السياسية:

لم يعد تأثير الأزمة الاقتصادية في لبنان فقط على أسعار السلع والمنتجات والمحروقات، بل تعدى الأثر إلى ما بعد ذلك، حتى تأثر عدد من اللبنانيين من هذه الأزمة وعادوا إلى الإدمان، بعدما اندمجوا في برامج للتأهل والتعافي.

عانى محمد، البالغ من العمر 37 عاماً ولديه 3 أطفال، مثل غالبية الشعب اللبناني، معاناة شديدة في السنوات الأخيرة، في ظل انزلاق بلاده في غمرة انهيار اقتصادي.

انضم محمد، أحد المتعافين من إدمان المخدرات، إلى برنامج لإعادة التأهيل عام 2015، أملاً في الإقلاع عن إدمان المخدرات، التي ضمت الكوكايين والحشيش والهيروين. وبالرغم من بعض النجاحات الأولية التي حققها، فإن تدهور الأوضاع في لبنان جعل التعافي أصعب بكثير.

قال محمد، خلال حديثه مع موقع Middle East Eye بعد أن غادر لقاءً في مركز سكون، وهو عبارة عن منظمة غير ربحية علاجية؛ لإعادة تأهيل مرضى الإدمان ورفع الوعي: “إن عدم وجود وظيفة والحاجة إلى إطعام العائلة بأكملها، وبدون المال، يجعلني كل هذا قلقاً للغاية”.

لبنان

تزايد تعاطي المخدرات في أنحاء لبنان تمشياً مع الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، التي شهدت انهيار قيمة الليرة اللبنانية، مما أسقط غالبية الشعب اللبناني في هوة الفقر.

وفي الوقت نفسه، تسبب انهيار نظام الرعاية الصحية في تزايد وتيرة الانتكاسات بين المتعافين من الإدمان، وجعل التعافي منه أصعب.

قال محمد: “الأزمة في لبنان تجعل الإقلاع صعباً للغاية، بل تقريباً تجعله مستحيلاً”.

وأوضح: “ربما واحد من بين كل ألف شخص يقلع عن المخدرات. واليوم، إذا رأى شخص ما مخدرات، فسوف يتعاطاها، حتى بعد محاولة التوقف لـ10 سنوات أو 20 سنة”.

زيادة مقلقة في تعاطي المخدرات

صحيحٌ أنه ليست هناك بيانات على المستوى الوطني لعدد متعاطي المخدرات في البلاد، لكن منظمات، على شاكلة منظمة سكون، سجلت زيادة كبيرة في أعداد المرضى الذين يطلبون المساعدة منذ بداية الأزمة الاقتصادية الشاملة في 2019.

منذ ذلك الحين، تسببت الأزمة المالية، مقترنة بتأثير جائحة كوفيد-19، وأيضاً بالصدمة التي خلفها انفجار مرفأ بيروت الفتاك، في تفاقم المشكلة؛ مما جعل الأشخاص يجدون سلواناً في تعاطي المخدرات.

أوضحت ناديا بدران، المديرة التنفيذية بجمعية العناية الصحية (SIDC): “تعاطي المخدرات وإدمانها يبدو حلاً لكثير من اللبنانيين من أجل التعامل مع صدمات الأزمة برمتها، لا سيما انفجار مرفأ بيروت، نظل نسمع عن أشخاص بدأوا في تعاطي القنب أو الحبوب النفسانية التأثير؛ لمساعدتهم على النوم أو تخفيف القلق”.

بين عامي 2019 و2022، قدمت جمعية SIDC خدماتها إلى نسبة أعلى بـ169% من المرضى الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات أو أنواع الإدمان.

كذلك قالت تاتيانا سليمان، المديرة التنفيذية في مركز سكون، إنهم في المركز شهدوا زيادة هائلة في أعداد المشاركين في برنامج الإدمان الخاص بهم.

وأوضحت أنهم في الماضي كان لديهم عدد قليل للغاية من الأشخاص على قائمة الانتظار. وأضافت: “بينما في الوقت الحالي، لدينا شهرياً ما بين 25 و30 شخصاً يجب عليهم الانتظار لشهر أو شهرين للسماح لهم بالانضمام إلى البرنامج”.

من تعاطٍ بغرض الترفيه إلى آلية للتكيف

تطورت أيضاً أسباب تعاطي المخدرات بين الأشخاص.

إذ إن أحدث نسخة من الدراسة الاستقصائية الأوروبية على شبكة الإنترنت حول المخدرات، التي ينظمها المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان (EMCDDA)، والتي ضمت 274 مستجيباً أفادوا بأنهم تعاطوا ما لا يقل عن مخدر واحد غير مشروع في الـ12 شهراً السابقة للدراسة- وجدت أن تعاطي المخدرات في لبنان انتقل من كونه في الأساس نشاطاً ترفيهياً، إلى تعاطيه بوصفه علاجاً ذاتياً لمشكلات مثل الإجهاد والاكتئاب والأرق.

وفي دراسة لم تُنشر بعد، أعدها مركز سكون، اكتُشف أن اللبنانيين البالغين الذين شُخصت حالتهم بتعاطي المخدرات وعُولجوا منها في المركز، تطور لديهم في أغلب الحالات نوعٌ من المشكلات الصحية العقلية، مثل الاكتئاب ما بين الخفيف والمعتدل (55.1% منهم)، والقلق ما بين الخفيف والمعتدل (50.7% منهم)، واضطراب ما بعد الصدمة (61.8% منهم).

كانت الضائقة الاقتصادية، وتغيرات الحالة الوظيفية، وانخفاض ساعات العمل، من بين العوامل الأخرى التي حددها مركز سكون ضمن أسباب زيادة تعاطي المخدرات غير المشروعة والكحوليات.

كذلك تغيّرت بيئة تعاطي المخدرات، وأفاد ما لا يقل عن 83 شخصاً من المستجيبين للدراسة الاستقصائية الأوروبية بأنهم يتعاطونها في المنزل.

قالت تاتيانا: “المحيط الذي يتعاطى فيه الأشخاص المخدرات الآن هو أكثر عزلة، بدلاً من (تعاطيه أثناء) الاحتفالات، أو الحفلات، أو الحفلات الشاطئية، أو الحفلات الصاخبة”.

مع انهيار العملة المحلية، والتضخم المستمر في البلاد، تغيّرت أيضاً أنواع المخدرات التي يتعاطاها المدمنون في طبيعتها. إذ إن المخدرات الأرخص والمتاحة بصورة أكثر، مثل القنب والقصعين (السالفيا) والكحول، وأحدثها الميثامفيتامين، صارت أكثر شيوعاً؛ لأنها يتيسر الوصول إليها والحصول عليها.

وعلى النقيض، يصير الكوكايين والإكستاسي أغلى ثمناً، ومتاحاً فقط لمن يملكون المال الكافي لتحمل ثمنه.

التحدي المتمثل في الانتكاسة

في مواجهة هذا الموقف المقلق، ورغم شح الموارد، تحتشد على كل الجبهات المنظماتُ غير الحكومية التي تتعامل مع إدمان المخدرات، وتبسط نطاق خدماتها إلى مدن أخرى مثل طرابلس.

في سبتمبر/أيلول الماضي، دشنت منظمة أطباء العالم الفرنسية للتنمية، ومركز سكون، ومركز الرحمة للرعاية الصحية الأولية، مركزاً مجتمعياً للصحة النفسية واستخدام المواد المخدرة في طرابلس.

ولكن في الوقت نفسه، تعني قلة المهنيين العاملين في مجال الصحة القادرين على رعاية المرضى، أن عديداً من الأشخاص لن يتمكنوا من الاستفادة من أية رعاية. بحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف، لا تستطيع نصف العائلات اللبنانية الحصول على الأدوية التي تحتاج إليها، بجانب أن حوالي 40% من الأطباء غادروا البلاد منذ بداية الأزمة.

وبدون العلاج، سيكون الكثير من المرضى عُرضة للعودة إلى تعاطي المخدرات، مما يصعّب التعافي من الإدمان.

المخدرات سوريا اليونان

قالت ناديا، من جمعية العناية الصحية (SIDC): “نشهد في [أحد مراكز SIDC] زيادة في خطر الانتكاسة والعودة إلى تعاطي المخدرات، لاسيما في ظل نقص عقاقير العلاج بالناهضات الأفيونية، وزيادة الأسعار في السوق السوداء”.

وأضافت: “إن تعاطي الهيروين يكون أرخص لهم من شراء بوبرينورفين أو سبوكسون من السوق السوداء”.

من المعروف أن آثار الإدمان على الحياة الشخصية والمهنية للمرضى تكون منهكة.

فنتيجة لأعراض الانسحاب البدني والرغبة الشديدة، تقول ناديا إنه يكون هناك انخفاض في الإنتاجية بالنسبة لهؤلاء المرضى الذين لا يزالون يعملون أو يدرسون، بل وأحياناً يتوقفون تماماً عن أداء أية أنشطة.

ورغم ذلك، تبقى المخدرات بالنسبة لكثيرين في لبنان الملاذ الوحيد الذي يلجأون إليه للشعور بالراحة، وذلك حتى يتغير الوضع الاقتصادي.

قال محمد: “عندما لم يكن هناك خبز في البلاد، كان لا يزال من الممكن أن تعثر على المخدرات”.

وأضاف: “الشيء الذي تحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة، مثل الغذاء، يصعب العثور عليه. لكن المخدرات في كل مكان”.

المصدر: عربي بوست
المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع