ما الذي تفعله الأمم المتحدة “العاجزة” بالضبط لضمان محادثات السلام؟
وليام دوبوي *
مع استمرار الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، في ظل شتاء متجمد وحرب خنادق، لا تزال الصين تهدد بغزو تايوان، وفي الوقت نفسه، لا يختلف الوضع في أجزاء أخرى من العالم، حيث يحتدم صراع دموي في منطقة القرن الأفريقي واليمن.
فأين هي علامات العمل الدولي المتضافر لوقف هذه الموجة العالمية من الموت والخراب والدمار الذي يهدد البشرية؟
على وجه الخصوص، ما الذي يحدث داخل أروقة مقر الأمم المتحدة في نيويورك، هذه المنظمة المكلفة بضمان السلام والأمن في جميع أنحاء العالم منذ تأسيسها وسط الأنقاض التي خلفتها الحرب العالمية الثانية؟
وعلى الرغم من عدوانها الواضح على أوكرانيا، تظل روسيا عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي الهيئة المسؤولة بشكل أساسي عن الحفاظ على السلام الدولي.
كما أن الصين عضو دائم، على الرغم من تهديدها لتايوان والمناوشات الحدودية المستمرة مع الهند.
وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، فقد قاموا بتسليح أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
هل تستطيع الأمم المتحدة حقا أن تدعي أنها حارس السلام العالمي؟
مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، في شتاء متجمد وحرب خنادق، يتساءل الصحفي أربيل غوناستي: أين هي علامات العمل الدولي المتضافر لوقف هذه الموجة العالمية من الموت والدمار؟
في الحقيقة، توقفت المنظمة في العام 1945 وظلت تدار منذ إنشائها لصالح الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن: الحلفاء الخمسة الذين هزموا ألمانيا النازية منذ ما يقرب من 80 عاما.
وبالنظر إلى أن جميعها قوى نووية وأن جميع الدول الخمس تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، فليس من المستغرب أنك لم تجد أي قرارات بشأن تايوان أو أوكرانيا خلال الأشهر الـ 12 الماضية، بالتأكيد لم يكن هذا الأمر مفاجأة بالنسبة لي.
قضيت ما يقرب من 15 عاما في العمل في نيويورك مع الأمم المتحدة، ويمكنني أن أؤكد أنه مجرد متجر دردشة مبالغ به وعاجز، ينفق عليه مليارات الجنيهات، لهذا لم يقنعني أي شيء رأيته منذ مغادرتي له في العام 2008 بتغيير رأيي.
عندما عملت هناك، كان من الواضح أنه كان بمثابة صحن لتقديم الطعام للموظفين وشركائهم.
كانت قاعات الطعام التابعة للأمم المتحدة أماكن يمكن فيها رؤية نخبة العالم في ثلاث وجبات غداء مارتيني*.
كل مساء كانت هناك حفلات استقبال يتم خلالها إطعام السلك الدبلوماسي والضيوف – غالبا من المشاهير – ومجموعات من الصحفيين المقبلات، بينما تتدفق المشروبات المجانية.
وصلت إلى نيويورك في ديسمبر من العام 1992 كمسؤول صحفي شاب وممثل للبعثة الدبلوماسية التركية لدى الأمم المتحدة.
كنت أتوقع رؤية منتدى للمناقشات الجيوسياسية، إن لم تكن حقيقية، على الأقل سوف تكون مستنيرة.
لكنني سرعان ما أدركت أن دولتين فقط، وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، فقط من لهما صوت حقيقي.
في الواقع، في ذلك الوقت، لاحظت الصحافة العالمية فقط وصول السفير الأمريكي أو الروسي إلى الميكروفون.
في الطابق الثالث من المبنى، حيث التقى المتحدث الأمريكي ونظيرة السوفيتي، كانت الأولوية دائما ما تعطى لمراسل الأمم المتحدة التابع لصحيفة نيويورك تايمز في المقام الأول، تليها وكالات الأنباء الثلاث ” يونايتد برس إنترناشيونال، ورويترز وأسوشيتد برس”.
أما الصحفيون المعتمدون المتبقون، وعددهم نحو 300 صحفي، فكانوا ينسخون تقاريرهم ويلصقونها وربما كان ذلك مفهوما، لأن الأمم المتحدة كانت لا تزال تعمل كمؤسسة للحرب الباردة، لا يهم فيها سوى هاتين القوتين العظميين المتنافستين.
ولكن بحلول الوقت الذي غادرت فيه في يناير2008، لم تكن الأمم المتحدة قد أصبحت أكثر من مجرد بقايا من مخلفات الحرب الباردة وهي رمزية بلا شك، ولكنها عديمة الفائدة مثل قطعة غير مجسدة من جدار برلين.
image.png
أفراد من الجيش الأوكراني يقودون عربة مدرعة في الشوارع وسط الصراع المستمر
ومع تلاشي فائدتها، استمرت البيروقراطية الواسعة للأمم المتحدة في النمو، حتى مع أخذ التضخم في الاعتبار، فإن النفقات السنوية للأمم المتحدة أعلى 40 مرة اليوم مما كانت عليه في أوائل خمسينيات القرن الماضي.
تضم المنظمة الآن 17 وكالة متخصصة و14 صندوقا وأمانة تضم 17 إدارة توظف 41 ألف شخص.
وقد زادت ميزانيتها الإدارية السنوية، التي يتم الاتفاق عليها كل عامين، بأكثر من الضعف على مدى العقدين الماضيين لتصل إلى 5.4 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن المنظمة بأكملها مشلولة بسبب البيروقراطية الواسعة والفساد المؤسسي.
لقد أنفقت أكثر من نصف تريليون دولار في الـ 70 عاما الماضية، على الرغم من أن الغالبية العظمى من الدول الأعضاء 193، في آخر إحصاء – التي شعرت ذات يوم بالامتياز لتكون أعضاء في هذا النادي الدولي أصبحت تنظر إليه على أنه غير ديمقراطي وتهيمن عليه الدول الغنية، التي تستخدمه لتشكيل العالم بالطريقة التي تريدها – ناهيك عن العواقب المترتبة على الدول الصغيرة.
ولكن منذ نهاية اليقين الثنائي للحرب الباردة، أصبحت الأمم المتحدة أقل فائدة وأقل أهمية لجميع المعنيين تقريبا، ومن الواضح أن العالم قد تغير، ولكن الأمم المتحدة لم تتغير معه.
لا تزال المنظمة تحت سيطرة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين الحازمة حديثا، والتي لا تتردد أي منها في استخدام حق النقض لحظر مناقشة أي شيء تعتبره ليس في مصلحته الوطنية.
ولكن علاوة على ذلك، فشلت المنظمة بوضوح في إدراك الأهمية المتزايدة للقوى الإقليمية مثل تركيا والهند والبرازيل وألمانيا وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وجميع هذه البلدان محرومة من أن يكون لها صوت فعال في مجلس الأمن، شأنها شأن جميع البلدان الصغيرة التي ترغب في الإعراب عن مظلوميتها أو تأكيد مصالحها المشروعة.
لقد أصبحت لائحة الاتهام ضد الأمم المتحدة طويلة جدا لدرجة أنني أتساءل أحيانا لماذا تكلف البلدان الأصغر أو الأقل قوة عناء الحضور.
خلال الفترة التي قضيتها هناك، شهدت الجمود بعيد المنال في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك.
كانت هناك قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في الجزيرة منذ العام 1964، لكن المحادثات لم تتقدم شبرا واحدا.
رأيت في العام 1994 الأمم المتحدة لا تفعل شيئاً بينما تم ذبح ما يقرب من مليوني رواندي.
وفي العام التالي، وقفت القوات الهولندية التي تعمل كقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة مكتوفة الأيدي بينما قتل مئات المسلمين البوسنيين بالقرب من سربرنيتشا خلال الحرب الأهلية الدموية التي أعقبت تفكك يوغوسلافيا.
وفي العام 2003، استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن الأمم المتحدة كأداة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة لحشد جيش دولي لغزو العراق تحت ذريعة مختلقة تماماً “وجود أسلحة الدمار الشامل”.
وبمراقبة عمل مجلس الأمن عن كثب، اتضح لي أنه فشل فشلا ذريعا في حل أي مشاكل جوهرية.
كان هذا دائما تقريبا بسبب شد الحبل الجيوسياسي بين الأعضاء الخمسة الدائمين، على الرغم من أنه عادة ما يشارك فيه ثلاثة فقط: الولايات المتحدة وروسيا والصين.
ولكن على الرغم من الدعوات للتحديث، فإن القوى النووية الخمس لا تظهر أي استعداد للتخلي عن القوة التي تستخدمها في كثير من الأحيان لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها.
ومنذ العام 1982، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع القرارات التي تنتقد كيان إسرائيل 35 مرة.
وفي الآونة الأخيرة، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لمنع تدخل الأمم المتحدة في سوريا.
وفي الوقت نفسه، تجاهلت الأمم المتحدة عودة طالبان إلى أفغانستان وأهدرت ثلاث فرص على الأقل لمنع وقوع مآس إنسانية كبرى في الصومال.
وقد لخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المشكلة الأساسية في قلب الأمم المتحدة في العام 2014، عندما اشتكى من أن “العالم أكبر من خمسة” وينبغي أن تكون هذه صيحة استنفار لأي بلد ليس عضوا دائما في مجلس الأمن.
إن النجاحات المهمة الوحيدة التي حققتها الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة هي استخدام قوات حفظ السلام الصغيرة التي توفرها الدول الأعضاء لإنهاء النزاعات المحلية التي لا تؤثر على الأهداف السياسية للولايات المتحدة أو روسيا أو الصين.
وبإزالتها سوف تكشف الأمم المتحدة بنفسها على حقيقتها: منظمة تافهة ومسرفة أساسا لا تنجز شيئا تقريبا على الإطلاق.
*28 جماد الأول 1444, الموافق 22 ديسمبر 2022(موقع ” نوقل دو جور- Nouvelles -du jour” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
*المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع