هل يأخذ الذكاء الاصطناعي مكان الأطباء؟
السياسية:
نتيجة صادمة أظهرتها تجربة إدخال برنامج ChatGPT للذكاء الاصطناعي إلى امتحان الترخيص الطبي بالولايات المتحدة الأمريكية، كأنه دارس طب يستعد لدخول مجال العمل الحقيقي، وسط جدل غير مسبوق حول المدى الذي يجب أن تصل إليه عملية استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب.
إذ أجاب برنامج ChatGPT الذي أطلقته شركة أوبن إيه آي الأمريكية عما يكفي من أسئلة الممارسة الطبية بشكلٍ صحيح، دون قراءة كتاب دراسي واحد ودون قضاء يومٍ واحد في كلية الطب. وخرج بنتيجةٍ كانت ستساعده في اجتياز امتحان الترخيص الطبي الأمريكي الحقيقي، حسبما ورد في شبكة CNN الأمريكية.
الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى إمكانية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الطب، وهل يمكن الاستغناء عن الأطباء البشريين.
أثارت التجربة ضجةً كبيرة، لدرجة أن الأطباء والعلماء يحاولون تحديد نطاق قيودها -ومعرفة ما يمكنها تقديمه للصحة والطب.
استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب حصل على زخم كبير مؤخراً
من المعروف أن برامج الذكاء الاصطناعي في الطب موجودة منذ فترة. لكن هذا البرنامج أثار الاهتمام بشدة مؤخراً لدرجة أن العيادات الطبية، والجمعيات المهنية، والدوريات العلمية الطبية أنشأت فرق عمل لبحث سبل الاستفادة منه، وفهم القيود والمخاوف الأخلاقية التي قد يطرحها.
إذ شكلت عيادة الدكتور فيكتور تسينغ، Ansible Health، فرقة عمل معنية بهذا الأمر. حيث يُعَدُّ طبيب الرئة مدير المجموعة التي يقع مقرها في كاليفورنيا، وأحد مؤلفي الدراسة التي برهن خلالها ChatGPT على قدرته أن يجتاز امتحان الترخيص الطبي.
وقال تسينغ إن زملاءه بدأوا في اختبار البرنامج العام الماضي، وانبهروا عندما نجح في تشخيص المرضى الوهميين في السيناريوهات الافتراضية بكل دقة.
وأوضح: “لقد انبهرنا بشدة وأذهلتنا فصاحة البرنامج ودرجة السلاسة في ردوده، لدرجة أننا قررنا إخضاعه لعملية تقييمنا الرسمية، والبدء في اختباره بموجب معايير المعارف الطبية”.
اختبار معقد حتى على البشر وأسئلته لم تفهرس على جوجل من قبل
وتتمثل تلك المعايير في الاختبار المكون من ثلاثة أجزاء، والذي يجب على خريجي كليات الطب الأمريكية اجتيازه من أجل الحصول على رخصة ممارسة الطب. ويُعَدُّ هذا الاختبار من أصعب الاختبارات الخاصة بتراخيص أي مهنة؛ لأنه لا يطرح أسئلةً مباشرة لها إجابات يسهل إيجادها على الإنترنت.
واستخدم فريق الدراسة 305 من أسئلة الامتحان المتاحة للعامة والمستخدمة في عينة امتحان يونيو/حزيران عام 2022. ولم تجر فهرسة أي من الإجابات أو سياقاتها المرتبطة في جوجل قبل الأول من يناير/كانون الثاني، أي أنها لم تكن جزءاً من المعلومات التي تدرب عليها ChatGPT. وقد حذف مؤلفو الدراسة عينات الأسئلة التي تحتوي على صور أو رسوم بيانية، وبدأوا جلسة دردشة جديدة مع كل سؤالٍ يطرحونه.
ويُمكن القول إن الذكاء الاصطناعي قدّم إجابات تكفي للنجاح أو كانت قريبةً من درجة النجاح في جميع أسئلة الامتحان، ودون الخضوع لأي تدريب متخصص. كما أظهر “درجةً عاليةً من التناغم الأبجدي والبصيرة في تفسيراته”.
إليك نسبة نجاح برنامج ChatGPT في اختبار الرخصة الطبية الأمريكية
وأثارت النتائج إعجاب تسينغ الذي أوضح: “من الصعب للغاية أن تبحث على جوجل أو تحاول اكتشاف الإجابة بنفسك بسهولة، حتى لو استخدمت نهج الكتاب المفتوح. وقد يستغرق الأمر ساعات لمجرد الإجابة عن سؤال واحد بهذه الطريقة. لكن ChatGPT تمكّن من تقديم إجابات صحيحة في 60% من المرات تقريباً، مع تفسيرات مقنعةٍ وفي غضون خمس ثوان”.
بينما قال الدكتور أليكس ميشابر، نائب رئيس امتحان الترخيص الطبي الأمريكي في المجلس الوطني للأطباء الشرعيين، إنه لم يُفاجأ باجتياز برنامج ChatGPT للامتحان.
وأوضح ميشابر أن المجلس الوطني يختبر البرنامج في الامتحان نفسه أيضاً. حيث يُولي الأعضاء اهتماماً خاصاً للإجابات التي أخطأت فيها التقنية، ويرغبون في معرفة أسبابها.
وأردف: “أعتقد أن هذه التقنية تثير الاهتمام بشدة. لقد كنا على درجةٍ عالية من اليقظة والإلمام بالمخاطر التي تفرضها النماذج اللغوية الضخمة من هذه النوعية، مثل احتمالية تضمين معلومات مغلوطة أو وجود بعض القوالب النمطية والتحيزات المؤذية”.
ويؤمن ميشابر بالإمكانات المستقبلية لهذه التقنية. إذ قال: “أعتقد أنها ستواصل التحسن أكثر فأكثر، ونحن متحمسون ونرغب في اكتشاف كيفية تبنِّيها واستخدامها بالطرق الصحيحة”.
مجلة علمية ترفض وضع اسم ChatGPT كمؤلف، والبرنامج يدافع عن نفسه!
دخل برنامج ChatGPT في النقاشات الدائرة حول الأبحاث والنشر بالفعل.
إذ جرت كتابة نتائج دراسة امتحان الترخيص الطبي بمساعدة البرنامج نفسه. حيث جرى إدراج التقنية الجديدة كمؤلف مشارك للمسودة في البداية. لكن تسينغ يقول إن اسم البرنامج لن يكون مدرجاً بين المؤلفين عند نشر الدراسة في دورية PLOS Digital Health العام الجاري، وذلك حتى لا تشتت انتباه القراء.
يُذكر أن دورية Nature العلمية أصدرت الشهر الماضي توجيهاً يقول إنه لا يمكن اعتبار هذه البرامج بمثابة مؤلفين، لأن “إسناد التأليف إلى شخصٍ ما يُحمِّله المسؤولية عن عمله، لكن أدوات الذكاء الاصطناعي لا يمكنها تحمل تلك المسؤولية”.
بينما نشرت دورية Radiology العلمية يوم الخميس، الثاني من فبراير/شباط، مقالة كتبها برنامج ChatGPT بالكامل تقريباً. حيث سُئِلَ البرنامج عما إذا كان يستطيع أن يحل محل الكتاب الطبيين من البشر أم لا. وقد أجاب البرنامج بسرد العديد من استخداماته المحتملة مثل كتابة تقارير الدراسات، وإنشاء الوثائق ليقرأها المرضى، وترجمة المعلومات الطبية إلى مختلف اللغات.
لكن هذه التقنية الخارقة لديها عيوب خطيرة
غير أن التقنية لا تزال تعاني من بعض القيود.
إذ قالت ليندا موي، محررة دورية Radiology وأستاذة علم الأشعة في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك: “أعتقد أن هذه التقنية ستساعدنا بكل تأكيد، لكن جميع الأشياء المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تحتاج إلى حواجز حماية”.
وأوضحت أن مقالة ChatGPT كانت شديدة الدقة، لكنها ابتدعت بعض المراجع العلمية.
ويتمثل أحد مصادر قلق ليندا في أن الذكاء الاصطناعي يستطيع اختلاق البيانات بالفعل. بينما سيكون البرنامج جيداً بقدر جودة المعلومات التي يتغذى عليها. وفي ظل انتشار الكثير من المعلومات غير الدقيقة عن أشياء مثل لقاحات كوفيد-19 على الإنترنت، فقد يستخدم البرنامج تلك المعلومات لتوليد نتائج غير دقيقة.
أما زميلها أرتي تشين، طالب الدكتوراه في مركز علوم البيانات بجامعة نيويورك، فيستكشف إمكانية استخدام ChatGPT كأداة ترجمة لبرامج الذكاء الاصطناعي الأخرى –التي تختص بتحليلات التصوير التَّشخيصي الطبي.
حيث يدرس العلماء منذ سنوات برامج الذكاء الاصطناعي التي تقدمها الشركات الناشئة والضخمة على حدٍّ سواء، ومنها جوجل، حيث تستطيع تلك البرامج التعرف على الأنماط المعقدة في بيانات التصوير التشخيصي. ويأمل العلماء أن تساعد تلك البرامج في توفير تقييمات كمية يمكنها الكشف عن الأمراض، وربما بطريقةٍ أكثر فاعلية من العين البشرية.
إنه لا يقول من أين يأتي بنتائج تحليله؟
وأوضح تشين: “يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يمنحك تشخيصاً شديد الدقة، لكنه لن يخبرك بكيفية وصوله إلى ذلك التحليل مطلقاً”. ويؤمن تشين بإمكانية استخدام ChatGPT مع البرامج الأخرى لفهم منطقها وملاحظاتها.
وأردف: “إذا تحدثت تلك الأنظمة إلى بعضها بعضاً، فربما تتمكن من نقل معارفها بالطريقة نفسها التي يستخدمها أخصائي الأشعة المتمرس”.
هل سيصبح أداةً لجعل الأطباء أفضل في مهنتهم أما منافساً لهم؟
يقول تسينغ إنه يؤمن بقدرة ChatGPT على تحسين الممارسات الطبية كما فعلت المعلومات الطبية المتوافرة على الإنترنت. إذ أدى توافر المعلومات على الإنترنت إلى تمكين المرضى وإجبار الأطباء على توصيل المعلومة بصورةٍ أفضل، لأنهم أصبحوا مضطرين لشرح الأشياء التي قرأها المرضى على الإنترنت.
ولن يحل البرنامج محل الأطباء. بل ستواصل مجموعة تسينغ اختبار البرنامج لمعرفة سبب ارتكابه لأخطاء بعينها، وتحديد المعايير الأخلاقية التي يجب تطبيقها قبل بدء استخدامه فعلياً. لكن تسينغ يؤمن بأن البرنامج يستطيع تسهيل الوصول إلى مهنة الطب أكثر. حيث يستطيع الطبيب أن يطلب من ChatGPT تبسيط المصطلحات الطبية المعقدة، وتحويلها إلى لغة يستطيع أي طالب في الصف السابع أن يفهمها.
وأوضح تسينغ: “لقد بدأ عصر الذكاء الاصطناعي. والأبواب مفتوحة على مصراعيها. ويتمثل أملي الأساسي في أن يجعلني ويجعل بقية الأطباء ومقدمي الخدمات أفضل في مهنتهم”.
* المصدر: موقع عربي بوست
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع