السياسية:
إبراهيم مطرز*

مع انطلاق العدوان السعودي-الأميركي على اليمن في ليلة الـ 26 من مارس 2015م، تعمّد تحالف العدوان استهداف مطار صنعاء بعشرات الغارات الجوية لإخراجه من الخدمة منذ اليوم الأول.

وخلال مراحل الحرب، اتخذ تحالف العدوان مجموعة من الإجراءات العقابية التي تهدف إلى الحدّ من الحركة في مطار صنعاء، وتضييق الخناق أمام المستفيدين منه ابتداء من إجبار الرحلات على الهبوط قسرياً في مدينة بيشة السعودية وتفتيشها، وانتهاءً بإعلان حظر الرحلات من المطار نهائياً.

في التاسع من أغسطس من العام 2016، فرضت قوات تحالف العدوان حظراً على المجال الجوي اليمني ما أدى إلى إغلاق مطار صنعاء بشكل كامل أمام الرحلات التجارية، كما شمل ذلك منع نقل البضائع التجارية عبر المطار، فضلاً عن الأدوية وغيرها.

سبع سنوات كاملة انقضت والمطار الرئيسي لبلد يعيش فيه زهاء 30 مليون نسمة مغلق أمام المسافرين.

وتسبب إغلاق المطار بخسائر اقتصادية وبشرية لا يمكن تقديرها بشكل دقيق على مدى السنوات السبع، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني السيئ أصلاً في اليمن.

في بلد يعاني قطاعه الصحي من التردي والضعف، إضافة إلى ما تعرض له هذا القطاع أثناء الحرب، أفادت وزارة الصحة اليمنية أنه تم تسجيل وفاة 830 ألف طفل دون سن الـ 5 من العمر و46 ألف امرأة بسبب الحصار، كما كشفت الوزارة أن هناك 50% من الأطفال الخدج بفعل تداعيات العدوان والحصار على البلد، كما ارتفعت أعداد المصابين بأمراض مزمنة إلى مليون ونصف المليون مريض يعجزون عن السفر إلى الخارج جراء استمرار إغلاق مطار صنعاء.

كما تقدر وزارة الصحة أن هناك 450 ألف مواطن يعانون من حالة مرضية تستدعي السفر، وتضيف الوزارة أن نحو 30 مواطناً يتوفون يومياً جراء عدم القدرة على السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، فضلاً عن 5200 يمني يعانون من فشل كلوي وبحاجة عاجلة إلى السفر لإجراء عملية زراعة.

وفق هذه الإحصائية الرسمية، وبعملية حسابية بسيطة، يمكن أن نستنتج أن إغلاق مطار صنعاء خلال الحرب السعودية -الأميركية على اليمن، قد أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى وفاة ما يزيد على 120 ألف مواطن يمني، ويعدّ هذا الرقم أكبر بأضعاف من الخسائر البشرية التي سببتها الحرب العسكرية المباشرة.

يقول رائد جبل، وكيل هيئة الطيران المدني والأرصاد الجوية، إن خسائر قطاع النقل الجوي جراء الحملة العسكرية السعودية على اليمن وإغلاق المطار تبلغ 6 مليارات و870 مليوناً و27 ألف دولار مليار دولار منها خسائر مباشرة لمطار صنعاء، وأكثر من 3 مليارات دولار خسائر غير مباشرة جراء إغلاق المطار.

كل هذا في بلد فقير يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة، وهذا التقدير لا يشمل الخسائر التي يتعرض لها المواطنون أنفسهم جراء عدم القدرة على السفر.

في 2 أبريل من العام 2022، توصلت حكومة صنعاء وقيادة تحالف العدوان على اليمن إلى اتفاق هدنة برعاية الأمم المتحدة، وكان واحد من أهم بنود اتفاق الهدنة تسيير رحلات جوية من مطار صنعاء وإليه أسبوعياً، وقضى الاتفاق أن تكون الرحلات إلى وجهتين هما: عمّان-الأردن والقاهرة-مصر، رغم أن هذا الاتفاق، حسب المسؤولين والمهتمين، لا يحقق 1% من الاحتياج الفعلي للسفر في البلد المحاصر إلا أنه، مع الأسف، لم يتم تنفيذه.

لم يتم تسيير أي رحلات إلى القاهرة حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى تأخر انطلاق رحلة إلى عمّان -الأردن عدة أسابيع بعد اتفاق الهدنة، وتخفيض عدد الرحلات، واستمرار حالة الحصار بشكل أشد مما كان، بحسب وصف متابعين في هذا الشأن.

مطار صنعاء يمثل الشريان الرئيسي لليمن، ويخدم قرابة 80% من تعداد الجمهورية اليمنية، أي نحو 20 مليون نسمة. في العام 2014م، أي قبل الحملة العسكرية السعودية على اليمن، كان يسافر عبر مطار صنعاء ما لا يقل عن 2 مليون شخص سنوياً، وكان يشغل المطار رحلاته إلى 30 وجهة مختلفة وعبر 14 شركة طيران مختلفة. كان مطار صنعاء يستقبل 6000 مسافر آنذاك بينهم 300 مريض في اليوم الواحد.

قُيّد اتفاق الهدنة مطار صنعاء بتشغيل 3 رحلات فقط أسبوعياً، أي ما يعادل 819 مقعداً في الأسبوع، عدد من يستفيد من خدمات مطار صنعاء وفق قيود الهدنة يصل إلى 39312مسافراً في اليمن سنوياً مقارنة بمليونَي مسافر في العام 2014م.

لقد كان مطار صنعاء في وضعه الطبيعي قبل الحرب يسيّر ما بين 50 إلى 60 رحلة يومياً، وفق تصريح لمدير مطار صنعاء خالد الشايف، ولم يكن هناك حصار أو حرب، وفي ذلك الوقت، كانت كل المطارات اليمنية الأخرى تشغل رحلات مثل مطارات تعز والحُديدة والغيضة إلخ..، والآن، تنص الهدنة الأممية على أنه لا يحق لمطار صنعاء إلا نقل 39 ألف مسافر فقط في السنة.

هذا الوضع أدى إلى أن يصبح الحصول على تذكرة على متن إحدى رحلات الهدنة أشبه بالمعجزة بالنسبة إلى المواطن اليمني، في ظل التنافس الشديد والاحتياج الكبير، واضطر بعضهم إلى دفع مبالغ إضافية لتسريع الحصول على مقعد في حين توفي آخرون منهم مرضى لم يقدروا على السفر، بل إن بعضهم توفي داخل أروقة المطار قبل أن يجيء دوره في قائمة الانتظار.

كما أن المسافر الذي يذهب إلى العلاج ولديه ميزانية محدودة لا يستطيع العودة في الوقت الذي يريد جراء إغلاق المطار ويعلق في الأردن مضطراً لمدة تصل من ثلاثة إلى أربعة أشهر أحياناً، ولا يمتلك ما يواجه به تكاليف المعيشة خلال فترة انتظاره لمقعد عودة إلى بلاده.

ويواجه اليمني، كخيار بديل عن مطار صنعاء، مسارات خطيرة ومكلفة مثل السفر عبر البر إلى عدن “وسط صراعات مشتعلة بين أجنحة مدعومة سعودياً وأخرى إماراتياً”، ويتعرض المواطن أحياناً خلال السفر إلى القتل أو النهب أو الابتزاز، وإذا وصل سالماً يكلفه هذا المشوار فقط أكثر من قيمة تذكرة سفره إلى الخارج.

وقد وقعت حوادث متكررة من هذا النوع (خطف / قتل / ابتزاز لمسافرين) جعلت البعض يفضل الموت في بيته على المخاطرة بكل شيء والسفر براً من دون أي ضمانات بالوصول.

يضيف خبير يمني في شؤون الطيران أن لإدارة الخطوط الجوية اليمنية في عدن دوراً في تعميق معاناة المواطن اليمني، من خلال رفض توسيع الرحلات وإغلاق الرحلات الداخلية (صنعاء –عدن) وتعمّد اختيار الطائرات ذات السعات المحدودة لرحلات صنعاء أحياناً، وفرض رسوم باهظة على تذاكر السفر من صنعاء، والعبث بجدولة الرحلات وتأخيرها.

ويفيد المواطن صالح الدعيس (مريض بحاجة إلى علاج في الخارج) أنه أمضى ما يقارب 60 يوماً وهو يتردد ذهاباً وإياباً إلى مكتب اليمنية للحصول على تذكرة سفر إلى الأردن من دون جدوى، ويعدّ استمرار وضع المطار بهذه الحال موتاً بطيئاً وقاسياً له ولكل يمني، ويرى أن الهدنة تعمّدت خنق اليمنيين أكثر مما كانت عليه الحال قبلها.

وتقضي كل القوانين الدولية بحرمة إغلاق المطارات الجوية حتى أثناء النزاع، وتصرح بين الفترة والأخرى منظمات الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن وغيرهم بوجوب فتح مطار صنعاء كضرورة إنسانية لكل يمني، في حين أنها لا تقوم بأي جهد ملموس لتحقيق ذلك، وتتماهى مع السعودية في الخروج باتفاقات كالتي خرجت بها الهدنة الأخيرة ولم تؤد إلى حل المشكلة وإنما مفاقمتها.

يقول الناشط الحقوقي اليمني كمال السيد إن حصار اليمن أشبه ما يكون بأخذ شعب كامل رهينة، وأن إغلاق المطار في وجه مرضى لديهم فرصة للعلاج هو بمنزلة حكم إعدام صريح للآلاف من المرضى اليمنيين.

يضيف السيد أن المطار الرئيسي الذي كان يسافر عبره مليونا مسافر في العام لا يغطي اليوم احتياجات قرية واحدة في اليمن.

قال قائد الثورة اليمنية السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي في خطاب متلفز في ذكرى استشهاد الإمام زيد مطلع شهر أغسطس من هذا العام “عندما تصل سفينة إلى ميناء الحديدة تصل بعد سلسلة طويلة من الاتصالات، والمتابعات، والوساطات، ورحلات محدودة جدًّاً من مطار صنعاء بعناء وجهد، والبقية لا شيء! حصار مستمر، خراب مستمر على ما هو عليه، دمار، سعي لتفكيك هذا البلد، سعي لاستقطاع أجزاء واسعة منه، لا يمكن أن تمر هذه الأمور.”

وأكد السيد عبد الملك “نحن لا يمكن أن نسكت عما هو حاصل طويلاً، أفسحنا المجال للوساطة بالقدر الكافي، إذا لم تحصل تطورات إيجابية، إذا لم تحصل معالجة لتلك الإجراءات الظالمة بحق شعبنا، إذا لم يُقلع السعودي عن سياساته العدائية، وعن إصراره في الاستمرار على النهج العدائي ضد شعبنا، والاستمرار في حالة العدوان، والحصار، والظلم، والمؤامرات، والاحتلال، فإن موقفنا سيكون موقفاً حازماً وصارماً”.

فرضت إجراءات إغلاق مطار صنعاء حبس ملايين اليمنيين في منطقة تعاني من أزمة إنسانية شديدة، ومنعت حركة البضائع ودخول المساعدات الإنسانية. بعد تسع سنوات من العدوان على اليمن، لم يُفتح المطار بعد، ونتيجة لذلك يتوفى آلاف اليمنيين الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السرطان، والكلى، وهم في انتظار سبيل للسفر.

طوال تسع سنوات، حُرم اليمنيون من حقهم في السفر لطلب الرعاية الطبية أو ممارسة الأعمال التجارية أو الدراسة أو العمل أو الزيارات الأسرية في وضع المغتربين المقيمين خارج البلاد وتقطعت بهم السبل ووضعوا بين خيارات كلها صعبة، وعلى مرأى ومسمع كل دول العالم ومنظمات وهيئات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.

* المصدر: الميادين نت

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر