اليمن في الاتفاق السعودي-الايراني: هل أُعطيت ضمانات أمنيّة؟
السياسية :
تنفّس ولي العهد السعودي الصعداء، تلك التي كانت عالقة في جوفه منذ نيسان/ أبريل عام 2021، مع بدء أولى المحادثات في العاصمة العراقية بغداد. إلا انه لا “خواتيمَ سعيدة” باعتقاده، اذا لم تسفر المفاوضات التي تستضيفها سلطنة عمان، عن تجديدٍ للهدنة، ما يضمن جوّاً من الهدوء الحذر لأشهر ستة، قد تجهّز هذه المرّة، الأرضيّة لبدء مناقشاتٍ سياسيّة لوقف إطلاق نار شامل. يدركُ محمد بن سلمان، انَّ “بدعة محاربة النفوذ الإيراني في اليمن” قد سقطت. وهذه المرة ليست بالتقادم، بل بالواقعية السياسيّة الحادّة، التي فرضت عليه تحالفات جديدة، هو اليوم يعرضها على أنها أكبر إنجازاته.
لا ريب ان الاتفاق الإيراني-السعودي قد شكّل تحولاً دراماتيكيّاً ليس فقط على مستوى المنطقة فحسب، بل على صعيد المجتمع الدولي، خاصة وأنه قد ارتبط بمشروع ووساطة الصين، بكل ما يحمله هذا الأمر من دلالات للبيت الأبيض تحديداً، الذي ينظر إلى بكين على أنها “العدو الأول”. في حين، لا يمكن اعتبار الاتفاق على أنه إعادة تموضع، بالنسبة للعاصمتين طهران او الرياض، اذ انه لا يعدو كونه إعادة علاقات دبلوماسية بين دولتين، ولو أنهما يتمتعان بتأثير إقليمي ودولي واسع ينعكس، في الحقيقة، على عدد من الدول كلبنان وسوريا والعراق…
تُعد الساحة اليمنية ميداناً يوضح حجم الاصطفافات بين محورين. وكانت على مدى 8 سنوات تشهد نزالاً محتدماً تقف فيه واشنطن إلى جانب الرياض، سياسياً وأمنياً وعسكرياً. بعد إعلان الاتفاق، عادت الأنظار لتتوجه مجدداً إلى اليمن، كاستقراء لنتائج التقارب المُستَجِد، بعد القطيعة التي بدأت عام 2016.
كيف سيكون شكل الاتفاق بين صنعاء والرياض؟
بالنسبة لصنعاء، فقد كشفت الجولات التفاوضية السابقة -سواء تلك التي عُقدت بين الرياض وطهران في بغداد ومسقط، أو بين الرياض وصنعاء في عمان- ان النديّة قائمة كنهج ثابت في العلاقة بين كل من ايران وصنعاء. وبالتالي، فإن التعويل السعودي، على استغلال أي تقارب مع الحكومة الإيرانية، قد أثبت عدم جدواه. وهذا ما أكد عليه الجانبان الحليفان مراراً، وكُررّ أخيراً، على لسان السفير اليمني لدى طهران، إبراهيم الديلمي، الذي أشار إلى ان “السعودية وضعت الملف اليمني كأولوية في مفاوضاتها السريّة مع طهران لأكثر من مرة سواء في بغداد أو مسقط، غير أن الإيرانيين أكدوا أن علاقتهم مع صنعاء هي علاقة إخاء صادق لكن قرار صنعاء بيدها وليس في طهران”. من جهته، اعتبر عضو الوفد المفاوض، عبد الملك العجري، في تغريدة له على تويتر، ان “اليمن ليست حديقة خلفية لأحد…إن استجابة دول العدوان للمطالب العادلة والمحقة للشعب اليمني وفي مقدمتها القضايا الإنسانية ورفع الحصار وإعادة الاعمار هي المدخل المنطقي والوحيد لإعادة تطبيع العلاقات الأخوية بين اليمن والسعودية وعلى أساس الندية والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.
وبحسب مصادر مطلعة على سير المفاوضات تحدثت لموقع “الخنـادق”، فإنه “قد تم التوافق على اساسيات الاتفاق بين الجانبين والذي قد يعلن عنه خلال الأيام القادمة، تزامناً مع بداية شهر رمضان”. مشيرة إلى ان الاتفاق “يشمل صرف الرواتب وتوسيع وجهات الطيران من مطار صنعاء، ورفع القيود عن ميناء الحديدة”.
وتشير المصادر، إلى ان الاتفاق بين السعودية وايران، قد يَنتج عنه اتخاذ الأولى لقرار تقليص عدد القوات العسكرية في باب المندب والخليج ومقابل سواحل عدن، التي كانت تتولى مهمة “احباط عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية”، بعد ان أَحبط بن سلمان هذه المزاعم بنفسِه، بمصالحته مع ايران، والذي كان قد نَذر قدراته طيلة الفترة الماضية “لمحاربة نفوذها في تلك المنطقة”. كما تشير المصادر إلى ان الاتفاق قد يشمل توقيع اتفاقيات أمنية بين الجانبين، إلا انها لن تتضمن “إقامة منطقة عازلة”.
المنطقة العازلة: مصلحة سعودية صرف
كثُر الحديث خلال الأشهر الماضية، عن مطلبٍ سعوديٍّ في المفاوضات الأخيرة لتمديد الهدنة، يقضي بإعلان المنطقة الفاصلة بين البلدين بعمق 20 كيلومتراً في الأراضي اليمنية، منطقةً عازلة، تهدف الرياض من خلالها إلى الحد من مَديات الصواريخ والطائرات المسيّرة التي قد تُوجّه نحو العمق السعودي مرة جديدة.
وفقاً للقانون الدولي، تُعتبر المنطقة العازلة مساحة آمنة، تحدد من قبل الأمم المتحدة، في ظل الصراعات الداخلية او الحروب بين دولتين. وكانت قد ظهرت للمرة الأولى، بعد انتهاء الحرب العامية الثانية. وبحسب القانون، يقع جزء من هذه المساحة على أراضي الأولى وجزء آخر على أراضي الدولة الثانية، مع ضرورة إقامة حظر جوي، بموافقة مجلس الأمن، -على عكس ما تطلبه السعودية بإقامة المنطقة بأكملها على الأراضي اليمنية-.
واسقاطاً على حالة الحرب القائمة، فإن إقامة منطقة عازلة بالصورة والتوقيت الذي تطلبه الرياض، هو مصلحة سعودية صرف. اذ انه يُخبّئ بثناياه، سعياً لإعادة ترسيم الحدود ابتداءً من غربي محافظة حجة إلى اقصى شرق محافظة المهرة، بطول 1460 كيلومتراً تقريباً. في حين، ان صنعاء، لن تُقدم على تجاوز أحد خطوطها الحمراء: التنازل عن أي أرض يمنية، خاصة بما تحمله هذه البقعة من ثروات من حق الشعب اليمني. إضافة إلى ان صنعاء تدرك حجم الإنجازات التي حققتها وعوامل القوة التي راكمتها، ما فرضها طرفاً شريكاً في العملية السياسية مستقبلاً، ما يجعلها أكثر اصراراً على التعامل من موقع القوة لا من موقف ضعف، بعد التجربة الملموسة للسعودية، والنابعة من حقيقة تموضعها، كاصطفافها خلال حرب تموز عام 2006، والحرب على سوريا عام 2011 ثم حربها على اليمن.
المناورات العسكرية الأميركية-السعودية لن تتوقف
يتجه محمد بن سلمان لإعادة ترميم علاقاته مع دول المنطقة، بعدما لقّمها خلال الفترة الماضية من سم المؤامرات من سلطنة عمان وصولاً إلى الأردن وقطر وسوريا. وعلى الرغم من توتر العلاقات مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، تدرك الرياض ان واشنطن مستعدة لقلب الطاولة في البلاط، فيما لو شعرت ان ولي العهد قد سلّم مفاتيح المملكة لبكين. وبالتالي، تنقلب سياسة الاحتواء التي تتبعها الإدارة الأميركية حالياً، إلى سياسة الإقصاء، نظراً للأهمية الحيوية والاستراتيجية التي تمثّلها السعودية بالنسبة إليها، والتي تمس بشكل مباشر، بمصالح الأمن القومي الأميركي. وبالتالي، يصبح الإعلان عن مناورة عسكرية ثنائية خلال الأيام القليلة الماضية أمراً طبيعياً، خاصة وان الرياض تتطلّع إلى إعادة تطبيع العلاقات مع واشنطن ثم كيان الاحتلال.
وبحسب موقع المونتيور، يتحضّر الجانبان لإجراء مناورة “الرمال الحمراء”، ويخططان لبدء أول تدريب تجريبي لهما، لمكافحة الطائرات بدون طيار في منتصف شهر اذار/ مارس.
المصدر : موقع الاخبار اللبناني
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع