السياسية :

على رغم ما يعلنه المسؤولون السعوديون بشأن تحقيق صندوق الثروة السعودي فوائض مالية، فإنّه يلجأ إلى الاستدانة؟ لماذا؟ وأين ذهبت العوائد المالية المذكورة؟

“الوصول إلى تريليونَي دولار في عام 2030″، هو الهدف الذي أعلنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبيل أعوام، في أثناء عرضه رؤية المملكة 2030، حالماً بذلك بأن يصبح صندوق الثروة السيادي السعودي الأكبر في العالم، والذي يشكّل حجز الزاوية في الرؤية الاستراتيجية، نظراً إلى المشاريع الرئيسة التي سيتولى تمويلها: مدينة نيوم، ومدينة الترفيه، ومشروع البحر الأحمر السياحي.

لكنّ ما تكشفه التقارير الدولية المستمرّة عن خلافات داخلية بشأن آلية إدارة الصندوق بين ابن سلمان والمسؤولين هناك، واستدانة الصندوق أكثر من 17 مليار دولار، يطرح عدداً من التساؤلات عن مدى واقعية الطرح، ووجهة الفوائض المالية التي يعلنها المسؤولون السعوديون بين الحين والآخر.

سادس أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم.. يستدين!

“استراتيجية غريبة”.. بهذا الوصف اختصرت صحيفة “وول ستريت جورنال” حديثها عن صندوق الاستثمارات السعودي. فكيف لصندوق يُعَدّ سادس أكبر صندوق استثمارات في العالم، أن يلجأ إلى اقتراض 17 مليار دولار لمدة 7 أعوام، لتساعده على سداد قرض، قيمته 11 مليار دولار، منذ عام  2018 !

“أن تحمل ديوناً كبيرة ليس أمراً شائعاً بالنسبة إلى صناديق الثروة السيادية”، تورد “وول ستريت جورنال”، وهو ما يؤشر على “سوء إدارة ابن سلمان، بل مقامراته بمئات المليارات من الدولارات على رغباته الشخصية”، وفق الصحيفة الأميركية نفسها.

سوء إدارة ابن سلمان للصندوق السيادي، الذي يَرْئِس إدارته منذ عام 2015، أوجد خلافاً في البيت الخليجي، بين ولي العهد السعودي، الذي انخرط في اختيار الأسهم والاستثمار في قطاع ألعاب الفيديو والسيارات الكهربائية الفاخرة وفريق كرة قدم إنكليزي، وبين مجموعة متنامية من الممولين المحترفين الذين يحاولون وضع حواجز بشأن كيفية إنفاق ثروة المملكة النفطية.

وخلال فترة جائحة “كورونا”، تزايدت حدّة الخلافات، مع إصرار ابن سلمان على سحب مزيد من الأموال لشراء الأسهم الدولية، والتي رأى فيها فرصة رابحة، إلا أنّ المسؤولين الماليين في الصندوق، كان لهم رؤية معاكسة، نظراً إلى ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر من شأنها أن تقوّض ربط العملة المحلية بالدولار. في نهاية المطاف، انتهى الخلاف إلى استسلام مجلس إدارة الصندوق، نتيجةً للضغوط المتزايدة التي مارسها ابن سلمان .

وفي ظل عدم وجود أصول سائلة كافية، لإشباع رغبة ابن سلمان في التحرك بسرعة، طلب الصندوق من البنك المركزي السعودي منحه عشرات المليارات من الدولارات. وهو ما يطرح تساؤلاً عن مستقبل الصندوق السعودي، الذي يدير نحو 600 مليار دولار، في ظل مؤشرات اقتصادية غير مبشّرة. إذ حذّرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني السعودية من مخاطر تباطؤ نمو الإقراض خلال عام 2023. وفي حال لم يتدخل البنك المركزي في دعم السيولة الإضافية، يمكن أن ترتفع معدلات الفائدة بين البنوك في جميع أنحاء المملكة أيضاً.

وبحسب وكالة “بلومبرغ” الدولية، تحاول الحكومة السعودية تأكيد سيطرتها على تكاليف رؤوس الأموال للبنوك، لأنّ أزمة السيولة تهدد بتقويض قدرتها على تمويل مشاريع ابن سلمان.

وكشفت أن البنوك السعودية تواجه نقصاً في السيولة، بحيث أدى الارتفاع السريع في الإقراض، والذي لم يقابله نمو الودائع، إلى تزايد مطالبات بنوك المملكة بالتمويل من جانب الحكومة.

أين تذهب أموال الصندوق؟

صحيح أنّ صندوق الاستثمار السعودي يضع اعتبارات الرّبح في أولوية سياساته الاستشماريّة، وانعكس ذلك على شرائه أسهماً في شركة “أوبر” العالميّة، ومُعظم أسهم نادي “نيوكاسل” الكروي الإنكليزي، والأمثلة كثيرة، لكن يبدو أنّ الاعتبارات السياسيّة تؤدي دورها في عقد الصّفقات أيضاً، وتحديد الشّركات والبُلدان التي يتم الاستِثمار فيها في بعض الأحيان.

وفي هذا السياق، تقول “بلومبيرغ” إنّ “ابن سلمان يستغلّ صندوق الثروة السيادي وتدفق الأموال لغايات سياسية، بهدف أداء دور أكبر في الساحة العالمية، وكسب النفوذ الجيوسياسي”.

هنا، تبرز القضية الأهم التي أُثيرت العام الماضي، فيما يتعلق باستثمارات ابن سلمان في صندوق الثروة السيادي، إذ كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” استثمار صندوق الثروة السعودي مليارَي دولار في شركةٍ للأسهم والاستثمارات، أسّسها جاريد كوشنر، صِهر الرئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب، وتصبّ في نهاية المطاف لمصلحة شركات إسرائيلية، وهو ما تحدّث عنه الإعلام الإسرائيلي أيضاً في عدّة مرّات.

أمّا الأسباب الكامنة وراء إعطاء ولي العهد السعودي مليارَي دولار لكوشنر، فتحدّثت عنها الصحافية الاستقصائية البريطانية، فيكي وارد، في تحقيق مطولّ، وقالت إنّ “ابن سلمان ممتن لدور كوشنر في التقارب السعودي الأميركي خلال عهد ترامب، والأهم المراهنة على أن الأخير سيعود إلى البيت الأبيض في انتخابات الرئاسة المقبلة”.

وأوضحت الصحافية فيكي وارد أن هناك سبباً إضافياً دفع ابن سلمان إلى عدم التردد في دفع هذا المبلغ إلى كوشنر (من أموال صندوق الثروة السيادي)، وهو مكافأته على دوره في إزاحة ولي العهد السعودي السابق، محمد بن نايف، من طريقه نحو ولاية العهد، ثمّ حُكم المملكة مستقبلاً، ناهيك بدعم كوشنير لابن سلمان في قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي.

وقبل أيام، قالت مجلة “نيوزويك” الأميركية إنّ الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد يواجه مشكلة قانونية جديدة، إذا قررت وزارة العدل التحقيق في صفقاته التجارية مع  محمد بن سلمان، وذلك بعد كشف تفاصيل جديدة تُظهر تمويل صندوق الاستثمارات في السعودية لدوري الغولف (LIV)، الذي يرعاه ترامب.

كما طرحت عدة تساؤلات بشأن وجود الصندوق كمستثمر غير مباشر في شركة “تويتر”. وهل كان للأمر تأثير في الطريقة الباردة التي تعاملت بها الشركة مع  فضيحة التجسس السعودية، والتي دِينَ فيها الموظف السابق في “تويتر”، أحمد أبو عمو، من أجل التجسس على المعارضين للمملكة.

وفي هذا السياق، تعرب المنظمات الحقوقية، بصورة مستمرة، عن قلقها من أن يكون الهدف من وراء الاستثمارات الخارجية للصندوق السيادي هو “غسل انتهاكات حقوق الإنسان”، تحت عناوين استثمارية متعددة.

وأمام الخلافات المستمرّة بين ابن سلمان والمسؤولين السعوديين بشأن إدارة صندوق الاستثمارات السيادي، ووجهة أموال الاستثمار، فإنّ رؤية ابن سلمان، وفق صحيفة “الغارديان” البريطانية، “معرّضة لخطر التحول إلى سراب إذا واصل سلوكه المتهور في إدارة البلاد”.

المصدر: الميادين نت

المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع