(صحيفة” لا نوفيل غوببليك- la nouvelle republique” الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

 

في كتابه الأخير المعنون باسم “من حرب إلى حرب”، الصادر عن دار “لويب – l’Aube ” للنشر، يسلط الفيلسوف إدغار موران الضوء على الآليات التي تدفع المجتمعات البشرية إلى شن الحروب على بعضها البعض، فهو يرى أن “التطرف يؤدي إلى أوضاع كارثية”.

“كلما ساءت الحرب، كلما كان السلام أكثر صعوبة، وكلما كان السلام أكثر إلحاحا” في كتابه الأخير “من الحرب إلى الحرب، من العام 1940 إلى أوكرانيا” يدرس عالم الاجتماع والفيلسوف إدغار موران، من ذروة وجوده لأكثر من قرن، عودة الحرب في القارة الأوروبية.

ما الذي يدفع المجتمعات إلى التدمير الذاتي؟ في ضوء مسيرته المهنية، التي تميزت بالمقاومة خلال الحرب العالمية الثانية أو الالتزام السياسي ضد الحرب الجزائرية، يقدم تأملا شخصيا للغاية في آليات الحقد والكراهية التي تمزق الشعوب.

مع احتدام الحرب الدائر في أوكرانيا وسوريا واليمن والعديد من البلدان الأخرى، يتساءل الفيلسوف البالغ من العمر قرابة قرنا من الزمان، وصائغ التعقيد والمفكر المعترف به في فرنسا والعالم، ما الذي يدفع المجتمعات إلى حافة الهاوية وتدمير الذات، لإعادة صياغة جان لوك غودار: “زرع قطعة من الحديد في قطعة من اللحم”.

بالنسبة لصحيفة “لا نيوفل غوببليك- La Nouvelle République” كان موران لطيفا بما يكفي لحمل القلم والإجابة على بعض أسئلتنا.

الصحيفة: لقد شاركت بشكل مباشر في الحرب العالمية الثانية كمقاتل في صفوف المقاومة، ما هي ذكرياتك عنها؟

إدغار موران: “في ذلك الوقت، انضممت إلى صفوف المقاومة، ليس فقط ضد الاحتلال ولكن أيضا ضد النازية، معتقدا أن الاتحاد السوفيتي سوف يتغلب على رذائله بسبب حالة الحصار التي عانى منها، كما اعتقدت أنها سوف تحقق مجتمعا أخويا للبشرية جمعاء.

الصحيفة: كيف تنظر إلى ذلك الوقت اليوم؟

إدغار موران: “اليوم أرى، كما قال فاسيلي غروسمان (الكاتب السوفيتي وناقد جوزيف ستالين)، أن معركة ستالينغراد هي إحدى أهم المعارك الكبرى والفاصلة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، جرت في مدينة ستالينغراد (فولغوغراد اليوم الروسية) خلال الحملة العسكرية الألمانية على الاتحاد السوفييتي، واستمرت حوالي 6 أشهر- كانت أعظم انتصار وأكبر هزيمة للبشرية.

امتدت تلك الشمولية الستالينية إلى أوروبا الشرقية، حيث ينظر اليوم إلى القصف الأمريكي للمدن الألمانية وسكانها المدنيين باعتبارها جريمة حرب، باختصار، أرى أن حرب “الخير” ضد المسخ النازي كان بها “شر”.

الصحيفة: لقد شهدتم أو عاصرتم في الوقت الحاضر العديد من الصراعات في أوروبا وحول العالم، ما الذي يلهمك في هذا التقلب الدوري للحرب؟

إدغار موران: “كل الحروب التي عشتها لم تتسبب في أمراض جسدية فحسب، بل تسببت أيضا في شرور فكرية، مثل تجريم شعب العدو، خداع الدعاية، أكاذيب الحرب مثل أن ينسب إلى العدو جرائمه الخاصة، الكراهية العمياء، حيث كان هذا يسمى “حشو الجمجمة” خلال الحرب العالمية الأولى”.

الصحيفة: تقول في كتابك إن هناك “حروبا أكثر إجراما من غيرها” هل الحرب إجرامية بطبيعتها؟

إدغار موران: “كل حرب تثير جرائم أخرى غير القتل بين المقاتلين: التطرف يزيد من الجريمة ويؤدي إلى الكوارث”.

الصحيفة: هل التطرف يجرم الحرب؟

إدغار موران: “كاد تطرف الحرب الجزائرية أن يفرض على فرنسا دكتاتورية عسكرية، تم تجنبها بفضل عبقرية شارل ديغول، وفي يوغوسلافيا أدى إلى فصل جذري وعدائي بين الشعوب من نفس الأصل واللغة: الصرب والكروات والسلوفينيين والبوسنيين، حيث أدى ذلك إلى الحالة الكارثية الحالية في العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واليوم يمكن أن تقود الحرب الروسية الأوكرانية إلى حرب معولمة”.

الصحيفة: المصائب لا تأتي بمفردها أبدا، تتفاقم الجائحة بسبب الأزمة الاقتصادية والحرب في أوكرانيا، هل أصبح العالم أكثر تعقيدا؟

إدغار موران: “إن اقتران الحرب في أوكرانيا، والأزمة البيئية الكوكبية، والأزمة الاقتصادية العالمية، وأزمة العولمة نفسها، ومخاطر الحرب المعولمة، كل هذا يمثل تحديا معقدا لذكائنا، لم يتم تدريب طريقة تفكيرنا على التعامل مع التعقيدات، هناك تعقيدات خطيرة وتعقيدات مفيدة”.

الصحيفة: بعد مشاهدة الصراعات والثورات والحركات الاجتماعية والثورات ضد الاضطهاد، هل تعتقد أن بناء “بيت مشترك” للبشرية لا يزال ممكنا؟

إدغار موران: “بناء بيت مشترك أمر ممكن ولكنه غير مرجح في الوقت الحالي للغاية، إن فرص المستقبل مقلقة، لكن الفائدة غير المحتملة يمكن أن تحدث، ولكن لا يزال الأمل قائماً”.

الصحيفة: “هل أنت سعيد؟” هذا السؤال وجهته مارسيلين لوريدان إيفنز- كاتبة سيناريو ومخرجة ومنتجة وكاتبة فرنسية- للمارة في العام 1960 في فيلم ” وقائع الصيف-Chronique d’un été“، من إخراجك وأخراج جان روش، هل جعلت إنجازات المجتمع الاستهلاكي والعولمة البشرية أكثر سعادة؟ ماذا عن نفسك؟

إدغار موران: “لا يمكن قياس السعادة، يعتمد ذلك الأمر على كل واحد في نفس الوقت على السياق والأحداث والتواصل والصفاء، استطعت أن أشعر بالسعادة للمقاومة تحت الاحتلال لأنني كنت أتفق مع نفسي وذاتي وشعرت أنني أقوم بواجبي، وهذا في فترة مؤسفة من تاريخنا”.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع