السياسية:

قرار موافقة “البنتاغون” رسمياً على تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية المحظوة أثار صدمة لدى التحالف الدولي لحظر القنابل العنقودية الذي أكد أنه سيتسبّب بضرر كبير على المدنيين الأوكرانيين، وموسكو تقول إنّ دعوات أميركا لتخليص العالم من الأسلحة الفتاكة تحطمت.

“القرار كان صعباً للغاية”.. هكذا علّق الرئيس الأميركي جو بايدن على قرار موافقة “البنتاغون” رسمياً على تزويد أوكرانيا بذخائر “قنابل عنقودية”، بعد مشاورات مكثفة مع الكونغرس والحلفاء والشركاء.

ورغم إدراك واشنطن خطر القنابل العنقودية على المدنيين الأوكرانيين، أُعلن قرار الموافقة الرسمي لتسليم نظام كييف بهذه الذخائر إلى غاية 2024، على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان. فلماذا اختارت واشنطن هذا التوقيت بالذات؟ وهل سيؤدي ذلك إلى أي تغيير في مسار المعركة؟

ما هي القنابل العنقودية؟
“الذخائر العنقودية”، تسمى أيضاً “القنابل العنقودية”، وهي عبارة عن عُبوات تحمل عشرات إلى مئات القنابل الصغيرة، والمعروفة أيضاً باسم “الذخائر الصغيرة”.

يمكن إسقاط القنابل العنقودية من الطائرات أو إطلاقها من قاذفات الصواريخ أو المدافع البحرية أو مدافع “هاوتزر” من عيار 155 ملم، وتحمل كل عبوة 88 قنبلة صغيرة.

يبلغ مدى كل قنبلة صغيرة قاتلة نحو 10 أمتار مربعة، لذلك يمكن أن تغطي العبوة الواحدة مساحة تصل إلى 30 ألف متر مربع، اعتماداً على الارتفاع الذي تنطلق منه القنابل الصغيرة.

القنابل الصغيرة يمكنها اختراق الدروع المعدنية، و10 قنابل صغيرة قادرة على تدمير مركبة مدرعة، وإعطاب أسلحة المركبات المدرعة، بحسب ما يؤكد خبراء.

تنفتح العبوات على ارتفاع محدّد، اعتماداً على منطقة الهدف المقصود، وتنتشر القنابل الصغيرة فوق تلك المنطقة.

يتم دمج القنابل العنقودية بواسطة جهاز توقيت لتنفجر بالقرب من الأرض أو عند ارتطامها بها، ما يؤدي إلى نشر الشظايا المصمّمة لقتل الأفراد أو تدمير المركبات المدرعة والدبابات.

وعادةً ما تطلق الذخائر العنقودية، عدداً كبيراً من القنابل الصغيرة الأقل حجماً لتقتل أشخاصاً على مساحة كبيرة بشكلٍ عشوائي، ما يهدّد حياة المدنيين خصوصاً.

تُعدّ الذخائر العنقودية خطرة، لأنّها تنثر “قنابل صغيرة” عبر مناطق شاسعة يمكن ألا تنفجر عند الاصطدام، لكنها قد تشكل خطراً طويل الأمد لأي شخص يواجهها، على غرار الألغام الأرضية.

لماذا تثير القنابل العنقودية الجدل؟

وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر فإنّ ما بين 10% إلى 40% من الذخائر لا تنفجر بعد إطلاقها، ما يعني أنها ستستقر وتبقى في المنطقة المستهدفة، وربما تؤدي لخسائر في صفوف المدنيين مستقبلاً، وهو ما حصل فعلاً في عدة أماكن حول العالم.

انضمت نحو 123 دولة بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى اتفاقية تحظر استخدام القنابل العنقودية ( الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ في آب/أغسطس 2010)، والتي وافقت على عدم استخدام أو إنتاج أو نقل أو تخزين الأسلحة وإزالتها بعد استخدامها. فيما لم توقّع الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوكرانيا على هذه الاتفاقية.

نوع القنابل العنقودية التي ستمنحها أميركا لأوكرانيا.. ولماذا هذا التوقيت؟
لا شك أن توقيت هذا القرار، لا يمكن فصله عن الخسارة الفادحة التي منيت بها أوكرانيا مؤخراً خلال هجومها المضاد، هذه الخسارة التي تحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولم يخفها الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في أكثر من تصريح، ووصفه بالهجوم الصعب، وإرجاع ذلك إلى سوء إلى حالة الطقس.

ولكن الخسارة الأوكرانية الميدانية واضحة منذ بداية العملية العسكرية الروسية، وهو ما يطرح سؤالاً لماذا الآن؟

وفق الجيش الأميركي، فإنّ الذخائر العنقودية ستكون مفيدة لأوكرانيا في صدّ هجمات القوات الروسية البرية، من أجل تغطية العجز الذي يعانيه نظام كييف في نقص الذخيرة، والذي تكشّف خصوصاً في هجومها المضاد الأخير.

تحتاج كييف على الأرجح إلى إطلاق ما بين 7 آلاف إلى 9 آلاف طلقة يومياً فى قتال مضاد مكثف وفق خبراء عسكريين . توفير هذا العدد يضع ضغوطاً كبيرة على أميركا وحلفائها.

وبما أن الولايات المتحدة لم تستخدم هذه القنابل منذ غزوها للعراق فإن لديها كميات كبيرة منها في المخازن يمكنها الوصول إليها بسرعة.

ويتم إطلاق الذخائر بأسلحة المدفعية نفسها التي قدّمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بالفعل لأوكرانيا للحرب – مثل مدافع الهاوتزر – ونوع الذخيرة العنقودية التي تخطط الولايات المتحدة لإرسالها يعتمد على مقذوف معتاد من عيار 155 ملم، مما يجعلها ذخيرة مفضّلة للقوات البرية الأوكرانية التي تحاول ضرب أهداف روسية من مسافة بعيدة.

وتحاول الولايات المتحدة من ذلك الضغط على روسيا، ومساعدة كييف في تحقيق أي نصر ميداني يمكن استخدامه كورقة ضغط في المفاوضات.

وتُعد الولايات المتحدة أكبر منتج في العالم للقنابل العنقودية المعروفة باسم “DPICM”، أو “الذخائر التقليدية المحسّنة ثنائية الغرض”، بمخزون يقدّر بـ800 مليون من الذخائر الصغيرة، نقلاً عن وثائق الكونغرس الأميركي، والتي لم تعد تستخدمها واشنطن بعد إعلانها “التخلّص التدريجي” منها عام 2016. وزعمت أنها ستحظرها اعتباراً من عام 2018، وهو ما لم يحصل.

رسالة أرسلت في آذار/مارس الماضي، من قبل أعضاء جمهوريين في الكونغرس إلى البيت الأبيض ذكرت أنّ الولايات المتحدة قد يكون لديها ما يصل إلى 3 ملايين من الذخائر العنقودية المُتاحة للاستخدام، وحثّت إدارة بايدن على إرسال هذه الذخائر لكييف لتخفيف الضغط على إمدادات الحرب لأوكرانيا.

ويشير خبراء إلى أنّ هذه القنابل العنقودية يمكن أن تساعد أوكرانيا على تدمير المزيد من الأهداف الروسية بعدد أقل من الذخائر.

أوكرانيا كانت قد طلبت من الولايات المتحدة أن تزوّدها بالقنابل العنقودية، بعدما أوشكت قذائف المدفعية للقوات الأوكرانية على النفاد، نظراً لاستخدامها بكميات غير عادية، خاصة في هجومها المضاد الأخير وما تكبّدته من خسائر فادحة، وهو ما صعّب على الحلفاء الغربيين لكييف الوفاء بمتطلباتها من تلك القذائف في الوقت المحدد.

ويزيد من أهمية القنابل العنقودية حالياً أنّ المدفعية تحولت إلى سلاح رئيسي في جبهات القتال الثابتة جنوبي وشرقي أوكرانيا. وينفذ الأوكرانيون في الوقت الراهن مهمة شاقة تتمثّل في محاولة إجبار القوات الروسية على التراجع من مواقعهم الدفاعية الحصينة والممتدة على طول جبهة القتال المقدّرة بنحو 1000 كيلومتر.

ووسط عدم وجود كميات كافية من قذائف المدفعية، طلبت أوكرانيا من الولايات المتحدة إعادة تزويدها بقنابل عنقودية لدعم مخزونها من هذه الأسلحة التي تريد استخدامها في استهداف المشاة الروس، القائمين على حراسة الخنادق الدفاعية والنقاط الحصينة.

كذلك لفتت وسائل إعلام أميركية إلى أنّ أوكرانيا وسّعت نطاق طلبها إلى الولايات المتحدة ليشمل الذخائر العنقودية المحمولة جواً من طراز “MK-20″، والتي تريد كييف إسقاط بعضها من الطائرات المسيرة.

روسيا: دعوات أميركا لتخليص العالم من الأسلحة الفتاكة تحطمت
وفي أول تعليق رسمي روسي، على إعلان واشنطن تزويد كييف بالقنابل العنقودية المحظورة، دعت السفارة الروسية في واشنطن، الولايات المتحدة، إلى “عدم لعب ورقة العداء لروسيا، وعدم تسييس أنشطة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”.

وشددت السفارة الروسية على أنّ “الدعوات الأميركية لتخليص العالم من أهوال استخدام الأسلحة الفتاكة تحطمت بقرار إمداد أوكرانيا بالذخائر العنقودية”.

وأكّد النائب في مجلس الدوما الروسي عن القرم، سيرغي تسيكوف، أنّ استخدام القنابل العنقودية الأميركية في أوكرانيا، يمكن أن يتسبب بموت جماعي للسكان المدنيين، معرباً عن أمله في “أن تعمل قواتنا المسلحة على تدمير هذه الذخائر قبل المباشرة باستخدامها”.

فيما قال الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إنّ “إمداد الولايات المتحدة أوكرانيا بالذخائر العنقودية سيكون خطوة أخرى نحو تصعيد الصراع”.

التحالف الدولي لحظر القنابل العنقودية
تزويد واشنطن أوكرانيا بالذخائر العنقودية أحدث “صدمة كبيرة ” لدى التحالف الدولي لحظر الذخائر العنقودية، الذي يسعى لحظر هذا النوع من الأسلحة، وعبّر عن صدمته إزاء قرار واشنطن الأخير.

وقال نائب رئيس مجلس إدارة التحالف، بول هانون، في بيان إنّ “قرار إدارة جو بايدن بتسليم الذخائر العنقودية سيؤدي إلى تكبّد ضحايا رهيبة بين السكان المدنيين الأوكرانيين، سواء على الفور بعد استخدامها أو على مرّ السنين”.

وأضاف هانون أنّ “استخدام الذخائر العنقودية يزيد من تلوث أوكرانيا الشامل بالمخلفات المتفجرة والألغام الأرضية”، مشدداً على أنّ الدول المشاركة في اتفاقية الذخائر العنقودية “يجب أن تعارض أي نقل أو استخدام لهذا النوع من الأسلحة بسبب الضرر الكبير على السكان المدنيين”.

هل ستغيّر القنابل العنقودية مسار الحرب في أوكرانيا؟
القنابل العنقودية التي ستقدمها واشنطن إلى كييف لن تساعد أوكرانيا على تغيير ميزان القوى بسبب نقص تدريب القوات المسلحة الأوكرانية ونقص الخبرة المناسبة. هذا ما صرّح به المقدم في الجيش الأميركي، دانيال ديفيس، في مقاله المنشور في “19fortyfive” قائلاً: “يمكنني التأكيد من خلال تجربتي الشخصية أنّ الذخائر العنقودية قوية بالفعل، لكنها في حد ذاتها لن تغيّر ميزان القوى في الصراع لصالح أوكرانيا”.

ووفقاً لديفيس، “لن تتمكن القوات المسلحة من الاستفادة من هذه الذخيرة بسبب نقص التدريب، ونقص الخبرة المناسبة بين الضباط، وقلّة الوقت لإنشاء تشكيلات أسلحة مشتركة متماسكة ومجهّزة”.

ورأى أنّ “توريد الذخائر العنقودية، مهما كانت فتاكة أكثر من القذائف شديدة الانفجار من عيار 155 ملم، لن تغير نتيجة الهجوم الحالي… يمكن قول الشيء نفسه عن “أف-16 ” والصواريخ بعيدة المدى، التي يمكن توفيرها في نهاية هذا العام”.

توقيت تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية جاء، بعد قرار سابق لواشنطن بإرسال حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا، من ضمنها طائرات “أف-16” الأميركية الصنع. وإعلان بريطانيا وهولندا أيضاً إطلاق “تحالف دولي” للمساعدة في شراء هذه المقاتلات لتغيير مسار المعركة لصالح كييف. لكن الخبير الاستراتيجي والعسكري العميد المتقاعد شارل أبي نادر كان قد أكّد في حديث سابق إلى الميادين نت، أنّ هذا الأمر” يتطلب تدريب القوات الجوية الأوكرانية على هذه الطائرة فترة أربعة أشهر، وهي طبعاً فترة غير قصيرة، ناهيك بأنّ قاذفات (أف-16) تحتاج إلى مطارات مجهزة غير تقليدية مثل التي في أوكرانيا، وهنا ستكون السيطرة حالياً للروس داخل الأراضي الأوكرانية، نظراً لما تملكه من قاذفات استراتيجية مثل قاذفات “سو-35” أو الصواريخ النوعية “كينغال” و”سارمات”، وبالطبع لن تقبل روسيا أن تكون هناك مطارات داخل أوكرانيا تنطلق منها قاذفات (أف-16)”. وفق أبي نادر.

ويكشف تزويد الولايات المتحدة أوكرانيا بالذخائر العنقودية عن النفاق الأميركي، وهو ما أكده جير الدي، وهو ضابط سابق في جهاز المخابرات التابع للقوات المسلحة الأميركية بقوله: “هذا يدل مرة أخرى على نفاق إدارة بايدن، التي ندّدت في وقت مبكر من العام الماضي باستخدام مثل هذه الأسلحة المنسوبة إلى روسيا”.

ويشدد الضابط الأميركي على أنّ هذه الذخائر لن تضمن النصر لأوكرانيا، التي تخسر هجوماً مضاداً مدعوماً بنشاط من قبل “الناتو”، وأوروبا والولايات المتحدة، ولكنها ستقتل السكان المدنيين، و”أجزاؤها غير المنفجرة ستكون لعنة على الأراضي الزراعية لسنوات عديدة”.

نبذة عن معاهدة لحظر القنابل العنقودية
دخلت اتفاقية حظر القنابل العنقودية المعروفة بـ”اتفاقية أوسلو” حيز النفاذ في الأول من آب/أغسطس 2010. ويبلغ عدد الدول الأطراف فيها حتى اليوم نحو 107 دول.

اعتمدت الاتفاقية في دبلن في 30 أيار/مايو 2008، ووافقت عليها في بادىء الأمر 46 دولة بينها أفغانستان، ووُقّعت في أوسلو في 3 و4 كانون الأول/ديسمبر 2008.

كذلك وقّعت 22 دولة من الدول الأعضاء الـ29 في حلف شمال الأطلسي “الناتو” الاتفاقية، بينها المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا التي تملك كلّ منها مخزونات تقدّر بـ50 مليون قنبلة انشطارية.

ويقدّر التحالف ضد الأسلحة الانشطارية المخزون العالمي بأكثر من مليار قنبلة، لكن قوى عسكرية عظمى، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، إضافةً إلى الاحتلال الإسرائيلي، تملك القسم الأكبر منها، رفضت حتى اليوم التوقيع على الاتفاقية.

ووفقاً للمادة الـ2 من هذه الاتفاقية، فإنه يُراد بتعبير “الذخيرة العنقودية” الذخيرة التقليدية التي تُصمّم لتنثر أو تطلق ذخائر صغيرة متفجرة يقل وزن كل واحدة منها عن 20 كيلوغراماً، وهي تشمل تلك الذخائر الصغيرة المتفجرة.

هذه المعاهدة أثارت أمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات غير الحكومية، التي تقوم بحملة ضد استخدام هذه الأسلحة الفتّاكة، بأن يرغم تطبيقها القوى العسكرية الكبرى على التخلي عن استخدامها.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة السابق حينها بان كي مون أنّ هذه الاتفاقية تشكّل “تقدّماً مهماً” لتخليص العالم من هذه الأسلحة “القذرة”.

استخدمت هذه الأسلحة خصوصاً خلال حرب فيتنام والبلقان وكذلك في جنوب لبنان في 2006، وما زالت تتسبّب بسقوط ضحايا مدنيين.

* المصدر: الميادين نت
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر