صراع علني بين زعيم فاغنر وقادة الجيش الروسي.. لماذا يسمح بوتين بذلك
السياسية:
الصراع بين مرتزقة فاغنر والجيش الروسي يدور علناً في موسكو، بينما يخوض الجانبان معارك ضارية ضد الجيش الأوكراني، وهو صراع لم يعد سراً، حيث خرج للعلن، ولكن لم يعرف بدقة تأثيره على أداء موسكو في الحرب.
في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، يوم الثلاثاء 21 فبراير/شباط، أغفل الحديث عن أي من هزائمه في ساحة القتال بأوكرانيا أو الخسائر الفادحة التي تكبدتها قواته، وسعى بدلاً من ذلك إلى تقديم بلاده في صورة الدولة التي اجتمعت على قلب رجل واحد لسحق عدوها.
لكن الهجوم الشخصي الشرس الذي شنَّه يفغيني بريغوزين علناً على وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس الأركان العامة فاليري غراسيموف الذي صار القائد العام للعمليات العسكرية في أوكرانيا، جاء ليكشف طرفاً مما يرفض الرئيس الروسي الاعتراف به حتى الآن: أن وتيرة حربه في تقلُّص، وأن كبار الرجال المقربين من الكرملين يتصارعون فيما بينهم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شركة فاغنر الروسية، المملوكة ليفغيني بريغوجين الذي يطلق عليه طباخ بوتين، مركزاً للتكنولوجيا العسكرية في سانت بطرسبرغ، في تحرك جديد من تحركات حليف بوتين، الذي انتقد كبار ضباط الجيش في الكرملين لأدائهم في حرب أوكرانيا، حسب ما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
وسبق أن قال ميخائيل خودوركوفسكي، المنشق الروسي البارز والسجين السياسي السابق، إن قادة مجموعة المرتزقة الروسية “فاغنر”، صار لديهم من النفوذ السياسي في الكرملين ما يساوي النفوذ السياسي لوزراء بارزين في نظام الحكم بروسيا، مثل وزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، ولكن الحديث الآن يدور حول التنافس والصراع بين مرتزقة فاغنر والجيش الروسي.
لماذا يسمح بوتين بخروج الصراع بين مرتزقة فاغنر والجيش الروسي للعلن؟
وتزعم وسائل الإعلام الغربية أن بريغوزين تمكّن من جمع مليارات الدولارات من عقود التموين الحكومية على مدار سنوات، وتناوب خلال ذلك على الانضمام إلى دائرة المقربين لبوتين حيناً والخروج منها حيناً آخر.
لكنه بعد أن بنى جيشه الخاص المعروف بمجموعة فاغنر، سعى إلى انتهاز الفرصة التي أتاحتها له الحرب في أوكرانيا ليبرز بين وجهاء السلطة في البلاد، وأرسل ما لا يقل عن 50 ألف مقاتل إلى الجبهة (بينهم سجناء جرى الإفراج عنهم مقابل القتال بأوكرانيا)، لا سيما بعد أن تكبد الجيش النظامي خسائر فادحة في وقت مبكر من الحرب.
في غضون ذلك، أشارت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية إلى أن اتهامات بريغوزين لقيادة الجيش الروسي جاءت قبيل زيارة من وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى موسكو بعد ظهر الثلاثاء 21 فبراير/شباط، وفي وقتٍ أعربت فيه الولايات المتحدة عن مخاوف من احتمال أن تفكر بكين في إمداد روسيا بأسلحة فتاكة.
وقالت صحيفة WSJ إن تصريحات بريغوزين يفترض أن تعرضه للعقاب، لأن التصريحات من هذا النوع تُعامل معاملة التشكيك في مصداقية القوات المسلحة الروسية، وهي جريمة جنائية في روسيا.
الصراع بين مرتزقة فاغنر والجيش الروسي
لكن صحيفة The Washington Post الأمريكية لفتت إلى التناقض بين ما يتعرض له المواطنون الروس العاديون من أحكام سجن قاسية بتهمة الإساءة للجيش أو انتقاد الحرب، والسماح لبريغوزين بمهاجمة شويغو وغراسيموف وغيرهما من كبار القادة العسكريين دون أي عقاب على ما يبدو.
والسبب في ذلك، غالب الأمر، أنه محمي من بوتين، الذي قد يرى أن هذا الشجار يخدم مصالحه في ضمان ألا يكون لأي فصيل منهم القوة اللازمة للانقلاب عليه.
وقد تحدث خبراء كثيرون منذ مدة طويلة عن ملاحظتهم بأن بوتين قرَّر تقسيم جبهات المعركة إلى إقطاعيات تتوزع السيطرة عليها بين وزارة الدفاع ومقاتلي فاغنر التابعين لبريغوزين، والميليشيات الموالية للزعيم الشيشاني رمضان قديروف، وغيرهم.
يتناولون طعامهم في أطباق من ذهب بينما يموت الجنود بالحرب
في هجومه الأخير على القادة العسكريين بالجيش الروسي، قال بريغوزين إنهم يتناولون طعامهم في “أطباق من ذهب”، ويُرسلون أبناءهم وأحفادهم ليقضوا الإجازات في دبي، بينما يموت الجنود في الحرب. وقد تضمن هذا الهجوم إشارة واضحة إلى ابنة شويغو، التي شوهدت منذ مدة قريبة وهي تقضي إجازتها في الإمارات.
ومع أن وزارة الدفاع الروسية قلَّما تعبأ بالرد على الانتقادات العلنية لها، لكنها وصفت تصريحات بريغوزين بأنها خطأ، فالقيادة “جعلت شغلها الشاغل وسعيها الدائم” توفير “كل الضروريات” التي يحتاج إليها المقاتلون “المتطوعون”، وهو المصطلح الذي يشار به إلى المرتزقة في روسيا.
وقالت الوزارة إن “المساعي التي تنطوي على رغبة في تفكيك التعاون الوثيق بين فئات القوات الروسية لا تأتي إلا بنقيض مرادها، ولا تخدم إلا مصالح العدو”.
ولا تقتصر الخلافات بين أطراف النظام الروسي على الخلاف بين بريغوزين وقادة الجيش، فالأيام حبلى بانقسامات أخرى قد تظهر إلى العلن، حسب واشنطن بوست.
مرتزقة فاغنر والجيش الروسي
إذ يشير ألكسندر بونوف، خبير الشؤون الروسية في مؤسسة “كارنيغي” الأمريكية، في تغريدة له على موقع تويتر، إلى أن بوتين بدا أقل اهتماماً بوزارة الخارجية، “فقد أشاد بوتين في خطابه بالجميع تقريباً: الجيش والناس والحكومة والدوما [مجلس النواب] والشركات الخاصة والأطباء والمعلمين؛ أي الجميع ما عدا الدبلوماسيين”.
وانتقد بوتين في خطابه نخبة رجال الأعمال الروسية، لا سيما الذين كشفوا عن تأذيهم من العقوبات، وقال إن الغرب لن يراهم إلا “مواطنين من الدرجة الثانية”، و”صدقوني، لم يشفق أي من المواطنين العاديين في البلاد على أولئك الذين فقدوا فوائض أموالهم في البنوك الأجنبية، ولم يشفق على من فقدوا يخوتهم وقصورهم في الخارج”.
لكن هذه الخلافات لا تكاد آثارها العلنية تقترب من شراسة الهجمات التي شنّها بريغوزين على قادة الجيش الروسي، فقد أخذ الصراع مرتزقة فاغنز والجيش وتحديداً بين قادة فاغنر وكبار القادة العسكريين يتفاقم على مدار أسابيع، وخاصة منذ أن انتصر مقاتلو فاغنر في بعض الجبهات وتمكنوا من الاستيلاء على بعض المناطق في أوكرانيا بعد أشهر من انسحاب الجيش النظامي منها. ثم قرر شويغو الشهر الماضي إنزال رتبة الجنرال سيرغي سوروفكين، الذي كان القائد العملياتي للحرب بينما نال إشادة بريغوزين أكثر من مرة.
خبراء غربيون يرون أن مرتزقة فاغنر حققوا مكاسب ضئيلة مقابل تكلفة باهظة
من جهة أخرى، يشير خبراء غربيون إلى أن مكاسب فاغنر، ومنها الاستيلاء على بلدة سوليدار، ليست إلا مكاسب ضئيلة إذا قيست بتكلفتها الباهظة. فقوات فاغنر تشن منذ شهور هجوماً يهدف إلى الاستيلاء على مدينة باخموت، لكنها لا تزال تتكبد خسائر فادحة هناك، وغالب الأمر أن بريغوزين لن يتيسر له تجديد قواته بمجندين من أصحاب السوابق والمجرمين المدانين على نحو ما فعل العام الماضي.
وأقرَّ بريغوزين في منتصف فبراير/شباط بأنه لن يستطيع تجنيد المزيد من المُدانين. ويأتي ذلك على الرغم من أن تقديرات الولايات المتحدة تشير إلى أنهم يكونون نحو 80% من قوات فاغنر البالغ عددها 50 ألف مقاتل في أوكرانيا.
وذهب مراقبون إلى أن حالة الغضب التي بدت علناً من بريغوزين هذا الأسبوع، تدل على إحساسه بضعفه وخسارته لمكانته. وقالت تاتيانا ستانوفايا، الباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن “هذه التسجيلات إنما تنم عن يأسه”، فهي “محاولة للوصول إلى بوتين بالدعاية، وتخويف السلطات العسكرية من عواقب سياسية”.
وذكرت ستانوفايا أن “بريغوزين ليس لديه وسيلة للتواصل المباشر مع بوتين، ولا يستطيع حل مشكلاته دون اعتماد على أحد”، و”لما كان سوروفكين في قيادة العمليات، كانت حاجاته تُقضى بطريقة أو بأخرى، لكن بعد أن تولى غراسيموف القيادة، تفاقمت الصعوبات حتى صار حلها يتطلب تدخلات سياسية”.
رغم تفوقها.. لماذا تكبدت قوات فاغنر خسائر أكبر من الجيش الروسي؟
واعتمدت فاغنر على إرسال قوات ضعيفة التجهيز في موجات متوالية لإنهاك العدو وإشغاله، لكن هذه الخطة ألحقت بقوات المجموعة خسائر فادحة، حتى إن تقديرات البيت الأبيض تشير إلى أن نحو 30 ألف مقاتل من المجموعة في عداد المصابين أو القتلى.
في غضون ذلك، ترى الباحثة ستانوفايا أنه “ما دام بوتين لديه القوة الكافية والقدرة على حفظ التوازن بين مختلف المجموعات المؤثرة، فإن بريغوزين لن يكون خطيراً”.
ولذلك يسمح بوتين بظهور الصراع بين مرتزقة فاغنر والجيش الروسي للعلن، لأنه لا يمثل خطورة حتى الآن.
أما إذا ظهرت بوادر ضعف على سيطرة بوتين، فإن ذلك قد يدفع بريغوزين لتحدي السلطة، حتى لو لم يخاطر بتحدي بوتين مباشرة في البداية. فالحرب تغذي وحوشاً يمكن أن يقودها التهور واليأس إلى تحدي الدولة ذاتها”.
* المصدر: موقع عربي بوست
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع