السياسية:

 

مرزاح العسل

يبدو أن جرائم العدو الصهيوني الوحشية التي ترتكبها قواته في جنين ونابلس وكل المدن الفلسطينية المحتلة لن تنتهي، فهي في تصاعد مستمر في ظل الدعم الأمريكي اللا محدود واللا مشروط منذ أكثر من 75 عاماً، ومع ذلك يقابلها تصاعد قدرات المقاومة الفلسطينية إلى أن يتم إنهاء الاحتلال الجاثم على أرض فلسطين.

ومما لا شك فيه أن الجريمة الأخيرة في جنين جرت بتنسيق كامل بين العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية كما تحدثت وسائل إعلام العدو الصهيوني، وسط تأييد علني من الدول الكبرى التي تمارس أقذر التناقضات مع جرائم العدو في فلسطين مقارنة مع مواقفها مع روسيا في حربها في أوكرانيا.

ولعل من أهم الأسباب لما اقترفته قوات العدو الصهيوني في جنين هو تطور قدرات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وهي التي تسير على نهج المقاومة في غزة.

وإذا كانت أمريكا والدول الغربية جزءا من هذه الجرائم، فبعض الدول العربية والإسلامية مشاركة أيضاً بصمتها واكتفاء بعضها ببيانات الشجب والتنديد التي لا يلتفت لها العدو الصهيوني لا من قريب ولا من بعيد.

وما يؤيد هذا الطرح.. هو ما أدلى به وزير حرب العدو الصهيوني يوآف غالانت، يوم الجمعة الماضي، من تصريحات عبر فيها لنظيره الأمريكي عن شكر كيانه المحتل لواشنطن على دعمها غير المشروط للعملية العسكرية، التي نفذها جيش العدو الصهيوني في مدينة جنين، وأسفرت عن استشهاد وإصابة عدد كبير من الفلسطينيين.

وبحسب إعلام العدو الصهيوني فقد أوضح غالانت في تصريحاته أنه أجرى مباحثات مع نظيره الأمريكي لويد أوستن حول أهمية العملية العسكرية في جنين، لمنع “الهجمات ضد الإسرائيليين”.. حسب قوله.

وقال غالانت: إنه قدم الشكر للإدارة الأمريكية على الدعم غير المشروط الذي قدمته لاقتحام جيش العدو الصهيوني لمخيم جنين.

من جانبه، قال البنتاغون الأمريكي إن أوستن أعرب لوزير الحرب الصهيوني عن قلقه إزاء تصعيد العنف في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك هجمات المستوطنين.

وفي تفاصيل جرائم العدو الصهيوني.. قالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في التقرير النصفي حول (اعتداءات كيان الاحتلال والمستوطنين على الأراضي الفلسطينية) للنصف الأول من العام الجاري: إن قوات العدو الصهيوني، وقطعان المستوطنين، نفذت 4073 انتهاكا بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، خلال النصف الأول من هذا العام.

وأوضح رئيس الهيئة مؤيد شعبان، أن “هذه الاعتداءات تراوحت بين تخريب وتجريف أراضٍ واقتلاع أشجار والاستيلاء على ممتلكات وإغلاق حواجز وإصابات جسدية، وتركزت في محافظة نابلس بواقع 952 اعتداءً، تليها محافظة جنين بـ553 اعتداءً، ثم محافظة بيت لحم بـ435 اعتداءً”.

وأضاف: إن سلسلة الاعتداءات الجماعية التي نفذتها قطعان المستوطنين الصهاينة في الأسابيع الماضية على القرى الفلسطينية الآمنة دقت ناقوس الخطر على طبيعة المرحلة القادمة من الصراع.

وأكد شعبان أن هذا النموذج الذي صنعته الدولة القائمة بالاحتلال والإرهاب، كان الهدف منه توجيه الضربة القاضية إلى كل محاولات الفلسطينيين المحافظة على ما تبقى من الأرض والممتلكات وإزهاق أي إمكانية للحفاظ على الأرواح أيضاً.

وأشار التقرير إلى أن الاعتداءات التي نفذها مستوطنون صهاينة بلغت 1148، تسببت باستشهاد ثمانية مواطنين على يد المستوطنين، وشملت إقامة بؤر استيطانية، والسيطرة على أراضي المواطنين، والاعتداء على الشوارع والمركبات، واقتحام القرى، وإحراق الممتلكات، وإطلاق الرصاص المباشر.. وتركزت هذه الاعتداءات في نابلس بواقع 470 اعتداءً، ورام الله بواقع 265 اعتداءً.

وبين التقرير أن سلطات العدو الصهيوني درست ما مجموعه 75 مخططا هيكلياً لتوسعة مستعمرات أو إقامة مستعمرات جديدة في الضفة الغربية، كما درست من خلالها إقامة 13 ألف وحدة استيطانية للدراسة (8131 وحدة للإيداع، و5191 وحدة للمصادقة).

وقال التقرير الفلسطيني: إن المستوطنين أقاموا خلال النصف الأول من هذا العام، 13 بؤرة استعمارية على أراضي الفلسطينيين معظمها بؤر رعوية، في رام الله ونابلس وسلفيت وبيت لحم والقدس والخليل، وإن سلطات العدو الصهيوني شرعنت أربع بؤر جديدة، في محيط مستوطنة “عيلي” بين محافظتي رام الله ونابلس.

وأضاف: إن سلطات العدو استولت على أكثر من 44 ألف دونم تحت مسميات مختلفة منها 43 ألف دونم تعديل حدود محمية طبيعة من أراضي محافظتي القدس وأريحا، و433 دونماً من خلال ثلاثة أوامر استملاك أعلنها كيان الاحتلال لخدمة المستوطنين، و449 دونماً من خلال إصدار تسعة أوامر وضع يد لأغراض عسكرية، وإعلان واحد يصادر 14 دونما ونصف الدونم كأراضي دولة.

وأوضح تقرير الهيئة أن سلطات العدو الصهيوني أصدرت 822 إخطارا لهدم منشآت فلسطينية بحجة عدم الترخيص في ارتفاع ملحوظ وقياسي في عدد الإخطارات الموجهة مقارنة بالفترة نفسها من العامين الماضي والذي سبقه، وتركزت معظم هذه الإخطارات في الخليل (221 إخطاراً) وبيت لحم (170 إخطاراً).

كما أكد التقرير أن سلطات العدو نفذت 256 عملية هدم، أسفرت عن هدم 303 منشآت في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، منها مدرسة أساسية في جب الذيب في محافظة بيت لحم مرتين على التوالي، وتضرر جراء ذلك 543 شخصا بينهم 272 طفلا.

ولفت التقرير إلى أن قوات العدو الصهيوني وقطعان مستوطنيه تسببوا بقطع وتضرر ما مجموعه 8340 شجرة منذ مطلع العام الجاري، تركزت في الخليل بقطع 2005 شجرات، ورام الله 1871 شجرة، ونابلس 1797 شجرة.

وخلّف العدوان الصهيوني الأخير الذي استمر يومين في مخيم جنين دماراً هائلاً؛ حيث استهدفت قوات العدو خلاله منازل المدنيين والبنيات التحتية للمخيم الذي يسكنه نحو 15 ألف نسمة، كما أسفر عن استشهاد 13 فلسطيني وإصابة أكثر من 140 مواطن بحسب ما ذكرته وكالات الأنباء الفلسطينية.

وفي أحدث إحصائية لها، أكدت وزارة الصحة الفلسطينية ارتقاء نحو 200 شهيد برصاص جيش العدو الصهيوني بينهم 35 طفلاً وست سيدات، منذ بداية العام الجاري.

وكشفت وحشية العدوان الصهيوني في عمليته التي أسماها (عملية الحديقة والمنزل)، أن الأهداف الوحيدة التي حققها هي ارتكاب مجزرة بحق المدنيين، وتدمير البيوت والبنى التحتية، وقصف المساجد والمستشفيات، وتحطيم البنية التحتية، ما كشف مجدداً طبيعة هذا العدو الإرهابية والعنصرية والإجرامية والفاشية، وأظهر تهافت دعوات “السلام” التي انزلق بذريعتها بعض الحكام العرب إلى مهاوي التطبيع.

كما كشفت تواطؤ بعض دول الغرب، وفي مقدمها أمريكا، من خلال تهافتها لمباركة هذا العدوان واعتباره دفاعاً عن النفس، وأظهرت كذب ادعاءاتها بالحرص على حقوق الإنسان.

ويرى مراقبون أن هذا التطور مهم جداً في كشف حقيقة النظام العالمي الذي يتحكم في دول العالم اليوم، ويفتح الطريق أمام مسار التعجيل في انهياره، ولعل من المفارقات العجيبة واللافتة أن يأتي دفاع البيت الأبيض عن العدوان الصهيوني على المخيم الفلسطيني في الرابع من يوليو الجاري، أي اليوم الذي يحتفل فيه الأمريكيون باستقلال بلادهم عن الاستعمار البريطاني عام 1776.

فيما يرى الكثير من الخبراء والأكاديميين أن من أهم أسباب دعم واشنطن “الأعمى وغير المحدود” لهذا الكيان المحتل منذ نشأته قبل 70 عاما، هو الترابط الديني بين الصهيونية والبروتستانتية، أو التحالف القائم على المصالح الإستراتيجية بينهما، أو دور اللوبي وجماعات اليهود الأمريكيين.

وكشفت استطلاعات للرأي أجرتها مؤسسة “غالوب” بصورة دورية سنوية منذ 1975، أن شعبية الكيان الصهيوني تزيد على شعبية الرؤساء الأمريكيين.. حيث أظهر استطلاع أجرته المؤسسة خلال الفترة من (الثالث إلى 18) فبراير الماضي أن شعبية “إسرائيل” تبلغ 75 في المائة، وهي ثاني أعلى نسبة بعد نسبة 79 في المائة المسجلة في عام 1991 بعد حرب الخليج.

وتزيد نسبة تأييد الكيان الصهيوني بين الأمريكيين هذا العام على نسبة تأييد الأمريكيين للرئيس جو بايدن حيث بلغت نسبة التأييد له ولسياساته 53 في المائة فقط مقابل معارضة 43 في المائة طبقا لاستطلاع أجرته شبكة “سي إن إن” على 1044 أمريكي بين 21 و25 من أبريل الماضي.

ويختلف دعم الأمريكان لكيان العدو الصهيوني وفلسطين بشكل كبير طبقا لطبيعة الانتماء الحزبي، وذلك على الرغم من أن النظرة إلى الكيان الصهيوني نظرة إيجابية من قبل أغلبية جميع المجموعات الحزبية على مدى العقدين الماضيين، على الرغم من أنها تتلقى باستمرار درجات أعلى من جانب الجمهوريين.

وفي آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب”، أكد 85 في المائة من الجمهوريين دعمهم للكيان الصهيوني بشكل إيجابي، مقارنة بـ77 في المائة بين المستقلين و64 في المائة بين الديمقراطيين.

كما رجحت استطلاعات أخرى لمؤسسة “غالوب” أن يكون الأمريكيون الأكثر تدينا من حيث حضور القُداسات في الكنائس أكثر موالاة للكيان الصهيوني.

ومما يؤكد الدعم الأمريكي لكيان العدو الصهيوني أيضاً هو تكرار الرؤساء الأمريكيون في اجتماعاتهم مع قادة اليهود الأمريكيين القول، إنهم لن يفرضوا حلا للصراع، ولن يقدموا على فرض حل على الصهاينة أو الفلسطينيين، ويؤكدون فقط أن دورهم يتمثل في عرض خطوط عريضة للتفاوض بين الطرفين.

وبالتزامن مع العملية العسكرية في جنين، أصيب عشرة صهاينة ثلاثة منهم بجروح خطيرة في عملية دهس بمدينة “تل أبيب” الساحلية وسط الكيان المحتل نفذها فلسطيني من مدينة الخليل.. فيما تشير الإحصاءات إلى مصرع أكثر من 25 صهيوني في عمليات بطولية نفذها فلسطينيون ضد قوات العدو ومستوطنيه منذ بداية العام الجاري.

ووفقاً لوكالات الأنباء الفلسطينية، فقد تصدرت بلدة حوارة جنوب نابلس، المشهد في الضفة الغربية بعدة عمليات إطلاق نار أدت إلى مصرع وجرح عدد من المستوطنين.

ومنذ بداية العام الجاري، رصد مركز المعلومات الفلسطيني “معطى” أكثر من 169 عملاً مقاوماً في بلدة حوارة، أسفرت عن مصرع ثلاثة مستوطنين، وجرح 16 آخرين.

وكانت عملية الشهيد عبدالفتاح خروشة، التي أسفرت عن مصرع مستوطنين اثنين بتاريخ 26-2-2023 من أبرز العمليات.

وشملت أعمال المقاومة في حوارة 28 عملية إطلاق نار، وثلاث عمليات دهس، وعملية طعن واحدة، وسبع عمليات حرق منشآت وآليات وأماكن عسكرية، و17 تحطيم مركبات ومعدات عسكرية صهيونية، وإلقاء زجاجات حارقة ومفرقعات نارية تسع مرات.

كما شهدت البلدة 44 نقطة مواجهة مع قوات العدو الصهيوني، و19 تصدي لاعتداء المستوطنين، و36 إلقاء حجارة، بالإضافة إلى خمس مظاهرات منددة بحصار البلدة والتضييق عليها.