السياسية:

 

 
بعد عدة أسابيع من الدعاية الإعلامية الصهيونية لتنفيذ عمليات عسكرية في الضفة الغربية، أخيراً هاجم الجيش الصهيوني، يوم الاثنين الماضي، مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية من البر والجو، فيما يعتبر أكبر عملية منذ الانتفاضة الثانية.

وأعلنت قناة “كان” العبرية أن حجم مشاركة الجيش الصهيوني في الهجوم البري على جنين غير مسبوق منذ الانتفاضة الثانية حتى اليوم. وذکرت وسائل إعلام فلسطينية أن أكثر من 30 غارة جوية نفذتها طائرات مسيرة وطائرات مروحية خلال هجوم الکيان الصهيوني على مخيم جنين.

وأعلنت وسائل الإعلام العبرية أن العملية العسكرية ضد جنين ستستمر على الأرجح لمدة يومين، لكن عواقبها قد تمتد إلى جبهات أخرى. وفي تبرير للهجوم، زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنه دمّر في هذا الهجوم البنى التحتية ومقار وغرف عمليات الفصائل الفلسطينية، وصادر أسلحة وقنابل محلية الصنع.

کما أفادت وسائل إعلام صهيونية بأن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء هذا الکيان، يراقب بنفسه تقدم هذا الهجوم الشامل، ويتلقى تقارير استخباراتية حول تقدم الهجوم العسكري في كل لحظة.

وأعلنت وسائل الإعلام الصهيونية، نقلاً عن مصادرها في المؤسسات الأمنية التابعة للکيان، أن نحو ألف جندي من الجيش سيبدؤون المرحلة الثانية من عملياتهم في جنين. وفي هذا الصدد تتحدث الأنباء عن إخلاء سكان مخيم جنين، لكن جرافات جيش الاحتلال دمرت بعض أحياء هذه المنطقة، وأغلقت مداخلها ومخارجها.

لقد استخدم الکيان الصهيوني كل وحداته العسكرية لتحقيق أهدافه في جنين. ومن أجل زيادة عدد القتلى الفلسطينيين وإثارة الرعب بينهم، استهدف الصهاينة المستشفيات كالمعتاد حتى تتأخر أعمال الإغاثة.

في اليوم الأول من الهجمات على جنين، استشهد 11 شخصًا وأصيب أكثر من 50 آخرين. وقال رئيس مستشفى جنين الحكومي: “منذ عام 2002 وحتى اليوم، لم نستقبل هذا العدد من الجرحى في المستشفى. ويخاطر موظفو المستشفى بحياتهم لإنقاذ الجرحى في جنين.

كما أعلن رئيس الهلال الأحمر الفلسطيني: “أن حجم الدمار الذي أحدثته الجرافات الصهيونية في جنين كبير، ولهذا السبب لم نتمكن من الوصول إلى الجرحى والعناية بهم”.

مفاجأة المقاومة للصهاينة

اعتقد الصهاينة أن بإمكانهم تدمير مجموعات المقاومة وضمان أمن المستوطنين بهجوم كبير ومفاجئ على جنين، لكن هذه الحسابات تبين أنها خاطئة، ولم يقف الفلسطينيون مکتوفي الأيدي في وجه الجيش المدجج بالسلاح، وكانوا قادرين على توجيه ضربات للکيان.

أعلنت كتيبة جنين أن مقاتليها تمكنوا من إسقاط الطائرة الثالثة للمحتلين والسيطرة عليها. كما أعلنت هذه المجموعة نجاح وحدتها الهندسية في تفجير عبوة ناسفة تسمى “طارق 1” في مسار رتل لدوريات الجيش الصهيوني حول مخيم جنين، ما أدى إلى تعطيل آلية عسكرية وإلحاق أضرار بمركبات أخرى. من جهة أخرى، أفشل مقاتلو جنين محاولة الجيش الصهيوني التقدم في محور الدمج بعد صراع عنيف معهم.

وأعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في مخيم جنين: “مقاتلو كل الفصائل الفلسطينية يقاتلون جنود الاحتلال في أزقة مخيم جنين، وأوقعوا إصابات بهم. كما وقع عدد من جنود العدو في كمين منسق من قبل الأفرع العسكرية لجماعات المقاومة أثناء محاولتهم التقدم”.

كما أعلنت جماعة “عرين الأسود” دخولها إلى مخيم جنين للقتال إلى جانب مجموعات مقاومة أخرى، وطلبت من كل من لديه أسلحة ولا يستطيع الوصول إلى جنين الاشتباك مع الاحتلال أينما كانوا. ورداً على العدوان الشامل من قبل الكيان الصهيوني، أعلنت جماعة “كتيبة جنين” أن الوقت قد حان لتتحول فلسطين كلها إلى جحيم للمحتلين.

لم تكن مفاجأة الفلسطينيين دون تكلفة على الكيان الصهيوني، وأعلن مسؤولو الجيش الإسرائيلي مقتل جنديين من هذا الکيان وإصابة ثلاثة آخرين في المواجهات مع قوات المقاومة.

لكن هذه لن تكون نهاية القصة بالنسبة للصهاينة، وكل فصائل المقاومة بدورهم حذروا الاحتلال من عواقب وخيمة تنتظره. وفي هذا الصدد، قالت كتائب عز الدين القسام في غزة للغزاة إن دخول جنين متروك لكم، لكننا سنحدد خروجكم وكل الخيارات مطروحة للرد على عدوان الغزاة واحتوائهم.

كما قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي السيد زياد النخالة ردًا على هجوم الصهاينة على جنين: إن “ما يجري في جنين هو قتل الشعب الفلسطيني على يد العدو الصهيوني، وجماعات المقاومة تواصل واجبها في وقف هذا القتل”.

بالنظر إلی التحذيرات الصارمة لقادة حماس والجهاد الإسلامي لتل أبيب، فإن الصهاينة قلقون من أنه إذا استمرت العملية لفترة طويلة، ستفتح غزة جبهةً ثانيةً ضد الأراضي المحتلة. لأن إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه المستوطنات الصهيونية سيجعل الأمر صعبًا على الکيان، ولهذا السبب قاموا بنشر نظام القبة الحديدية حول قطاع غزة.

افتعال الإنجازات الكاذبة

بدعوى تدمير العديد من البنى التحتية ومستودعات الذخيرة في جنين، تحاول السلطات الصهيونية جعل عملياتها تبدو ناجحةً، من أجل إرسال رسالة للمستوطنين المذعورين بأنهم سيكونون في مأمن من العمليات الفلسطينية من الآن فصاعدًا.

لكن هذه الادعاءات الكاذبة أثيرت من قبل في قطاع غزة، حول تدمير البنى التحتية العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي، لكن هذه المجموعات لم تضعف فقط، بل أصبحت الآن مجهزةً بأسلحة تمر عبر أنظمة القبة الحديدية ومقلاع داود، والتي سلبت النوم من أعين سلطات تل أبيب.

لقد توصل الصهاينة أنفسهم إلى الاعتقاد بأنهم لم يعودوا قادرين على وقف تقدم صواريخ غزة، وبالتالي فهم يحاولون منع الضفة الغربية وخاصةً جنين من أن تصبح غزة ثانية.

يخشى الصهاينة أنه إذا أصبحت جنين معقل المقاومة التالي، فلن يناموا بعد الآن هادئين، وبما أن فصائل المقاومة في الضفة الغربية لا تزال ناشئةً، يحاول الصهاينة القضاء عليها قبل أن تصبح حماس وجهاد إسلامي أخرى في هذه المنطقة.

النقطة المهمة في الوضع الأمني ​​للضفة الغربية ومجموعات المقاومة المتمركزة هناك، هي أنه عندما دخلت مقاومة غزة المرحلة المسلحة ضد المحتلين، بدأت من الصفر وعملت بجد لسنوات للوصول إلى القدرة الحالية، لكن بفضل حماس والجهاد الإسلامي لا تحتاج الضفة الغربية إلى بناء أسلحتها في فترة طويلة، بل إنجازات غزة سيتم تقديمها بسهولة لفلسطينيي الضفة الغربية، وقادة غزة أنفسهم قالوا إنهم سوف يسلحون الضفة الغربية. لذلك، يمكن لمقاومة جنين أن تشن الجبهة الثانية ضد الغزاة بكامل قوتها، وهذا هو الهاجس الأكبر لسلطات تل أبيب.

أثارت التطورات في جنين مصدر قلق الاحتلال، عندما أطلق صاروخ من هذه المنطقة باتجاه الأراضي المحتلة لأول مرة الأسبوع الماضي. والمسألة التي تقلق الصهاينه ليست إطلاق صاروخ، بل من أين حصلوا على القوة لصنع هذا السلاح، وهذه الفرضية شغلت أذهان متطرفي الحكومة الصهيونية.

نتنياهو وأصدقاؤه يخشون أن يتمكن الفلسطينيون في هذه المنطقة من الحصول على قوة صاروخية كما في غزة، وفي هذه الحالة ستكون جميع الأراضي المحتلة في مرمى المقاومة. حتى قادة الجهاد الإسلامي قالوا مؤخرًا إنهم سيسلحون الضفة الغربية ووعدوا بتشكيل كتائب في الضفة، ما يدل على أن زمام المبادرة في الميدان بيد المقاومة.

إن تسليح الضفة الغربية هو أكبر تهديد للکيان الصهيوني، وخاصةً إذا تمكنت الفصائل في غزة من تسليح الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنطقة، وعلی وجه التحديد أولئك الذين يعارضون التسوية في منظمة السلطة الفلسطينية.

“جنين” مقبرة المحتلين

سبب خوف الصهاينة من بلدة جنين الصغيرة، إضافة إلى كونها قاعدة مقاومة في الضفة الغربية، يعود إلى الموقع الجغرافي الخاص لهذه المنطقة.

جنين التي تعرف أيضاً بمخيم اللاجئين تقع شمال الضفة الغربية، وتعتبر هذه المدينة نقطة وصل لطرق الاتصال المؤدية إلى مدن حيفا والناصرة ونابلس والقدس.

والنقطة المهمة بالنسبة لمدينة جنين هي أنها على مدار تاريخ فلسطين تعتبر القاعدة الأساسية للمقاومة ضد احتلال القوى الغربية وخاصةً بريطانيا، وبعد ذلك الکيان الصهيوني. أيضًا، في عام 1935، تم تشكيل الحلقة الأولى للمقاومة المسلحة المنظمة في فلسطين على يد الشيخ “عزالدين قسام”، أحد أبرز رموز المقاومة ضد الاحتلال البريطاني، في جنين.

يذكرنا الهجوم على جنين بالمعركة الشهيرة للمقاومة الفلسطينية عام 2002، والمذبحة المروعة التي ارتكبها الکيان الإسرائيلي في مخيم جنين في ذلك الوقت. حيث شكّل مقاتلو المقاومة غرفة عمليات مشتركة، وقاموا بتجهيز 200 من المقاومين المسلحين بالأسلحة والعبوات الناسفة.

في ذلك الوقت، تمكن المقاومون من قتل 13 جنديًا إسرائيليًا وإصابة 15 آخرين بنصب كمائن ناسفة في الأزقة الخلفية للمخيم، وربما يعيد التاريخ نفسه هذه المرة. ولا شك أن أي عمليات ضد الكيان الصهيوني ستنفذ بقرارات غرفة العمليات المشتركة للمقاومة، التي زادت تعاونها مؤخرًا من أجل مهاجمة الاحتلال بشكل أكثر تنسيقًا.

المزاعم الصهيونية بأن هذه العملية قصيرة قد تكون حيلةً لمنع انتشار ردود الفعل الفلسطينية والدولية، وجعل المقاومين الفلسطينيين يرغبون في إنهاء كيان “إسرائيل” دون استعدادات طويلة الأمد. لكن المقاومة ضد هجمات الکيان الصهيوني المكثفة لن تبقى صامتةً، وهذه المرة كل الجماعات تقف سويةً ويمكنها أن توجه ضربةً مروعةً للکيان الصهيوني بتعاونها.

في ظل الوضع الحالي، فإن هجوم الجيش الصهيوني علی جنين نابع من اليأس، لأنه لم يستطع وقف العمليات الاستشهادية للفلسطينيين، وبدأ عمليةً وحشيةً حتى يتمكن من تدمير البنية التحتية العسكرية للمقاومة في الضفة الغربية.

لكن التجربة أظهرت أنه حتى مع هذه العملية المكثفة، فلا يمكنهم سد طريق المقاومة، وحقيقة أنهم ليسوا مستعدين لمواصلة عمليتهم لأكثر من يومين أو ثلاثة أيام، تظهر أن سلطات تل أبيب فقدت المبادرة ضد الفلسطينيين، وتخشى مواجهةً طويلة الأمد على عدة جبهات.

* المصدر: الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع