“يوم النكبة” مرآة لـ 75 سنة من المعاناة الفلسطينية
السياسية:
يحيي فلسطينيون ومناصرون للقضية الفلسطينية اليوم الذكرى 75 للنكبة، وكلهم تصميم وتمسك بحقهم في العودة إلى وطنهم المسلوب، مؤكدين أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن ذاكرة شعبهم وأجيالهم حية ولن تنسى ولن تتنازل مهما طال الزمان وبلغت التضحيات.
في 15 مايو من كل عام يحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة، وهو الاسم الذي يطلقونه على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948، وهي السنة التي طردت فيها إسرائيل الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه ووطنه. وقبل 75 عاما احتلت معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية بدعم من الاحتلال (الانتداب) البريطاني، وطرد أكثر من 800 ألف فلسطيني لجؤوا إلى عدة بلدان مجاورة، وكانوا يشكلون آنذاك حوالي نصف الشعب الفلسطيني، ووصل عددهم الآن نحو 7 ملايين لاجئ، يعيش معظمهم في مخيمات الشتات بالضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المضيفة لهم. كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وتم هدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية.
30 سنة بعد أوسلو
تجدر الإشارة إلى أن هذا العام يصادف أيضا الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقات أوسلو، لعام 1993، بين زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين. كانت مصافحتهما أمام الكاميرات في البيت الأبيض، وتقاسمهما لجائزة نوبل للسلام، بمثابة الكرزة على كعكة “النظام العالمي الجديد”، نظام “السلام” و”الرخاء” الذي بشرت به الإمبريالية الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لكن اليوم إذا أراد أي شخص الاحتفال بمرور ثلاثين عاما على اتفاقيات أوسلو، وهو أمر بعيد الاحتمال، فإنه لن يكون مبتهجا للغاية. أعلنت تلك الاتفاقات ميلاد السلطة الفلسطينية. وفي المقابل ضمنت منظمة التحرير الفلسطينية نهاية المقاومة، والتزمت بفرض نظام تقوم فيه بضبط شعبها نيابة عن إسرائيل.
وكما سبق للماركسيين أن حذروا في ذلك الوقت، فقد كانت اتفاقيات أوسلو فخا مشؤوما دخلته القيادة الفلسطينية طواعية. ليس للسلطة الفلسطينية أي استمرارية ترابية، فهي مقسمة إلى 165 “جزيرة” فلسطينية تخضع لإدارة مدنية كلية أو جزئية من قبل السلطة الفلسطينية، إضافة إلى منطقة متجاورة (تمثل 60% من الأراضي) تخضع للاحتلال الإسرائيلي المباشر. إسرائيل هي من تقرر كمية الكهرباء والماء والإمدادات الطبية، وتعمل باستمرار على خنق أي تطور محتمل. بل إن إسرائيل تعمل حتى على جمع عائدات الجمارك نيابة عن السلطة الفلسطينية، لكنها ترفض تحويل تلك الأموال إلى الفلسطينيين. إلا أن الوضع في غزة المحاصرة أسوأ بكثير. ففي ما يعتبر حقا سجنا ضخما في الهواء الطلق تحت سيطرة كل من إسرائيل ومصر، يعيش 53% من السكان تحت خط الفقر. الغارات والتفجيرات الإسرائيلية تدمر بشكل دوري البنية التحتية المتناثرة وتمنع إصلاحها.
النكبة تطهير عرقي
شكلت أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، لما مثلته وما زالت من عملية تطهير عرقي حيث تم تدمير وطرد شعب بكامله وإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه، وتشريد 957 الف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1,300 قرية ومدينة فلسطينية، حيث انتهى التهجير بغالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلا عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أخضعت لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي عام النكبة، وما تلاها بعد طردهم من منازلهم والاستيلاء على أراضيهم. وسيطر الاحتلال الإسرائيلي خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، حيث تم تدمير 531 منها بالكامل وما تبقى تم اخضاعه الى كيان الاحتلال وقوانينه، وقد رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 51 مجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطيني، وما زالت المجازر مستمرة حتى يومنا هذا.
تضاعف الفلسطينيون نحو 10 مرات
بلغ عدد السكان في فلسطين التاريخية عام 1914 نحو 690 ألف نسمة، شكلت نسبة اليهود 8% فقط منهم، وفي عام 1948 بلغ عدد السكان أكثر من مليونين حوالي 31.5% منهم من اليهود، وتدفق بين عامي 1932 و1939 أكبر عدد من المهاجرين اليهود، وبلغ عددهم 225 ألف يهودي، وتدفق على فلسطين بين عامي 1940 و1947 أكثر من 93 ألف يهودي، وبهذا تكون فلسطين قد استقبلت بين عامي 1932 و1947 ما يقرب من 318 ألف يهودي، ومنذ عام 1948 وحتى عام 2022 تدفق أكثر من 3.3 ملايين يهودي. ورغم تهجير نحو مليون فلسطيني عام 1948 وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب حزيران 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم 14.3 مليون نسمة في نهاية عام 2022، ما يشير الى تضاعف عدد الفلسطينيين نحو 10 مرات منذ أحداث نكبة 1948، حوالي نصفهم (7.1 ملايين) نسمة في فلسطين التاريخية (1.7 مليون في المناطق المحتلة عام 1948).
وتشير التقديرات السكانية إلى أن عدد السكان بلغ نهاية 2022 في الضفة الغربية “بما فيها القدس” 3.2ملايين نسمة، وحوالي 2.2 مليون نسمة في قطاع غزة، وفيما يتعلق بمحافظة القدس فقد بلغ عدد السكان حوالي 487 ألف نسمة في نهاية عام 2022، منهم حوالي 65% (حوالي 314 آلاف نسمة) يقيمون في مناطق القدس(، والتي ضمها الاحتلال الإسرائيلي إليه عنوة بعيد احتلاله للضفة الغربية عام 1967. وبناء على هذه المعطيات، فإن الفلسطينيين يشكلون 50.1% من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية، فيما يشكل اليهود ما نسبته 49.9% من مجموع السكان ويستغلون أكثر من 85% من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية (البالغة 27,000 كم2).
مئة ألف شهيد منذ نكبة 1948
بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم (داخل وخارج فلسطين) نحو مئة ألف شهيد، فيما بلغ عدد الشهداء منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى 31/12/2022 حوالي 11,540 شهيدا. ويشار إلى أن عام 2014 كان أكثر الأعوام دموية، وسقط خلاله 2,240 شهيدا منهم 2,181 استشهدوا في قطاع غزة غالبيتهم استشهدوا خلال العدوان على قطاع غزة، أما خلال عام 2022 فقد بلغ عدد الشهداء في فلسطين 231 شهيدا منهم 56 شهيدا من الأطفال و17 سيدة، فيما بلغ عدد الجرحى نحو 10 آلاف جريح.
أكثر من مليون حالة اعتقال منذ عام 1967
بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي 4,900 أسير حتى نيسان عام 2023 (منهم 160 أسيرا من الأطفال، إضافة إلى 31 أسيرة)، أما عدد حالات الاعتقال فبلغت خلال عام 2022 باعتقال حوالي 7,000 مواطن في كل الأراضي الفلسطينية من بينهم نحو 882 طفلا و172 سيدة، فيما بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري بحق مواطنين لم توجه لهم أي تهمة 850 امرا.
النضال من أجل الثورة
هذه مجرد لقطات افتتاحية لأزمة أكبر بكثير، هي أشد أزمة واجهتها إسرائيل منذ عقود. تنفتح انقسامات حادة في الطبقة السائدة الصهيونية، ما يقوض دعمها الخارجي.
إن أولويات الإمبريالية الأمريكية تتغير، حيث تشتت انتباهها بالحرب في أوكرانيا وتزايد الاحتكاك مع الصين. كما أن الدور الذي لعبته الصين في التوسط في صفقة بين العدوين اللدودين، السعودية وإيران، لا بد أن يكون له تأثير على علاقة القوى في المنطقة، ما سيخلق الضغط على إسرائيل. يؤدي ارتفاع اللامساواة والتضخم إلى ضرب مستويات معيشة العمال الإسرائيليين، وتكشف لهم الهوة التي توجد بينهم وبين الرأسماليين.
تختمر الأزمات والحركات الثورية في كل الشرق الأوسط، وانتفاضة جديدة ستفضح نظام الاحتلال وتهزه من أساسه. دولة إسرائيل، اليوم، هي حليف موثوق للولايات المتحدة. إنها ركيزة أساسية للرجعية الإمبريالية في الشرق الأوسط، على الرغم من أن سياسات نتنياهو تقوض ذلك. إنها دولة رأسمالية قوية، يقوم فيها حكم البرجوازية الصهيونية على أساس قمع الشعب الفلسطيني، بدعم من الإداريين البرجوازيين الصغار للسلطة الفلسطينية المنهارة. هذه هي سلسلة القهر التي يجب كسرها. وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا كجزء من حركة أوسع للإطاحة بالرأسمالية في المنطقة.
لا يمكن القضاء بشكل نهائي على اضطهاد الفلسطينيين إلا بإنشاء فيدرالية اشتراكية للشرق الأوسط -كخطوة أولى نحو بناء فيدرالية اشتراكية عالمية. يمكن للاقتصاد المخطط ديمقراطيا أن يوفر الموارد اللازمة لضمان حياة أفضل لجميع شعوب المنطقة، ويضع الأساس المادي للتحرر الحقيقي للفلسطينيين واليهود وجميع شعوب الشرق الأوسط، والقضاء على الكابوس الإمبريالي الحالي.
* المصدر: موقع الوقت التحليلي
* المادة نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر عن رأي الموقع