السياسية: صادق سريع

يعرف خبراء الاقتصاد الركود الاقتصادي على أنه تراجع كبير في النشاط الاقتصادي، لأكثر من بضعة أشهر.
ويحدث الركود أزمة اقتصاديّة بسبب انخفاض المؤشرات الاقتصاديّة بشكل كبير لمدة زمنيّة متواصلة ، تتلخص هذه المؤشرات على الدخل، والعمالة، والتصنيع، ومبيعات التجزئة، وإجمالي الناتج المحلي.

ويعانى الاقتصاد العالمي وضعا صعبا ، منذ عقود بسبب الازمات الاقتصادية التي سببها الحروب والأوبئة مما أدى إلى ضعف الإنفاق ودفع البنوك المركزية إلى رفع تكاليف الاقتراض بمعدل غير مسبوق للسيطرة على التضخم.

* فما هو الركود العالمي؟

الركود هو مصطلح في الاقتصاد الكلي ويطلق على أي انخفاض ملحوظ وواسع النطاق في النشاط الاقتصادي يستمر لعدد من الأشهر، وتحديدا يطلق على أي فترة ينخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي لمدة تساوي ستة أشهر على الأقل. وهي إحدى مراحل الدورة الاقتصادية عادة ما تزداد فيها البطالة وتنخفض قيمة الاستثمارات وأرباح الشركات.

ويقترن الركود بعدد من الظواهر “غير المرغوبة” في الاقتصاد، وفي مقدمتها إفلاس الأعمال، وارتفاع نسب البطالة، وانكماش حجم أعمال الشركات، وتراجع سوق الأسهم، وإحجام الاستثمارات عن التوسع في أعمالها، وزيادة نسبة الديون “السيئة” في الاقتصاد.

وقال الخبير الاقتصادي مدير ورئيس قسم التوقعات في “مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال كاي دانيال نيوفيلد لوسائل الاعلام : “من المرجح أن يواجه الاقتصاد العالمي العام المقبل، ركودا، نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة استجابة للتضخم المرتفع”.

وتوقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي، أن ينخفض النمو العالمي إلى 2.7 بالمائة في عام 2023. وباستثناء الأزمة المالية العالمية وأسوأ مراحل الوباء، سيكون هذا أضعف عام للاقتصاد العالمي منذ 2001.

وفي نوفمبر الماضي، ومنذ أن نشر تلك التوقعات، حذر الصندوق من أن التوقعات أصبحت “أكثر كآبة”.

ويرى خبراء الاقتصاد انه إذا ما كان الركود العالمي سيحدث أم لا، فإنه يمكن أن ينخفض نتيجة 3 عوامل، وهي: ما تفعله البنوك المركزية بعد ذلك، ونتائج إعادة الانفتاح الحديث في الصين وأسعار الطاقة.

* مؤشرات على الركود

وفقاً لـ بي بي سي يقول البروفسيور والأستاذ بكلية الأعمال في جامعة نوتينغهام حافظ عبدو :” هناك مجموعة من المؤشرات على الركود أولها انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلك. فضعف القدرة الشرائية لدى الفرد يؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية لدى الحكومات، كما يترافق مع ضعف الإنتاج العام لدى الدول”.

وحذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي “كريستالينا جورجيفا” من أن ثلث الاقتصاد العالمي سيتعرض لحالة ركود خلال العام الحالي، وسيكون الوضع الاقتصادي خلال عام 2023 “أصعب” من العام الماضي، إذ ستمر الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والصين بفترة تباطؤ اقتصادي.

فيما حذرت الخبيرة الاقتصادية في مركز مودي أناليتيكس للأبحاث الاقتصادية في سيدني “كاترينا إيل من احتمالات حدوث ركود عالمي بشكل كبير خلال العام 2023 خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية”.

وأكّدت الخبيرة الاقتصادية أنّه “خلال الشهرين المقبلين سيكون الأمر صعبًا على الصين، وسيكون التأثير على النمو الصيني سلبيًا كما سيكون التأثير على المنطقة سلبيًا، وكذلك على النمو العالمي”.

وأشارت إلى ان “صندوق النقد الدولي خفض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2023 في أكتوبر، بسبب الحرب في أوكرانيا وكذلك ارتفاع أسعار الفائدة، إذ تحاول البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم كبح جماح ارتفاع الأسعار”.

وعزت ارتفاع معدل التضخم ارتفع بشكل مطرد إلى الحرب في أوكرانيا، في حين أن أسعار الفائدة المرتفعة أثرت أيضا في الأسر والشركات، حيث أشارت الأرقام الصادرة خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى ضعف الاقتصاد الصيني في نهاية العام 2022.

وقالت إيل وفقا لتقارير صحفية :” أنّ الافتقار إلى النمو دفع المستثمرين إلى سحب الأموال من الاقتصاد، وبالتالي فإن البلدان ولا سيما البلدان الفقيرة سيكون لديها نقود أقل لدفع ثمن الواردات المهمة مثل الغذاء والطاقة، الأمر الذي يمكن أن يُفقد العملات قيمتها مقابل تلك الموجودة في الاقتصادات الأكثر ازدهارًا، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة”.

ويشير خبراء الاقتصاد الى ان ارتفاع أسعار الفائدة على القروض في الاقتصادات على المستوى الحكومي أيضًا، وخاصة الأسواق الناشئة، التي قد تكافح لسداد ديونها، ومن المرجح أن يؤدي تجديد الطلب على سلع مثل النفط وخام الحديد إلى زيادة الأسعار في الوقت الذي بدا فيه أن التضخم قد بلغ ذروته.

فيما وصف صندوق النقد الدولي، التضخم بأنه “التهديد الأكثر إلحاحا للازدهار الحالي والمستقبلي ، يبشر خبراء الاقتصاد ان التضخم بدأ في الانخفاض في الولايات المتحدة وأوروبا مع تراجع أسعار الطاقة، وارتفاع معدلات الفائدة.

ويرى الخبراء ان هناك متغيرات اقتصادية تتشكل خلال العام المقبل حيث أوضحت البنوك المركزية أنها لا تنوي التوقف عن مواصلة رفع الفائدة قريبا، حتى لو كانت مرتاحة أكثر مع الزيادات الصغيرة. وقالت كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي في وقت سابق هذا الشهر حول رفع أسعار الفائدة: لن نتردد.

وأكد مسئولي البنوك المركزية أنهم لا يعرفون إلى أي مدى سيحتاجون إلى رفع أسعار الفائدة، أو المدة التي سيحتاجونها للإبقاء على مستوياتها، من أجل إعادة التضخم إلى ما يقرب من 2 بالمائة والحفاظ عليه عند هذا المستوى.

فيما لو واصلت الأسعار الارتفاع، فقد تكون البنوك المركزية أكثر حدة مما هو مخطط، مما يضع مزيدا من الضغط على الاقتصاد العالمي.

ويرى خبراء أوروبيون أن إعلان موسكو قطع الغاز هذا الشتاء عن ألمانيا، قد يدفع الأخيرة إلى ركود وقد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الذين يعانون أصلاُ من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.

كذلك بنك غولدمان ساكس يرى أن الناتج المحلي الإجمالي الألماني انكمش في الربع الثاني من العام، وسيتراجع أيضًا في الربع الثالث.

في بريطانيا، قد يصل التضخم إلى 15 بالمائة هذا الشتاء ، ويلمح بنك إنجلترا بأنه يفكر في رفع أسعار الفائدة بشكل حاد لتهدئة التضخم.

وقد حذرت المرشحة لزعامة حزب المحافظين، ليز تراس، منافسها على المنصب وزير الخزانة السابق، ريشي سوناك، من تبعات سياسته الاقتصادية

وقالت في مناظرة جمعتهما: “لا يمكنك فرض ضرائب وتحقيق نمو. إذا اتبعنا خطط ريشي، فإننا سنتجه إلى ركود اقتصادي”.

من جهته ، قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول بعد اجتماع البنك المركزي في ديسمبر الماضي: “نعتقد أنه سيتعين علينا الإبقاء على سياسة صارمة لبعض الوقت”.

وقال رئيس الأبحاث الاقتصادية والسياسية في جي بي مورغان تشيس بروس كاسمان في وقت سابق من شهر ديسمبر الماضي:”تشير حالة الكساد الحالية في الصين إلى أن إمكانية رفع القيود كبيرة، ومع ذلك، تظهر التجربة الحديثة أيضا أن الانتكاسات الكبيرة تحدث عادة عندما يكون الفتح سابق لأوانه، وتكون أنظمة الرعاية الصحية مضغوطة”.

وتجتاح الصين موجة من الإصابات بفيروس كورونا، لكن حتى الآن، تمضي بكين قدما في خططها لتخفيف القيود.
وأعلنت الأسبوع الماضي أنها ستلغي شروط الحجر الصحي للوافدين الدوليين بدءًا من أوائل يناير الجاري، في خطوة كبيرة نحو إعادة فتح حدودها، في حين تفرض دول أخرى قيودا على المسافرين من الصين، خوفا من ظهور متحورات جديدة.

وقالت كبيرة الاقتصاديين في KPMG ديان سونك :” إن “أحد أسباب انخفاض أسعار الطاقة هو أن الصين ضعيفة بشكل غير عادي”.

في السياق ، أشار تقرير لوكالة الطاقة الدولية، إلى أن أوروبا قد تواجه نقصا في الغاز الطبيعي في عام 2023، إذا أوقفت روسيا كل صادرات الغاز إلى المنطقة، وأصبح الطقس أكثر برودة.

في حين تستمر حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، في إضافة حالة من عدم اليقين إلى التوقعات، خاصة بالنسبة لدول أوروبا، التي تفطم نفسها عن الطاقة الروسية، لكنها لا تزال تواجه نقصا.

من جهتها ، أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن أحدث توقعاتها الاقتصادية قد تتطلب مراجعات، إذا أدى نقص إمدادات الطاقة إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، أو إذا احتاجت الحكومات في أوروبا إلى فرض ترشيد لخفض الطلب على الغاز والكهرباء هذا الشتاء والشتاء المقبل.

وقال رئيس استراتيجية الاستثمار والاقتصاد في سيتي برايفت بنك في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا غيوم مينويت: “تظل هذه الأوضاع مليئة بالتحديات”.

ويتوقع فريقه أن يشهد العالم أبطأ معدل نمو اقتصادي، خلال الـ40 عاما الماضية، باستثناء عام 2020 والأزمة المالية 2007-2008.

وحتى إذا تم تفادي الركود العالمي، فلا يزال بإمكان العديد من البلدان تحمل فترات الركود المصحوبة بارتفاعات مؤلمة في معدل البطالة، على الرغم من أن الاقتصاديين لا يتفقون على مدى شدتها وطول مدتها.

* الركود و الدول العربية

يقول البروفسور حافظ عبدو :” إن موضوع الركود الاقتصادي هو موضوع عالمي.. لا يمكن لبلد أن يدخل في ركود اقتصادي إلا اذا كانت هناك ظروف مميزة، كما كان الحال مثلا في اليونان عندما دخل في ركود بسبب الانفاق الحكومي وحجم الخسائر… الخ”.

واستُخدم مصطلح الركود التضخميّ لأول مرة في الستينيات من قِبل السياسيّ البريطانيّ “ماكلويد” وذلك عندما وصف الاقتصاد بأنَّه حالة كساد كما أنَّ الركود التضخميّ يرتبط أكثر بركود السبعينات عندما شهدت الولايات المتحدة الأمريكيّة خمسة أرباع نمو سلبي للناتج المحليّ الإجماليّ بعد أزمة النفط وخلال ذلك الوقت تضاعف التضخم وارتفع .

* أسباب الركود

– ارتفاع معدلات الفائدة والأسعار، ما يقلل من القدرة الشرائيّة.
– انهيار البورصة وسوق الأسهم، كنتيجة لفقدان الثقة.
– انخفاض مبيعات المساكن وانخفاض أسعارها، ما يؤدي للتقليل من قيمتها.
– التباطؤ في طلبات التصنيع.
– إزالة القيود المفروضة على نسب القروض.
– خفض الأجور، ما يدفع لتسريح العمال.
– الركود الذي يتبع الحروب.
– ارتفاع قيمة أسعار أسهم الإنترنت، أو أسهم المنازل بشكل يفوق المعتاد.
– انتظار انخفاض الأسعار للبدء بالشراء.

* حالات تاريخية للركود

شهد العالم نحو 50 حالة ركود اقتصادي، بداية مما يعرف بـ ذعر النحاس عام 1789، حتى الأزمة المالية العالمية عام 2008، وكانت حالات الركود الاقتصادي شائعة، خاصة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

وشهد العالم في الفترة بين عامي 1945 و2001 عشر حالات ركود فقط، وهو عدد أقل بكثير مما شهده العالم في فترات مماثلة فيما مضى، ويستشهد بعض الخبراء الاقتصاديين بذلك كدليل على أن الدورات الاقتصادية باتت أقل تقلباً.

و يظل حال الاقتصاد العالمي في حالة ترقب وخوف ، سواء حدث في العالم ركود أم لم يحدث، فمن المرجح أن تكون الأشهر الـ 12 المقبلة صعبة.