السياسية:
محمود الهاشمي*

لم يكن اختيار دولة الإمارات المتحدة من قبل الولايات المتحدة لتكون “الضحية” الثالثة للتطبيع والأولى خليجياً بأمر غير مخطط له.

في البدء علينا أن نعرف أن “إسرائيل” لم تعقد اتفاقاً (تطبيعياً) مع أي دولة عربية دون رعاية أميركية، وذلك لسببين: الأول أن دول التطبيع لم تكن يوماً شعوبها وحتى حكامها راغبين بالتطبيع مع الصهاينة، إنما جميعاً يعتبرون ذلك من باب واقع حال.

كما أكد أول رئيس مطبع “أنور السادات” فيما بعد، وتبعه الآخرون بذات المنطق أو الحجة، آخذين بنظر الاعتبار أن التطبيع مع مصر جاء بعد هزيمة حزيران أو نكسة حزيران كما يحلو للبعض أن يسميها، والتي يوجز حال العرب فيها الشاعر نزار قباني بقوله “كنت مجروحاً ومطروحاً على وجهي كأكياس الطحين.. أيها السادة لا تندهشوا كلنا في نظر الحاكم أكياس طحين.. كلنا بعد حزيران خراف.. نتسلى بحشيش الصبر والله يحب الصابرين”.

حال العرب بعد نكسة حزيران عام 1967بائس وحزين، ولم تسعفه انتصارات حرب تشرين الباهتة عام 1973! بقيت إسرائيل تخضع للمعادلة الدولية، حيث أوجدها الاستعمار الغربي وظل محافظا عليها خدمة لمصالحه، وخاصرة موجعة في جسد العرب والمسلمين.

تسلسل التطبيع إلى مصر، والأردن، والإمارات، والبحرين، والمغرب، وجاء متسقاً وفق المخطط إنما الهدف الأساس هو الإمارات، التي يسعى الغرب أن يجعل منها “إسرائيل الثانية”! لا سيما بعد اعلان التطبيع بين الإمارات و”اسرائيل” أكد الاستطلاع الذي أجرته منظمات ووكالات عالمية أن 80‎%‎ من الشعب الإماراتي غير راغب بالتطبيع وبكل أشكاله بما في ذلك الرياضي، وأن الـ 20‎%‎ رؤوا انه واقع حال!

إن الكيان الإسرائيلي لا يرغب بالتطبيع الشعبي ويكفيه من الدول (الحكومات) لأسباب تخص طبيعة الشخصية اليهودية التي لا تميل إلى الانسجام والتفاعل مع الآخرين، ولو أرادت ذلك لأقامته مع العرب داخل الأرض المحتلة، وإن واحداً من أسباب وجودها هو الخلاف مع الآخر!

على الرغم من ان مؤسس الإمارات زايد بن سلطان كان يسمي “إسرائيل” عدواً إلا أن اليهود وخاصة الصهاينة منذ تأسيس الإمارات في بداية سبعينيات القرن الماضي يرون فيها مشروعاً صهيونيا.

أما الأسباب فهي عديدة وفي مقدمتها أنه لم يكن لها أسس من قبل، إنما تعاون البريطانيون والمغاربة على تأسيسها في تنظيم السجلات والعملة ونظام الدولة. لذا فهي دولة (فجة) وعدد سكانها البالغ 750 ألف نسمة غائب وسط عدد الأجانب من 220 جنسية، و150 قومية لدرجة أن عدد الهنود يشكل خمس مرات بقدر عدد الإماراتيين، وتبلغ تحويلاتهم من دولة الإمارات إلى الهند حوالي 13 مليار دولار أمريكي سنوياً، ويحتلون حوالي 50٪ من سوق العقارات في دولة الإمارات، وهذا يتمدد على القوميات وجاليات الدول الأخرى.

إن كيان الاحتلال يفهم جيداً أيضاً أن الإمارات ضعيفة، وتحتاج إلى دعم أمني، وأن عدد سكانها القليل لا يكفي للحفاظ على أمنها، فمثلا أن 750 الفاً أو حتى 800 الفاً اذا حذفت منهم النساء يبقى منهم 400 الفا، ثم الأطفال والشيوخ والمرضى فسيبقى منهم 200 الفا، ولو تحول أفراد هذا الرقم جميعهم إلى (رجال أمن) لما استطاعوا أن يتوزعوا جيشاً وشرطة وامناً واستخبارات في دولة عدد نفوسها (11) مليون بألسن متعددة وجنسيات وثقافات مختلفة؟

خلال عام واحد بعد اعلان التطبيع زار حوالي 200 ألف إسرائيلي دولة الإمارات، فماذا يعني ذلك؟ وهل زار أقل من هذا العدد من الإسرائيليين مصر، وهي التي طبّعت منذ عام 1979؟ إلا في الحدود الساحلية أو صحراء سيناء للابتعاد عن التماس المباشر! ثم أين هم المصريون في السياحة إلى إسرائيل؟ وأين هم الإماراتيون الذين قوبلوا بالاستهجان والرفض من قبل الصهاينة!؟

لم تكن بين “إسرائيل” ومصر تجارة ولا مع المغرب أو الأردن إلا في حدود ضيقة لكن سرعان ما تمت اتفاقية تجارة حرة بين الإمارات و”اسرائيل”، وبات الميزان التجاري يرقى إلى المليارات.

إن التطبيع الناعم الصهيوني بدأ يتسلل إلى الإمارات من إنشاء مطعم يهودي إلى معبد إلى المعابد الإبراهيمية حيث المسجد جوار الكنيسة والمعبد والكنيست. ثم التبادل الرياضي والثقافي والأمني، والتنسيق العالي في جميع الجوانب.

اليهود يفضلون الدولة البكر لأنهم يرغبون تصنيعها حيث يشاؤون، لذا فانهم هم من اقنع الملكة الاسبانية “ايزابيلا” يومها بان تمّول رحلة اكتشاف أمريكا، مقنعين إياها بالذهب والفضة والمعادن بهذه الأرض، وقد رافق الرحلة خمسة من اليهود.

بعد اكتشاف أمريكا فان اليهود عمدوا إلى إبادة الشعب الأصلي، حتى يكون الجميع (مهاجرين) وليس لأحد ان يدّعي بأن هذه الأرض تعود لأجداده، وفعلاً هيمن اليهود على أمريكا، واعتبروا أن نيويورك بمثابة “أرض الميعاد”! ويشكل اليهود أعلى نسبة سكانية لهم في أمريكا (2‎%‎)!

تؤكد الاحصائيات من خبراء إماراتيين وقطريين أن دول الخليج ستفقد خاصيتها العربية باتجاه دول آسيا الذين باتت أعدادهم في تزايد، ويفوق عدد سكان الدول خاصة في الإمارات وقطر والبحرين والسعودية كذلك.

منذ اعلان التطبيع والعرب في الإمارات يعانون من المضايقة والمتابعة وفقدان فرص العمل، حيث ما زالت الشعوب العربية منزعجة من التطبيع مع “إسرائيل”، وهذا يعني أن افراداً من دول أخرى وفق الانتخاب الصهيوني سيعوضون فرص العرب بالعمل.

المشكلة ليست فقط بالتطبيع الإماراتي الصهيوني ولكن الإمارات انخرطت بالمشروع الصهيوني بالمنطقة فباتت تتدخل في مصير 18 دولة عربية، وتغير الحكومات، وتتلاعب بمصير هذا الحزب وذاك، مستغلة حجم الأموال الهائلة التي تتدفق عليها، وكان لها في” الربيع العربي” الدور في صناعة الحكومات، وصناعة الفوضى، وتغيير المعادلات السياسية والأمنية، وأخطرها الهيمنة على المواقع والممرات والجزر المهمة وتسليمها إلى الكيان الإسرائيلي.

حتى عام 2030 تكون الإمارات “إسرائيل الثانية” بالمنطقة، وهي تهيمن على المال والموقع والقرار السياسي والأمني.. الإمارات الآن تسعى إلى شراء أصول قناة السويس، وقد تشارك إسرائيل بمشروع حفر “قناة جديدة” تغني العالم عن قناة السويس وبمواصفات أفضل، وما إفقار مصر والأردن والسودان وتونس وابتلاع المغرب إلا بداية لهذا المشروع الخطير.

لذا علينا ألا نعجب حين تدين الإمارات العمليات البطولية للشعب الفلسطيني فلم تعد الإمارات عربية!

* المصدر: موقع الخنادق اللبناني

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع