شاهر الشاهر

ليس من المبالغة القول إنَّ العالم كله ينتظر ما سينتج من اجتماع قمة البريكس الخامسة عشرة التي ستُعقد في جوهانسبورغ، بناءً على دعوة من رئيس جمهورية جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا، في الفترة الممتدة بين 22 و24 آب/أغسطس الجاري، بحضور قادة الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، فيما سيمثل روسيا في القمة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

بدأت البريكس كتكتل اقتصادي أكثر من كونه سياسياً، وضمَّت مجموعة من الدول النامية (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) تحبّ أن تُسمى دولاً نامية، لأنها لا تريد تحمل الأعباء الملقاة على كاهل الدول المتقدمة.

حقَّقت البريكس تطورات كبيرة على الصعد كافة، وباتت لاعباً دولياً لا يمكن تجاوزه، ليس من حيث المكانة والقوة فحسب، بل أيضاً من حيث القدرة والفاعلية التي جعلت من هذا التجمع لاعباً مهماً في صياغة مستقبل النظام الدولي.

حقَّقت دول البريكس المركز الأول في عدد براءات الاختراع، التي بلغت 1,397 مليون براءة اختراع سنوياً، أي نحو 60,6% من عدد براءات الاختراع في العالم.

تحتوي دول المجموعة 56,2 ألف متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، أي ما يعادل 27,4% من إجمالي الاحتياطيات العالمية. تعد المجموعة من أبرز المؤشرات على صعود قوى بديلة في الساحة الدولية، وخصوصاً أن الإنفاق العسكري لدولها بات يتجاوز 400 مليار دولار، وأن لديها نحو 11 مليون جندي، وأنها تمتلك نحو 6500 قنبلة نووية، تمتلكها كلّ من روسيا والصين والهند.

قمة البريكس هي قمة تعقد سنوياً بين قادة الدول الخمس التي يشكل سكانها نحو 44% من عدد سكان العالم، والتي تشكل نحو 30% من إجمالي الناتج العالمي، ونحو 18% من حجم التجارة الدولية. ستُعقد القمة بمشاركة أكثر من 40 رئيس دولة، ونحو 30 مسؤولاً على مستوى العالم بصفتهم ممثلين للدول المشاركة في القمة.

تعقد القمة في ظل ما يشهده العالم من تطورات خطرة، في ظل تصاعد الحرب في أوكرانيا، التي بات الحديث عن توقع نهاية لها ضرباً من الخيال، في ظل ما تسببت به هذه الحرب من ويلات اقتصادية على العالم كله، حتى إن بعض الدول الأوروبية باتت مهددة في أمنها القومي في ظل عجز حكوماتها عن تأمين احتياجات شعوبها.

ما يميز هذه القمة أنها سوف تناقش موضوعين مهمين، هما توسع البريكس وانضمام دول أخرى، وإنشاء عملة دولية لهذا التكتل تكون قادرة على منافسة الدولار، وبقوة، لكونها ستكون مغطاة بالذهب.

ستعقد القمة بحضور 67 دولة، منها 23 دولة راغبة في الانضمام إلى هذا التكتل الاقتصادي المهم. جميع هذه الدول هي دول نامية وليست متقدمة، وهو ما يجعل البعض يعتقد أن هذا التوسع لن يشكل خطراً على الدول السبع الكبرى G7. وقد أعلنت جنوب أفريقيا أن أكثر من 40 دولة أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، فيما قدّمت 23 دولة طلبات رسمية لذلك.

أبدت العديد من الدول العربية اهتماماً بالانضمام إلى المجموعة، وقدّمت الجزائر ومصر والسعودية والإمارات، إضافة إلى البحرين والكويت والسلطة الفلسطينية، طلبات رسمية للانضمام إليها، فيما نفت المغرب من جهتها تقديم طلب.

يبدو أن الموقف المغربي جاء على خلفية دعم جنوب أفريقيا لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، والتي تسعى إلى إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية، وهي منطقة تعتبرها المغرب ملكاً لها.

من المرجح أن توافق المجموعة على انضمام كل من السعودية والإمارات والجزائر ومصر من بين الدول العربية التي قدّمت طلبات للانضمام إلى المجموعة.

 

تقسم العضوية في البريكس إلى 3 مجموعات هي:

– المجموعة الأولى: الأعضاء الأصليون، وهي الدول المؤسسة للتكتل التي تضم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. يبلغ عدد سكانها 3,2 مليار نسمة، فيما تبلغ مساحة دولها 39,7 مليون كم 2، أي نحو 26,7% من مساحة العالم.

– المجموعة الثانية: تضمّ الأعضاء الأصليين، تضاف إليها الدول التي تقدمت بطلب رسمي للانضمام، ويبلغ عددها 23 دولة. هذه الدول ستحصل على عضوية “بريكس” أو “بريكس+”، وفقاً لما ستتفق عليه الدول الأعضاء.

هذه الدول هي: الجزائر، والأرجنتين، وبنغلاديش، والبحرين، وبيلاروسيا، وبوليفيا، وكوبا، وفنزويلا، ومصر، وإيران، والسعودية، والإمارات، وإثيوبيا، وهندوراس، وإندونيسيا، وكازاخستان، والكويت، والمغرب، ونيجيريا، وفلسطين، والسنغال، وتايلاند، وتركيا. ويبلغ عدد سكان هذه المجموعة 4,6 مليار نسمة، فيما تبلغ مساحة دولها 60,9 مليون كم 2، أي نحو 40,9% من مساحة العالم.

– المجموعة الثالثة: تضم المجموعتين الأولى والثانية، تضاف إليهما الدول التي أعلنت رغبتها في الانضمام، لكنها لم تتقدّم بطلب رسمي حتى الآن.

تضم هذه المجموعة 15 دولة، هي: أرمينيا، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وأذربيجان، وصربيا، وسوريا، وفيتنام، والمكسيك، وتونس، والسودان، وأفغانستان، وباكستان، واليونان، والأوروغواي.

يبلغ عدد سكان هذه المجموعة 5,3 مليار نسمة، فيما تبلغ مساحة دولها 68,3 مليون كم 2، أي نحو 45,9% من مساحة العالم، مع الإشارة إلى أن عدد سكان مجموعة السبع لا يتجاوز 0,77 مليار نسمة.

 

إنشاء عملة خاصة بالمجموعة منافسة للدولار

من أولى أولويات هذا الاجتماع دراسة إنشاء عملة موحدة للمجموعة برعاية بنك البريكس الذي أنشأته المجموعة عام 2015 ليكون نظيراً لصندوق النقد الدولي. العملة التي سيتم إصدارها ستكون عملة افتراضية، ومن المتوقع صدورها خلال 5-10 سنوات لتغطي التبادلات التجارية بين دول المجموعة.

ستكون هذه العملة مغطاة بالذهب، وهو ما يفسر الإقبال الكبير لدول المجموعة على شراء الذهب، إذ تشكل التجارة البينية بينها نحو 50% من حجم تجارة تلك الدول.

يأتي ذلك في ظل ما تعانيه الولايات المتحدة الأميركية من أوضاع اقتصادية صعبة، إذ بلغ حجم الدين العام الأميركي 32 تريليون دولار، أي نحو 130% من الناتج المحلي الأميركي، وهو أعلى مستوى بلغه الدين العام في تاريخ أميركا.

يكفي أن نشير إلى أن هذا الدين لم يكن يتجاوز 9 تريليون دولار عام 2009، بمعنى أن الاقتصاد الأميركي يشهد تراجعاً كبيراً، وهو ما جعل الكونغرس الأميركي يرفض عدة مرات طلب الرئيس بايدن الموافقة على رفع سقف الدين العام.

بعد الأزمة الاقتصادية الأميركية عام 2008، كانت الصين أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأميركية، إذ بلغت عام 2009 نحو تريليون دولار، بمعنى أن الدين الأميركي للصين كان يشكّل “1 من 9” من حجم الدين العام الأميركي.

استمرت الصين في الاستثمار في أذون الخزانة الأميركية حتى بلغت عام 2016 نحو 1,3 تريليون دولار، فكانت أكبر مستثمر في أذون الخزانة الأميركية، تأتي بعدها اليابان وبريطانيا وفرنسا والسعودية وغيرها… وهو ما يفسر دعم الصين للدولار الأميركي في ذلك الوقت، لسببين:

· حجم الاستثمارات الصينية في أميركا والمقدرة بالدولار.

· كون الاقتصاد الصيني اقتصاداً قائماً على التصدير، والسلع تقدر عادة بالدولار.

هذا الواقع جعل الصين تتقدم بقوة لدعم الاقتصاد الأميركي في ذلك الوقت، فارتفعت الاستثمارات الصينية في أذونات الخزانة الأميركية، وبالتالي ارتفع الدولار.

استمرت الولايات المتحدة في سياسة الاقتراض، وازداد حجم الدين العام الأميركي بشكل عام في عهد ترامب، إذ ارتفع من 9 تريليون إلى 32 تريليون دولار، ولكن بعد الحرب في أوكرانيا بدأت الصين تخفض استثماراتها وتبيع سندات الخزانة الأميركية، لتنخفض من 1,3 تريليون دولار إلى 832 مليار دولار، لتصبح اليابان أكبر دائن لأميركا، بمعنى أن الاستثمارات الصينية في سندات الخزينة الأميركية، وفي ظل تصاعد الدين العام الأميركي، انخفضت من 35% إلى أقل من 5%.

الانسحاب الصيني الهادئ من الاستثمار في الدولار ضاعف أزمة الولايات المتحدة، وساهم بشكل كبير في تأجيج الحرب الباردة بين البلدين. كذلك فعلت البرازيل والسعودية وغيرها من دول البريكس، إذ سحبت استثماراتها، واتجهت لشراء الذهب الذي سيشكل الغطاء لعملة البريكس المقبلة.

رغم ذلك كله، ورغم النجاحات الكبيرة لدول البريكس، فإنّ المخاوف باتت تظهر داخل دول المجموعة التي باتت ترى أن تلك النجاحات تصب في مصلحة الصين أكثر من غيرها، إذ بدأ العديد من الدول المهمة يتقرب منها، وخصوصاً السعودية والجزائر والإمارات وغيرها من الدول ذات التأثير الاقتصادي الكبير على مستوى العالم، وهو ما سيصب في مصلحة اليوان الصيني الذي زاد الإقبال عليه في الآونة الأخيرة.

على سبيل المثال، من شهر شباط/فبراير 2022 إلى شباط/فبراير 2023، قل الاحتياطي العالمي من الدولار 2,5% لمصلحة اليوان الصيني، بمعنى أنه كلما تراجع الدولار قويت الصين أكثر من غيرها من الدول المنضوية في المنظمة. وبالتالي، أصبح الحديث عن قوة البريكس يصب في مصلحة تقوية الصين فقط، وفقاً لما تراه الهند مثلاً.

من جهتها، ترى البرازيل أن الدول الراغبة في الانضمام إلى المنظمة هي دول متحالفة مع الصين من حيث الواقع، وتميل إليها أكثر من غيرها من دول المجموعة. لذا، إن البرازيل تقف ضد قبول أعضاء جدد في المجموعة.

في ظل هذا الواقع، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية باتت تشعر بخطر البريكس أكثر من أي وقت مضى. لذا، إن مواجهة هذا التكتل باتت تحظى بإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لكن الخلاف بين الإدارة الأميركية والكونغرس يتمحور حول قوة الإجراءات التي يتوجب اتخاذها إزاء هذا التكتل ومدى شموليتها وصرامتها لتكون قادرة على كبح جماح كل من الصين وروسيا على وجه التحديد.

الثابت أن هدف البريكس لم يعد اقتصادياً فقط، فقد باتت لها قوة سياسية تهدف إلى تغيير شكل النظام الدولي القائم حالياً بنظام دولي متعدد الأقطاب سيكون هذا التكتل أحد أقطابه بكل تأكيد.

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع