محور المقاومة يستعدّ للحرب الكبرى
السياسية- متابعات:
كانت معركة سيف القدس عام 2021 مرحلة مفصلية، أنتجت معادلة جديدة، جعلت ملامح محور المقاومة أكثر ارتباطًا، إذ أعلن الأمين العام لحزب الله عن معادلة “القدس مقابل حرب إقليمية”، فتداعت الأطراف العسكرية في المحور لتثبيتها من اليمن والعراق، وتثبيت البعد الديني والأيديولوجي وحتى البعد الوجودي لكافة الأطراف في هذه المعادلة. واللافت أن يوم القدس لعام 2022، قد شهد زخمًا قويًا في الخطابات التي حملت مضامين التماسك والدعم والالتزام، وتأكدت فيها مبادئ ارتباط المحور ببعضه في أي تهديد قادم على أحد أطرافه من خلال “تلاحم الجبهات” والتكامل فيما بينها بالجهود السياسية والعسكرية على حد سواء.
وقبل ذلك كانت بداية التلاحم قد بدأت بالتشكل مع دخول حزب الله إلى ساحات الحرب في سوريا، وإرساله القادة الميدانيين إلى العراق لمساندة الحشد الشعبي، وإرسال إيران للمستشارين العسكريين إلى كل الساحات المحتدمة. تعتبر سوريا خط التلاحم الأول في أي حرب قادمة على لبنان. نظرًا لتطورات الارتباط التي حصلت ضمن الحرب على سوريا، ونظرًا للموقف التاريخي للرئيس بشار الأسد في حرب تموز عندما عرض التدخل العسكري في الحرب على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
كيف ظهر مصطلح محور المقاومة؟
وفي الربع الأخير من القرن الماضي، وتحديدًا في الفترة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بدأت تتشكل ملامح جديدة للمواجهة مع الكيان الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية. جاءت على شكل دعم إيران لحركات التحرر في المنطقة. وفي مطلع هذا القرن بدأ الحديث عن “محور المقاومة”، بعدما أطلق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن مصطلح محور الشرّ. واستخدم الإيرانيون هذه العبارة على نطاق واسع في خطاباتهم حول مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق. واستخدمته الصحف أيضًا.
يتكون هذا المحور حاليًا من نظامين وهما سوريا وإيران، وحركات هي حزب الله في لبنان والمقاومة الفلسطينية، وفصائل المقاومة في العراق، وحركة أنصار الله في اليمن، إلى جانبها قوى باكستانية وأفغانية شاركت في المواجهات.
محور المقاومة يفرض نفسه كأمر واقع
اللافت أن هذا المحور لم يأتِ نتيجة هندسات مسبقة حتى وصل إلى ما هو عليه من تحالفات وتراكم قوى. بل تكون بشكل تلقائي من بقايا من كان لديهم حس وطني وقومي وإسلامي وممن اشتركوا في معاناتهم من الهيمنة الأمريكية، والاعتداءات الإسرائيلية. وقد فرض نفسه كأمر واقع بدون أن يكون لديه خطة مسبقة أو تنظير فكري وتمهيدات رسمية يبنى عليها. بل إن محور المقاومة هو جزء من سياق طبيعي لتجاذب وتنافر الأطراف في الأصول الأيديولوجية والأبعاد المنفعية على حدّ سواء. ويمكن تصنيفها على الشكل التالي:
العدو المشترك
تقول القاعدة: عدو عدوي هو صديقي، وبشكل تلقائي ستصبح الأطراف المعادية لإسرائيل في المنطقة أطرافًا صديقة. ذلك أن الحركات التي تتعرض للاعتداءات الإسرائيلية مثلًا ستتوجه حتمًا إلى الطرف الذي يمدّ لها يد العون ويدعمها على الصعيدين المعنوي واللوجستي.
المشروع الأمريكي
وهو بعد رئيسي قائم في المنطقة على الهيمنة الأمريكية من خلال الأنظمة التي تزرعها الولايات المتحدة، لإيجاد بيئة لا تعادي “الكيان الصهيوني”، ولوضع اليد على ثروات ومقدرات الشعوب. معتمدة على سياسة “فرق تسد”، فتشغل شعوب المنطقة في أزمات داخلية ولا تخرجهم من الصراعات الطائفية كما هو الحال مع “الثورات الملونة”. كما ان صور البذخ والترف الذي تعيشه دول الخليج مقابل صور الجوع الممتدة من السودان إلى اليمن تقدّم انطباعًا ظالمًا لهذه الدول الصديقة لإسرائيل والولايات المتحدة، وتجمع المستضعفين بعضهم يساند بعض.
الأيديولوجيا
في الواقع الجيوسياسي والجيوستراتيجي يتم النظر إلى إيران على أن مصالحها العسكرية تحتم عليها أن يكون لها امتداداتها المختلفة، فتستفيد من حركات التحرر لحماية نفسها ومصالحها، ودول مثل روسيا تعتبر نفسها أنها تستفيد من اصطفاف إيران ضد الهيمنة الأمريكية لخدمة مشروع روسيا الأوراسي. والواقع أن إيران تدفع أثمانًا باهظة بسبب دعمها لحركات التحرر وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فهل إيران مستفيدة مصلحيًا من مسألة العداء لإسرائيل؟ الجواب هو كلا.
فالمحرّك الأول لدعم هذه الحركات هو عقائدي بحت. وعقيدة إيران قائمة على نصرة المستضعفين في وجه المستكبرين، مهما كانت انتماءاتهم المذهبية أو العرقية. وقد برز ذلك جليا كمثال، في فصائل الحشد الشعبي الذي احتوى على مجموعات مذهبية وعرقية مختلفة. وفي دعم النظام السوري العلماني. ثمّ يأتي البعد الإسلامي ليجمع قسمًا كبيرًا تحت سقف “محور المقاومة”، وبذلك يشكل العامل الإسلامي والإنساني ركيزتين تتعاضدان ويبنى عليهما هذا المحور المتماسك.
الخبرات المشتركة
تتبادل أطراف محور المقاومة خبراتها الميدانية والمدنية بشكل مكثّف، وقد اكتسبت بفضل عملها الميداني المشترك قدرات جديدة أهمها القدرة على التنسيق في أعمال واسعة على الجبهات. كما شكّل الميدان ساحة امتزاج ثقافي وإداري وسياسي عميق. برز ذلك في دخول حزب الله إلى ساحات الحرب في سوريا، وإرساله القادة الميدانيين إلى العراق لمساندة الحشد الشعبي، وإرسال إيران للمستشارين العسكريين إلى كل الساحات المحتدمة.
ثأثير الأشخاص
يتميّز “محور المقاومة” بقادة يملكون الكاريزما الكافية لجذب الناس إلى قضيتهم من جهة، ويملكون من الحنكة والدراية والإخلاص للقضية، ويتميزون بشخصيات منفتحة تراعي الاختلافات والتمايزات، ما يمكنهم من جعل المحور متماسكًا من جهة أخرى.
على صعيد الاستعداد البشري للقتال
في خطابه الأخير ضمن لقاء داخلي مع الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أنه “لدينا قدرة بشرية أكبر من الميدان الذي نقاتل فيه”، وبالنظر إلى مؤشرات الاستعداد النفسي على أرض الواقع يمكن ملاحظة النقاط التالية:
– إذا كان لا بدّ من قتال، فإن المؤشرات تقول إن البيئة جاهزة للقتال، وقد أثبتت كل البيئات في محور المقاومة استعدادها واندفاعها للانخراط في عمليات القتال في سوريا بحماسة لافتة لدى الشباب من كل الفئات، المتدينة وغير المتدينة التي انخرطت في الحرب.
– لا يُتوقّع أن يؤثر تغيّر الظروف بين تحقق الأمن المعيشي وانعدامه في الفترة المقبلة، أن يؤثر على قرار تأييد القتال، لاعتبار أن العائلات سيدفعون بأبنائهم وأرباب أسرهم وينقص منهم معيل أو يبقون بلا معيل في فترة صعبة. فالحس العام المشترك المرصود في النقاشات السارية في المجتمعين الحقيقي والافتراضي يشير إلى إدراك الناس أن القتال هو الذي سيحقق الخلاص، ويعيد للمجتمع اعتباره، خاصة أنهم يستشعرون قوتهم وقدرتهم.
– الواقع أن هذه المسألة بديهية في تاريخ البشر، بمجرد أن يشكِّل الآخرون تهديدًا لبقائنا، فإننا لا نتردد لحظة في إعلان الحرب عليهم، فكيف إذا كانت الحرب دفاعية.
– أما على المستوى الفردي فكل الأبحاث النفسية تشير إلى أن الحرب تبعث في نفوس الناس شعورًا بأنهم على قيد الحياة على أهبة الاستعداد، وتمنحهم هدفًا لتجاوز الوضع المعيشي القائم وتتيح الفرصة للتعبير عن القيم الإنسانية مثل الانضباط والشجاعة والتضحية.
على صعيد الاستعداد العسكري للقتال
في حربه النفسية ضد الكيان المؤقت، لطالما استخدم الأمين العام لحزب الله مسألة الغموض فيما يتعلق بترسانة حزب الله العسكرية. فما القول في ترسانات أضلاع المحور الباقية؟ ثمة سؤال لطالما شغل كبار القياديين العسكريين والسياسيين ليس فقط في الكيان بل في الولايات المتحدة أيضًا، عن خطورة السيناريو المحتمل إذا ما فُتحت النيران على المستوطنات من جبهات عدّة، من المقدّر أن يصل حجم ترسانتها الصاروخية إلى مليون صاروخ تقريبًا حسب المعطيات، ومجهزة بأحدث التقنيات الحربية، لا سيما أن قوى وجيوش المحور راكمت جميعها خبرات عسكرية سنين من القتال، بدءً من الحرب الإيرانية العراقية المفروضة، مروراً بالحرب على الإرهاب في سوريا والعراق، والعدوان السعودي على اليمن، وصولاً الى حروب لبنان وغزة. تشير المعطيات الإحصائية فقط والمعلن عنها إلى امتلاك إيران 300 ألف صاروخ- العراق 100 ألف-سوريا 230 ألف-لبنان 180 ألف- اليمن 130 ألف- وفلسطين 60 ألف صاروخ. ناهيك عن تلك التي لم يتم إحصاؤها، وتقع أعدادها وتكنولوجيتها ضمن الأسرار الأمنية.
التحضير لـ”الحرب الكبرى”
طرح الأمين العام لحزب الله مصطلح “الحرب الكبرى” على الحرب القادمة كما لم يطرحه من قبل، وقال إنها آتية لا محالة، ذلك أن مؤشرات نقاط القوة والضعف لدى الكيان من جهة، ولدى محور المقاومة من جهة أخرى تؤكّد هذا الاستشراف. وأكّد أن التحضير لهذه الحرب يتمّ على قدمٍ وساق على الرغم من كل الضغوطات والانشغالات، إذ لم تتمكن من إيقاف هذا التحضير، فـ”إزالة “إسرائيل” هدف واقعي وجدي في المدى القريب وليس المتوسّط”.
على الرغم من كل أنواع الضغوط، من حصار غزة، إلى حصار لبنان الاقتصادي، إلى قانون قيصر، مرورًا بحصار اليمن وصولًا إلى الضغوط القصوى في إيران، والقمع في البحرين ومؤخرًا الإجراءات الاقتصادية على التحويلات البنكية التي يسيطر عليها البنك الفدرالي المركزي في العراق، إلا أنّ النصر كان حليفًا دائمًا لهذا المحور، وهو إلى حدّ اليوم يعرقل المشروع الأمريكي ويحبط تخطيطاته ومحاولاته، وهو الأمر الذي يضفي المزيد من الرهبة والقوة في ظلّ التحولات الجارية في النظام الدولي وبداية نهاية الأحادية الأمريكية وتراجع المعسكر الغربي عمومًا، وكذلك الوضع المتأزم للكيان المؤقت في بنيته الاجتماعية والسياسية الداخلية.
- الكاتب: زينب عقيل
- المصدر: موقع الخنادق
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع