بقلم: ريك زاند *

واجه الاقتصاد السعودي والخطط الطموحة التي تبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لأكبر دولة خليجية، الانهيار، وذلك بعد أن تم اتهامه بالوقوف وراء عملية القتل الوحشي التي تعرض لها كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في العام 2018.

محمد بن سلمان الذي اكتسب زخماً في العام السابق من خلال قيامه بجولة في الولايات المتحدة مع حاشيته، وحجز فندق فورسيزونز بأكمله في بيفرلي هيلز.

تناول العشاء مع مايكل دوغلاس ودواين جونسون ومورجان فريمان في قصر روبرت مردوخ والتقى بيل جيتس وجيف بيزوس وريتشارد برانسون وحتى كوبي براينت وأوبرا، سبق وأن وقع صفقة أسلحة بقيمة 350 مليار دولار مع الرئيس السابق ترامب.

أصبح وجه للإصلاح في بلد تحكمه منذ فترة طويلة المراسيم الصارمة للسلفية الوهابية، وهي نسخة من الإسلام ترفض التحديث والتأثيرات الخارجية.

عاد ولي العهد السعودي إلى وطنه بخطط طموحة حظيت بدعم مالي من اللاعبين الغربيين الرئيسيين.

كان على ريتشارد برانسون أن يوجه السياحة لمنتجعات البحر الأحمر، في محاولة من السعودية لإنشاء سوق سياحي.

في المقابل، سيخصص صندوق الاستثمارات العامة للمملكة مليار دولار في برنامج فيرجن الفضائي.

لكن برانسون ألغى الصفقة عندما ظهرت اتهامات بأن محمد بن سلمان كان وراء مقتل الصحفي جمال، وبالمثل، سحبت أمازون خطتها البالغة مليار دولار لبناء مراكز في جميع أنحاء المملكة.

كان ينبغي أن يكون مقتل خاشقجي نهاية أي فرصة لحكم محمد بن سلمان المزدهر، تواصل مع شريكه المقرب السابق، جيف بيزوس، وهي خطوة من شأنها أن تدفع بن سلمان، كما يُزعم، لاختراق هاتف بيزوس، مالك صحيفة واشنطن بوست.

مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي السعودي الذي عقد في الرياض بعد ثلاثة أسابيع فقط من مقتل خاشقجي، والذي أطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء”، سرعان ما فقد رعايته.

انسحبت العديد من وسائل الإعلام والشركات مثل: سي أن أن، نيويورك تايمز، فاياكوم، أوبر تكنولوجيز، سيمنز، بنك غولدمان ساكس وبنك جي بي مورجان تشيس.

وأعادت شركة “إنديفور كونتنت، وهي شركة إنتاج أمريكية، استثمار بقيمة 400 مليون دولار إلى صندوق الثروة السيادية في السعودية.

أحد الحلفاء الرئيسيين الذين وقفوا بقوة إلى جانب محمد بن سلمان في أعقاب مقتل خاشقجي كان ترامب، الذي جعل السعودية وجهته الدولية الأولى كرئيس.

اعترف ترامب في وقت لاحق للصحفي بوب وودوارد بأنه “أنقذ حمار محمد بن سلمان” وتمكن من إقناع الكونجرس بتركه وشأنه”.

في الواقع، تناقض ترامب في عام 2018 مع نتائج وكالة المخابرات المركزية التي أشارت إلى دور محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي، قائلاً: “أنا أكره الجريمة، أكره التستر، سأخبرك بهذا: ولي العهد يكرهها أكثر مني، ولقد نفوا ذلك بشدة”.

مع وجود إدارة ترامب إلى جانبهم، تواصل السعوديون بهدوء مع الحكومات الواقعة شرق منطقة الخليج من خلال شركة النفط الحكومية أرامكو السعودية.

في أوائل عام 2018، وقعت أرامكو اتفاقيات ضخمة في الصناعة والتكنولوجيا والتمويل مع كوريا الجنوبية.

وفي ديسمبر 2022، وقعت شركة النفط العملاقة العديد من الصفقات التي عززت مكانة الصين كلاعب مركزي في المحفظة الاستثمارية السعودية.

تضمنت الصفقات طرقاً للمساعدة في تنويع الاقتصاد السعودي من خلال نقله إلى منتجات كيميائية أكثر قيمة وبعيداً عن الوقود الأحفوري.

وقبيل قمة مجموعة العشرين، وقعت السعودية اتفاقاً مع إندونيسيا لاستكشاف الاستثمار في سلسلة قيمة الهيدروجين والأمونيا للسعودية لتحقيق هدفها الطموح لانبعاثات غازات الدفيئة الصافية الصفرية بحلول عام 2060 (حددت أرامكو هدفها لعام 2050).

وفي الوقت نفسه، في نهاية عام 2022، شحنت أرامكو كميات تعاقدية كاملة من النفط الخام إلى دول شمال آسيا على الرغم من الوعود بخفض إنتاج الخام.

في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة، منح بايدن محمد بن سلمان الحصانة الكاملة في قضية رفعتها خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، بسبب حصول ولي العهد مؤخراً على لقب رئيس الوزراء، الذي يعود تقليدياً للملك.

هذا القرار – بينما كان محفوفاً بانتقادات جماعات حقوق الإنسان ويمثل تحوّلاً من حملة بايدن، الذي تعهد بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة كما هي”، ووعد بأنه سيجعلهم “يدفعون الثمن” لقتل خاشقجي – قد يخفف الضغط على الشركات التي سحبت استثماراتها ويسمح لها باستئناف أعمالها كالمعتاد في المملكة.

في الواقع، في حدث معهد مبادرة مستقبل الاستثمار في أكتوبر 2022، عادت الوجوه المألوفة إلى الظهور.

حضر جاريد كوشنر وستيف منوشين من البيت الأبيض في عهد ترامب، ومساعد الرئيس للاتصالات أنتوني سكاراموتشي.

وعندما سئل عن مقتل خاشقجي، علق سكاراموتشي قائلاً إنها “مأساة، هل نحن قادرون على تجاوز ذلك الآن؟”.

كما حضرت سالي بوزبي، المحرر التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست، إلى جانب عودة عمالقة وول ستريت جي بي مورجان وجولدمان ساكس.

كان محمد بن سلمان يبلغ من العمر 33 عاماً فقط عندما تم تتويجه ولياً للعهد، ربما يمكن أن تُعزى بعض زلاته إلى قلة الخبرة والشباب، على الرغم من صعوبة تصنيف الحرب غير الإنسانية في اليمن وقتل الصحفي على أنها أخطاء بسيطة في القيادة.

يعتمد الاختبار الحقيقي على نجاح مدينة نيوم المستقبلية التي لا تزال قيد الإنشاء حالياً وجزء من خطة رؤية 2030 التي من شأنها أن تقدم المملكة العربية السعودية التقدمية والمتنوعة اقتصادياً.

تعد نيوم بأقمار اصطناعية وسيارات أجرة بدون سائقين وعمالة روبوتية بينما تعمل بدون انبعاثات كربونية.

السؤال هو ما إذا كانت هذه المدينة المتقدمة تقنياً يمكن أن تحقق جدواها الاقتصادية من خلال جذب السياح والصناعات الأجنبية.

إنه نهج “قم ببنائه وسيأتون” والذي يحمل وعوداً أقل من المدن التي تنمو لتحافظ على زيادة الأعمال التجارية والسكان.

إذا نجحت، فقد تكون بمثابة نموذج للدول الأخرى التي ترغب في جذب المستثمرين وبناء مركز صناعي.

إذا لم يكن الأمر كذلك، فستكون قصة أخرى تحذيرية من الغطرسة، عندها فقط سنعرف مدى انتعاش محمد بن سلمان.

في حين أنه لا عودة إلى الأيام الأولى من افتتان هوليوود لولي العهد الإصلاحي، فإن البراغماتية قد تفوز بيوم على المثالية.

يمكن للمرء أن يجادل في أن محمد بن سلمان قد لعب بخبرة في ضوء الأزمات الوجودية التي صنعها، لاسيما مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

*12/جمادى الثاني/1444 الموافق 5 يناير 2023(صحيفة ” ميدل ايست مينتور – Middle East Monitor ” البريطانية – ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع