الكيان القلق على وقع الانقسام والتصادم
السياسية:
لم تمضِ أسابيع قليلة على احتفال عبد الله بن زايد في “تل أبيب” لمناسبة مرور عامين على توقيع ما يسمّى “الاتفاق الإبراهيمي”، حتى انتزع بنيامين نتنياهو بصعوبة بالغة ثقة الكنيست على حكومة أجمعت الآراء على وصفها بالأكثر تطرّفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، لتشتعل بعدها حرب المواقف والتصريحات النارية بين معسكر نتنياهو وبين معسكر المعارضة التي يقودها خصماؤه في الحكومة السابقة وعلى رأسهم سلفه يائير لابيد ووزير الحرب السابق بيني غانتس، ولتنتقل المواجهة إلى الشارع بتنظيم مظاهرات وإطلاق تهديدات متبادلة، وصلت إلى حد التلويح بالاعتقال واستخدام السلاح والتحذير من مغبة اندلاع حرب إسرائيلية داخلية.
حكومة إرهابية بأغلبية ضعيفة
حازت حكومة نتنياهو الثالثة على أغلبية ضعيفة في الكنيست بموافقة 61 صوتاً ومعارضة 54، بعد خمسة انتخابات نيابية خلال أربع سنوات عجاف، لم تفرز أي منها تكتّلا حاكما بمفرده، كما هو المعهود في تاريخ الحكومات الإسرائيلية؛ حتى “بيبي الساحر” لم يكن لينجح في تشكيلته الهجينة، لولا تحالف الضرورة مع أحزاب الحريديم الذين فرضوا شروطهم في الحصص والوزارات، ودون ذلك كان يمكن الذهاب إلى انتخابات سادسة، ما يعني تكريساً لحالة التشرذم الحاد والانقسام العمودي في الجسم السياسي الإسرائيلي وشرائحه الاجتماعية المرتبطة، مع العلم بأن البرنامج الذي حاز نتنياهو بموجبه على الثقة لا يختلف عليه اثنان في دوائر القرار الصهيوني السياسي والأمني والعسكري، ومن أبرز بنوده ضمان استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، ووقف التهديد الإيراني النووي، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي بتوسيع دائرة “السلام” مع الدول العربية وفي طليعتها السعودية.
تجميع الأضداد
إنه الانصهار المتناقض في عناصره لحكومة تجمع الأضداد والتباينات، بين دينيين متطرّفين وجدوا الفرصة السانحة لتصعيد ممارساتهم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني بأرضه ومؤسساته وأحزابه ومقدّساته ومحاولة تكريس واقع احتلالي جديد على الأرض، وبين علمانيين ديمقراطيين أوصلوا مخلوقاً شاذاً على رأس الكنيست ولا يلتقون بالضرورة مع زملائهم في تشريع الانقلاب على النظام القضائي. ولم يجد نتنياهو، الذي يغطّي إرهاب بن غفير وسموتريتش استغلالاً أو عن قناعة، بداً من اللعب على حبال الاتجاهين ليحافظ على موقعه على رأس الحكومة بالدرجة الأولى، فلعلّها الفرصة الأخيرة أمامه ليكون في سدة الحكم وإطالة مدّة هروبه من الإدانة بالفساد، قبل أن ينضم إلى نادي الرؤساء السابقين الذين قضى بعضهم جزءاً من مدّة تقاعدهم في السجن وفي أروقة المحاكم، إلا أنه بذلك يرقص على حافة الهاوية من دون شبكة أمان.
حرصاً على محمود عباس
يجري تصوير سبب الانقسام بأنه مرتبط بالسياسة المتطرّفة التي يتبعها وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والإجراءات الإرهابية التي تستهدف الشعب الفلسطيني ومقدراته الحياتية والاجتماعية، فضلاً عن إحياء خطط التهويد والترحيل وتعديل الواقع المستقر نسبياً في مدينة القدس وتصعيد إجراءات انتهاك حرمة المسجد الأقصى، ولكن الأمر لا يتعلّق برفض عدائية بن غفير، بقدر ما هو متعلق بالتخوّف من ردّات الفعل، وما يمكن أن تتسبّب به هذه السياسة من زعزعة حالة استقرار المناطق والحدود، ولا سيّما في القطاعات ذات الوجود المختلط، كما تهدّد بفقدان مصادر قوة للعدو داخل المجتمع الفلسطيني، خصوصاً بعد استهداف إجراءات بن غفير “الشريك الفلسطيني” المتمثّل بمحمود عباس وسلطته وأعضاء مجالسه وحكومته، وهي الأداة التي أثبتت فعاليتها في المدّ المعلوماتي الاستخباري والميداني في المناطق التي تنتشر فيها أجهزة السلطة.
إيران التهديد الأكبر
تجمع معظم التحليلات على اعتبار أن ما يحدث في كيان العدو غير مسبوق على مستوى المواجهة الداخلية بهذا المستوى من الحدّة والتصدّع واتساع الشرخ بين المعسكرات السياسية، فقد شهد الكيان حالات انقسام سياسي وخلاف داخلي، ولكنها كانت تنتهي بالتوافق والإجماع على تصعيد الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، والتشدّد أكثر في السياسة حيال الدول العربية بما يستدرج المزيد من التنازلات بضغط أمريكي – أوروبي، ولكن جوانب المسألة مختلفة هذه المرّة، فمعظم الدول العربية انضوت علانية أو سراً في حظيرة التطبيع، ولم تعد تشكل أي تهديد بالنسبة للعدو – ولو في الحد اللفظي الأدنى – إلا أن التهديد الفعلي بات أعظم مما سبق، خصوصاً بعد أن واجه العدو سلسلة هزائم متلاحقة على يد فصائل المقاومة الفلسطينية في الداخل، وعلى يد المقاومة الإسلامية في لبنان، ويواجه اليوم حالة متعاظمة من المقاومة في مناطق الضفة الغربية، دون أن نغفل حالة الرعب التي يعيشها مسؤولو العدو من القوة المتعاظمة لإيران في شتّى المجالات، بحيث وصلت يدها إلى مكاتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
الكيان القلق
قد تؤدي الانقسامات الحالية إلى حالة من الفوضى السياسية وانعدام الاستقرار، وسط أرقام مخيفة وغير مسبوقة عن حالات التهرّب من الخدمة في الجيش وارتفاع حالات الانتحار ورفض التجنيد، فضلاً عن انكشاف عمليات سرقة متكرّرة لمخازن تابعة للجيش وغير ذلك من الأزمات الاجتماعية التي تعكس واقع التفكّك في المجتمع الصهيوني المتفاوت الأعراق والمعتقدات الصهيونية الشاذة، ولكن من المبكر جداً القول بأن الكيان الصهيوني بدأ يعاني إرهاصات الانهيار، إلا أنّه حتماً قد دخل مرحلة القلق التي تجعل قياداته تعيد حساباتها جيداً، وتعيد فتح مجال خياراتها بزوايا أوسع، ولا نستبعد أن يسارع أعراب التسوية – والسعودية بالتحديد – إلى نجدة “إسرائيل” بتقديم تنازلات جديدة وإهدائها حظوة التطبيع، أو تدشين الإمارات “بيت العائلة الإبراهيمية”، إلا أن ذلك لن يعدّل في ميزان القوى ولن يطمئن نتنياهو من احتمال تحقّق النبوءة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وهي أننا “قد لا نحتاج إلى حرب، وسنجد الصهاينة يرحلون عن أرض فلسطين من تلقاء أنفسهم”.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع