خليل نصر الله*

لم يكن في حسبان المقاومة يومًا أن تقاتل عند الجبهة الشرقية للبنان، اهتمامها كان منصبًا على تحرير الجنوب، ثم تأمين الحماية للبنان من أي عدوان إسرائيلي كما حصل عام 2006. لكن شاءت ظروف المنطقة أن يتخذ الإرهاب موطئ قدم في سوريا بدعم أمريكي – تركي – خليجي – عربي – إسرائيلي، فكان قرار المقاومة الاستراتيجي بالذهاب شرقًا بدءًا من عام 2013، حيث دق الإرهاب، المكشوف بتوجهاته وأهدافه، أبواب البلاد، وكان ضمن مخططاته وداعميه إسقاط أجزاء واسعة من لبنان بالفوضى، وبالتالي الانقضاض على المقاومة من خلال خلق بؤرة استنزاف لها داخل لبنان، تغرقها في حروب متفرقة، وتعطي العدو الإسرائيلي يدًا عليا في أعماله العدوانية.

استبقت المقاومة بوعيها وبصيرتها ما حضّر لها، وبدأت منذ عام 2013 هجومها المضاد عبر معارك القصير، قبل أن تتوسع في سوريا إلى جانب جيشها كجزء من منع إسقاط سوريا من جهة، ومن جهة أخرى حماية ظهرها في لبنان.

عام 2014 وسعت المقاومة من عملياتها العسكرية ذات الطابع الأمني في السلسلة الشرقية، وكانت تهدف إلى إبعاد الإرهابيين عن حدود لبنان إلى العمق السوري حيث تشتد المواجهة، والمقاومة أحد أطرافها، ومن جهة أخرى حماية العمق اللبناني من السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، يضاف اليهما تعطيل أي عمق للإرهابيين داخل الأراضي اللبنانية، حيث كانت المخططات تقتضي انشاء ممر لهؤلاء نحو البحر انطلاقًا من وسط سوريا.

ووفق الظروف، حاكت المقاومة معاركها، إلى أن حتمت الضرورات الأمنية والسياسية تطهير كامل السلسلة عام 2017، من جرود رأس بعلبك وعرسال وصولًا إلى خان أرنبة عند تخوم الجولان السوري المحتل.

نجحت المقاومة في تموز 2017 من إنهاء تواجد “النصرة” في جرود عرسال، لتتبقى منطقة جرود رأس بعلبك والقاع حاضنة لإرهابيي “داعش”.

ما فرض توقيت العملية في تلك المرحلة، مساع أمريكية لإيجاد منطقة خفض تصعيد عند الحدود اللبنانية، تحفظ من خلالها بؤرة إرهابية تتركز في جرود رأس بعلبك وعرسال، وهو ما كانت تعيه المقاومة، وتمكنت من استباقه وفرض العملية رغم الضغوط على لبنان الرسمي.

في أغسطس، بدأت معركة “فجر الجرود” وفق تسمية الجيش اللبناني لها، و”إن عدتم عدنا” وفق تسمية المقاومة والجيش السوري، ونجحت العملية الثلاثية في دحر الإرهاب وكشف مصير جنود الجيش اللبناني المختطفين لدى “داعش”، ونقل من تبقى من إرهابيين إلى عمق البادية السورية، حيث قضى أغلبهم لاحقًا إبان مجريات عمليات الفجر الكبرى التي انتهت نهاية ذاك العام.

بحلول 28 أغسطس كان كامل حدود لبنان الشرقية خاليًا من الإرهاب، فكان عيد التحرير الثاني الذي أعلن عنه السيد حسن نصر الله ونحتفل به في كل عام.

لكن، ما تلا ذاك التحرير استكمل بعيدًا عن الأضواء، عبر مواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية وأعمالها الإرهابية التي تراجعت إلى حدود دنيا، وتمكنت المقاومة من توقيف الكثير من الإرهابيين ومكافحة مخططاتهم الى جانب الدولة اللبنانية، وكذلك من خلال التنسيق مع الأجهزة المختصة السورية، وكما حصل مؤخرًا من خلال ملاحقة أحد افراد خلية “داعش” التي نفذت تفجيرًا في منطقة السيدة زينب(ع) الشهر الماضي، والذي قدم إلى لبنان حيث داهمته قوة من أمن المقاومة في مكان إقامته.

هذه العملية، لها رمزيتها، وخرجت إلى الإعلام، ويمكن فهم أمر هام من ورائها، هو أن المقاومة بالتعاون مع الجيشين اللبناني والسوري وبدعم شعبي حققت التحرير الثاني، لكنها تواصل حمايته من خلال مكافحة النشاطات الإرهابية، تمامًا كما تحرير أرض جنوب لبنان عام 2000، والعمل على حمايته وتحصينه من خلال الإعداد وصد العدوان الإسرائيلي ومكافحة أعماله العدوانية.

مرة أخرى، تثبت المقاومة أنها ليست صانعة انتصار فقط، بل حامية له.

* المصدر: موقع العهد الاخباري