياسي والاقتصادي في هذه المنطقة، كما أن موارد النفط والغاز في شرق سوريا كانت جزءاً من دخل سكان هذه المنطقة قبل فترة الأزمة، وهي الآن في أيدي الغزاة الأمريكيين الذين سرقوها، وقد استولوا على مليارات الدولارات من بيعها، ونتيجة لذلك واجه السكان المحليون أسوأ الظروف الاقتصادية.

ونشرت في السنوات الأخيرة العديد من الصور والفيديوهات التي تظهر عشائر عربية في دير الزور والحسكة وهي تستهدف الأرتال العسكرية الأمريكية بالحجارة وتطالبها بمغادرة بلادها.

يبدو أن السكان العرب قد سئموا من النهب المستمر لموارد النفط والغاز من قبل السوريين لدرجة أنهم حملوا السلاح لطرد الأمريكيين.

ومن الواضح أن أي معارضة لوجود الأمريكيين هي في مصلحة الحكومة المركزية في سوريا، وقد وضع العرب أنفسهم بطريقة أو بأخرى في صف جبهة دمشق.

وقبل ذلك، أعلن شيوخ ووجهاء العشائر العربية في حلب عدة مرات دعمهم للقيادة والجيش السوري ضد المحتل الأمريكي والأتراك والمتواطئين معهم خلال انعقاد المجلس الوطني للنخب العربية.

وخلال المنتدى، أصدر المشاركون بياناً ختامياً يرفضون فيه بشدة أي وجود عسكري أجنبي غير مصرح به داخل الحدود السورية، وهو الموقف الذي يوضح التزامهم الثابت بحماية سيادة سوريا وسلامة أراضيها.

وبناء على ذلك فإن أحد الاهتمامات الأساسية لزعماء وشيوخ العشائر العربية هو نهب موارد سوريا وثرواتها من قبل قوات الاحتلال الأمريكي.

إلى ذلك، أعلن مجلس البدو العرب، في بيانه يوم الجمعة، ولاءه الكامل للحكومة والجيش السوري، وطالب الأهالي بعدم الارتماء في أحضان الأمريكان، لأنه في رأي هذا المجلس، لم تكن الولايات المتحدة أبدًا صديقة لسوريا في تاريخها، ولم تكن حليفًا مخلصًا لها.

ورغم أن الحكومة السورية لم تبد رد فعل رسمي على الصراعات بين العرب والأكراد، إلا أن التقارير تشير إلى أن الجيش السوري كثف مؤخرا هجماته على مقرات الإرهابيين في محافظات اللاذقية وحلب وحماة بالتنسيق مع القوات الجوية الروسية، وهذا أصبحت الفرصة متاحة للعشائر العربية حتى تتمكن من مواصلة تقدمها بدعم من روسيا والحكومة السورية.

مساعدة تحرير الشام للأكراد

أمريكا التي ترى مصالحها في خطر، لجأت إلى إرهابيي إدلب لإخماد غضب القبائل العربية، وفي هذا الصدد كشفت مصادر مطلعة في إدلب أن أبو محمد الجولاني زعيم جماعة “هيئة تحرير الشام” الإرهابية عقد مؤخراً اجتماعاً طارئاً مع قيادات هذه الجماعة بشأن الصراع الدائر بين قوات العشائر العربية والميليشيات الكردية في عدد من المحاور بريف دير الزور، وأضافت هذه المصادر إن الجولاني طلب من قادة النصرة إرسال قوات عسكرية مساعدة من النخبة لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية تضم قناصة ومسلحين ذوي خبرة قتالية عالية في حرب الشوارع، إضافة إلى إرسال دعم بالأسلحة يشمل مضادات الدبابات وصواريخ.

يأتي هذا التقرير في الوقت الذي أعلنت فيه بعض المصادر العربية عن اشتداد الاشتباكات بين قادة هيئة تحرير الشام واعتقال ميسر علي موسى عبد الله الجبوري الملقب بأبو ماريا القحطاني وهو القائد الثاني لهذه المجموعة الإرهابية، بجريمة اللقاءات السرية مع قوات التحالف الأمريكي، ويبدو أنه تم في هذه الأيام عقد صفقات بين واشنطن وإرهابيي إدلب حتى يتمكنوا من الاستمرار في احتلال الجزء الشمالي من سوريا، لأن الأمريكيين يعلمون أنه إذا هزمت العشائر العربية الأكراد حلفاء أمريكا فإن هذه القضية ستفيد حكومة بشار الأسد وستمهد لطرد الغزاة، وستقطع يد واشنطن عن سرقة النفط والغاز المجانيين إلى الأبد، لذلك تحاول منع مثل هذا السيناريو بكل أدواتها.

ولطالما ادعى المسؤولون في واشنطن أنهم متواجدون للتعامل مع تهديدات “داعش” وتحقيق الاستقرار والأمن في شرق سوريا، لكن التوترات التي شهدتها هذه المناطق في السنوات الأخيرة تظهر أن الأمريكيين أنفسهم هم السبب الرئيسي لأزمة السكان المحليين في هذه المناطق، وهم ضد الوجود الأمريكي في المناطق الكردية والعربية.

ومع استمرار الصراع بين العشائر العربية والأكراد، سيصبح المشهد العسكري والأمني ​​في سوريا أكثر تعقيداً، وسيشتد نطاق التوترات.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر