المقاومة الموحّدة تؤسّس لشرق جديد
موفق محادين *
إنّ ما يصنع التاريخ اليوم في الشرق الأوسط، جغرافيا جديدة معمّدة بالدم في غرفة أرحب كثيراً من غرف الموت والصناديق السوداء، وحول طاولة مستديرة لشركاء حقاً في الدم والمسؤولية، مقابل طاولة فرسان الهيكل المتصهينة.
إذا كانت العملية العسكرية الروسية الاستباقية ضد المحمية الصهيونية النازية الأطلسية في أوكرانيا، قد تتحوّل إلى شرارة عالمية في السهل الإمبريالي الأطلسي كله، وتطلق العد العكسي لنظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، ينهي الهيمنة الإمبريالية العالمية ويحوّل نظام الدولار من قوة أميركية إلى كعب أخيل في جسد اليانكي. فإنّ ما حدث في الأيام الأخيرة وما سبقها على امتداد فلسطين كلها، قد يتحوّل إلى شرارة تاريخية تطلق العد العكسي لشرق جديد مناهض تماماً للشرق الأوسط الأميركي الصهيوني كما تخيّله شمعون بيريز والبنتاغون وأقطاب الشر والقتل والنهب في المتروبولات الرأسمالية وامتداداتها.
بلا حماسة مفتعلة أو رغبات أو أوهام معلّقة في الهواء أو تقديرات مبالغ فيها لا ترى الوقائع كما هي، بوسعنا المجازفة السياسية والقول إنّ معسكر المقاومة والممانعة أكد في الأيام الأخيرة أنه معسكر موحّد بلغ شأناً متقدّماً للغاية في تشخيص المرحلة والمنطقة والقوى المختلفة وفي اختيار التوقيت والتكتيكات والأشكال الملائمة في كل مرة، وتوزيع المهام وتقسيمها وفق خارطة طريق لم تعد تخفى على المتابعين.
كانت البداية قبل سنوات عندما أدرك هذا المعسكر أن جانباً مهماً من مواجهة الإمبرياليين والتكفيريين والعثمانيين الجدد وجماعات الغاز المسال والثورات الملوّنة، تقتضي بناء جبهة مقاومة موضوعية، تلحظ فيما تلحظ أهمية تفكيك استراتيجية “البافر-ستيتات”، الإمارات والمناطق الطائفية العازلة المسلحة المدعومة بقواعد عسكرية ونقاط لوجستية في كل الجوار.
وهي المهمة التي تكامل فيها العقل الرسمي لعواصم المقاومة والممانعة مع القادة الآخرين من السياسيين والميدانيين الكبار، مثل السيد نصر الله والقادة الشهداء، سليماني والمهندس ورفاقهم.
كانت الجغرافيا السياسية حاضرة بقوة في كل أبعادها وبدلالة التاريخ الذي راح يتأسس بقوة النار في مواجهة دامية مع تاريخ آخر آخذ في الترنّح باسم الشرق الأوسط الجديد، وسيأخذ معه بالتأكيد مطابخه الاستراتيجية التي تمّ تسويقها كمطابخ لا يطالها العفن، من التقارير السنوية لمؤتمر هرتزيليا إلى البيلدربيرغ ومعهد واشنطن وراند ونيد وكارنيجي ومطابخ سوروس وصناديقه الملوّنة لدعم الليبرالية المتوحّشة.
إنّ ما يصنع التاريخ اليوم في الشرق الأوسط، جغرافيا جديدة معمّدة بالدم في غرفة أرحب كثيراً من غرف الموت والصناديق السوداء، وحول طاولة مستديرة لشركاء حقاً في الدم والمسؤولية، مقابل طاولة فرسان الهيكل المتصهينة.
لم يكن فتية فلسطين الذين أرعبوا العدو وقواته وجواسيسه عبر عشرات العمليات البطولية في كل فلسطين ذئاباً منفردة في غابة شحيحة أو عقيمة، ومثلهم أبطال حزب الله على مدار العقود السابقة، وآخرهم بطل عملية الشمال التي عجز العدو عن تفكيك طلسمها حتى الآن.
لقد كانوا جزءاً من استراتيجية واحدة موحّدة لغرفة تصنع شرقاً موّحداً جديداً غير شرق الكانتونات الطائفية والمحميات الإمبريالية والصهيونية، شرقاً جديداً يعمّق أزمة الكيان ويدفعه آجلاً أم عاجلاً إلى مغادرة التاريخ، ويتكامل مع آوراسيا الروسية وطريق الحرير الصيني وكل الشرفاء والأحرار في عالم جديد.
ساذج من يرى أنّ ما يجري في فلسطين وجنوب لبنان، شذرات متناثرة أو مجرد رسائل سياسية محض، أو سحابة صيف عابرة. وساذج أكثر من يرى أنّ مناورة هنا أو هناك لطرف من معسكر المقاومة والممانعة مظاهر برسم الاختراق والاحتواء المزدوج.
بالتأكيد ثمة أوساط وأطراف داخل هذا المعسكر تحاول توظيف الحصار والتجويع وتعميمه والتأسيس عليه، فالجوع قد يكون كافراً أحياناً، وقد تجد أقلام الاستخبارات الأطلسية والصهيونية صدى لذلك في بعض المواقع الاجتماعية والسياسية، وقد يكون الصدى موضوعياً أحياناً، لكن البوصلة الوطنية بدلالة الموقف من الإمبرياليين والصهاينة والتكفيريين والنهابين، تبقى مرهونة بجدار التاريخ ونبضه الذي لا يخطئ ولا يثقل صدر الفقراء والمظلومين طويلاً.
شرق المتوسط اليوم، الشعوب والدول، بين خيارين لا ثالث لهما: معسكر المقاومة والممانعة وفي القلب منه غرفة القتال، ومعسكر الإمبرياليين والصهاينة. وإذا كان من أزمة ملازمة لكل من المعسكرين، فهي أزمة صعود عند المعسكر الأول وأزمة هبوط عند المعسكر الثاني.
المصدر: الميادين نت
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع