التوتر بين مصر والدول الخليجية.. انعكاساته ومستقبله؟
السياسية :
في الفترة الماضية، تتزايد التكهنات حول أزمة بين السعودية ومصر تتجلى في العلاقات بين كبار الشخصيات في كلا البلدين، وقد طفت التوترات بحسب تقارير إعلامية على السطح خلال الأزمة الاقتصادية الخطيرة في مصر منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل عام تقريباً، وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد صرح في 18 يناير الفائت بتصريحات اعتبرها البعض سببا في تأجيج الأزمة، حيث قال خلال مشاركته في منتدى “دافوس” الاقتصادي العالمي: إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك، نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه، وأن يبذلوا جهدًا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم”، الشيء الذي استدعى رداً من الكاتب عبد الرزاق توفيق رئيس تحرير صحيفة الجمهورية الحكومية، وفي مقال بعنوان الأشجار المثمرة.. وحجارة اللئام والأندال” أقام الدنيا ولم يقعدها في الخليج، ما يوحي بحجم التوتر الخفي بين البلدين.
أساس الأزمة
منذ تصريحات الجدعان أكد خبراء وجود إسقاطات على مصر وتوترات في العلاقات وحتى قبل ذلك بكثير، على الرع من أنه حرص على تجنب ذكر القاهرة صراحة، وعقب ذلك انتقادات حادة وجّهها كتّاب سعوديون ونشطاء كويتيون لمصر حول تراجع دورها الاقتصادي، واعتمادها على المساعدات الخليجيّة، حيث كتب تركي الحمد -المقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان– عدة تغريدات تساءل فيها بقوله: “ما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وامكاناتها، والتي كانت تقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟”
ووفقًا للبنك المركزي المصري، قدمت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الفارسي للنظام المصري أكثر من 90 مليار دولار منذ استيلاء الجيش على السلطة في صيف 2013، وقد تفاخر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا بشأن “المساعدات السخية” الخليجية لنظامه وأثر المساعدات على مصر “التي كانت ستنهار لولاها”، ومع ذلك، دعا صندوق النقد الدولي في أوائل شهر يناير الدول الخليجية إلى الوفاء بـ “تعهداتها الاستثمارية” لمصر في الوقت المحدد حتى تتمكن من تغطية ديونها الخارجية في السنوات المقبلة، فيما التزم المسؤولون في السعودية والكويت الصمت حيال بيان صندوق النقد الدولي، الذي جاء بمثابة صدمة لمصر.
من ناحية أخرى، أمين مجلس الأمة الكويتي، أسامة الشاهين، على سبيل المثال، طالب حكومته بعدم الامتثال لمطالب صندوق النقد الدولي لتمويل مصر، وشدد على أن “الكويت أحق بأموالها”، وفي المملكة العربية السعودية، رد كاتبان معروفان بعلاقاتهما الوثيقة بالديوان الملكي، وهما تركي الحمد وخالد الدخيل، على طلب صندوق النقد الدولي، ويُعرف الحمد محليًا بأنه المتحدث الإعلامي للعائلة الحاكمة السعودية، وأعرب عن اعتراضات السعودية على سيطرة الجيش على الاقتصاد المصري.
وأشار الأكاديمي السعودي، في سلسلة تغريدات، إلى أنه في مصر “تمر جميع المشاريع الآن عبر مؤسسات تسيطر عليها القوات المسلحة، ويستفيد منها أصحاب النفوذ داخلها، على حساب القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني”، وأضاف أن شيخوخة البيروقراطية المصرية تقاوم التغيير وتشكل حجر عثرة أمام الاستثمار الاقتصادي الناجح سواء الداخلي أو الخارجي على الرغم من أن مصر كنز من الفرص الاستثمارية، منوهاً إلى وجود ثقافة شعبية خاضعة في مصر حيث ينتظر الجميع أن يأتي كل شيء من القمة مع غياب شبه كامل لمبادرة مجتمعية مستقلة، كما انتقد الأكاديمي والكاتب السعودي خالد الدخيل هيمنة الجيش المصري على الاقتصاد منذ عام 1952.
وزعمت منشورات حديثة –غير مؤكدة- على مواقع التواصل الاجتماعي، أن القاهرة فوجئت بمطالبة الرياض بسداد الديون القديمة المستحقة على مصر لشركة أرامكو السعودية للنفط والمتعلقة بشحنات النفط قبل نحو خمس سنوات، كان نظام السيسي يعتقد أن النفط منحة لا يمكن سدادها، كما تغيبت السعودية والكويت عن القمة التي استضافتها الإمارات في 19 يناير، والتقى خلالها السيسي بأمير قطر وملك البحرين وسلطان عمان وملك الأردن لبحث المساعدة الاقتصادية المحتملة لبلاده.
مقاله تهز الخليج
ليأتي الرد في مقال مصري استهله رئيس تحرير صحيفة الجمهورية الحكومية بالإشادة بالجيش المصري مؤكدا أنه “عصب الوجود ليس لمصر فحسب، بل لكافة دول الأمة العربية، وهو عمود الخيمة والدرع والحصن والسند الذي يرتكز عليه الجميع”، موجهاً كلامه إلى دول الخليج تلميحا أقرب إلى التصريح بقوله: “لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخرا التطاول على مصر زينة وأم الدنيا، وليس من حق اللئام والأندال ومحدثي النعمة أن يتطاولوا على أسيادهم، فهم مجرد هواء وفراغ يتلاشى بمجرد هبوب عواصف بسيطة، لكن مصر هي الجبال الراسيات الشامخات ليس من حق دويلات عمرها لا يزيد على عمر أصغر أبنائي أن تتحدث عن مصر إلا بالأدب والإجلال والاحترام، وإن مصر أكبر وأعظم من أحاديث الإفك التي يروجها الأندال والأقزام واللئام والحاقدون، وكل شيء فيها يمضي إلى الأمام على طريق تحقيق أهدافها وتطلعات شعبها”، خاتماً كلامه بعبارة: “شكرا للمحن والشدائد والأزمات لأنها تعرّفنا الفرسان من الأنذال، من أولاد الأصول من اللقطاء، من الشبعان إلى محدث النعمة”.
وبمجرد تداول مانشرته صحفية الجمهورية، اندلعت انتفاضة غضب خليجية في الصحافة وفي حسابات مشاهير سعوديين وإماراتيين الذي ردوا على الكاتب المصري بقسوة مثلها أو أشد، وعقب ردود الأفعال الهائلة على مقال توفيق، اضطرت الصحيفة لحذف المقال من موقعها الالكتروني بعد الضجة الكبرى، فيما توقع الكثيرون إقالة رئيس تحرير الجمهورية إرضاء للدول الخليجية، وسعيا لترميم العلاقات التي باتت على شفا الانهيار بين مصر والدول الخليجية.
وفي إطار الرد الخليجي، قال عبد الخالق عبد الله مستشار رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد إن الكاتب والإعلامي الخليجي أعقل من أن يرد على هذا “الردح” الرخيص لرئيس تحرير صحيفة الجمهورية، مبيناً أن مصر أم الدنيا عزيزة على قلوب الخليجيين وشعبها الكريم له مكانة خاصة في وجدانهم، ولن يجد من هو أحرص على استقراره وازدهاره واستعادة عافيته من دول الخليج، متحدثاً أن قيادة الأمة هي “خليجية” حتى إشعار آخر، وأن هذا ليس تنطعا ولا ادعاءً، لكن الوقائع تشير إلى ذلك وهي مسؤولية لمواجهة قوى الفوضى، تتحملها عواصم خليجية في مقدمتها الرياض وأبوظبي، حسب ادعائه.
من ناحية أخرة، قال الأكاديمي السعودي خالد الدخيل: “من المدهش أن ينزلق بعض الكتّاب في صحف معروفة لهستيريا من الردح منفلتة ضد من يشعر أنه يختلف معه بقوة، مشيرا إلى أن حق الاختلاف متعارف عليه، لكن لماذا لا يكون الرد بقوة الاختلاف لغة ومنطقا وأسلوبا؟!”، وأضاف: “عندما يهدأ هذا الكاتب سيشعر بالانكسار، وسيدرك أنه كاتب بدون قضية، ولم يحصد سوى قبض الريح وسوء السمعة”.
كذلك، رد هاشم عبده هاشم عضو مجلس الشورى السعودي ورئيس التحرير السابق لصحيفة ” عكاظ” بقوله: “أشعر بالأسى لما يدور بين بعض المحسوبين على الثقافة او الاعلام في المملكة ومصر من مماحكات، لافتا إلى أنه يذكّرهم بأن وظيفة المثقف والاعلامي الأولى هي البناء، وليس الهدم، واصفاً ما يحدث بين البعض بالـ “فجاجة”، وتسطيح لقضايا مهمة وحساسة تتولاها جهات الاختصاص ولا تخضع للانفعالات والاجتهادات الخاطئة.
في النهاية، من الواضح وجود أزمة خانقة بين مصر وبعض الدول الخليجية (خاصة السعودية والكويت) بالاستناد إلى كافة الوقائع، الأمر الذي يفسر الغضب والتسرع المصري في التصريحات ربما، ما يعني أن العلاقات المصرية – السعودية على وجه الخصوص، والخليجية بشكل عام تتجه إلى مسار آخر هذه الأيام، بعد التراشق الإعلامي غير المسبوق.
المصدر : موقع الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع